إنقسام الغرب حول أوكرانيا.. سمة المرحلة المقبلة

موقع قناة الميادين-

وسام إسماعيل:

إن استمرار الواقع الحالي لناحية عدم تمكن القوات الأوكرانية من تحقيق أي اختراق يذكر، إضافة إلى التناقض الحاد بين الرؤيتين الأوروبية والأميركية، سيدفع في المرحلة المقبلة باتجاه الكشف عن ضعف التحالف الغربي المتماسك ظاهرياً.

بعد عام على انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، زار الرئيس الأميركي جو بايدن كييف للتأكيد على قرار الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب أوكرانيا انطلاقاً من المعايير المثالية الغربية المتمثلة بالدفاع عن الديمقراطية والعالم الحر، وذلك عبر دعم عسكري ومالي أكدت الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية استمرار إرساله، مع الإشارة إلى اختلاف في الإستراتيجيات بين تلك القوى في ما بينها، وبينها وبين الرئيس الأوكراني الّذي لم يعد يفوت أي فرصة في لقاء أو مؤتمر صحافي من دون أن يستغلها للتعبير عن ضرورة إرسال أسلحة يعتبرها الغرب في خانة المحرمات الإستراتيجية.

وإذا كانت زيارة الرئيس الأميركي قد شكلت علامة فارقة في الأيام الأخيرة، إذ يمكن اعتبارها دلالة على مدى تأثر الولايات المتحدة بنتائج المعركة في أوكرانيا، فإنَّ اللافت أن تلك الزيارة لم تترافق مع ما يمكن اعتباره كسراً للخطوط الحمر الحاكمة للعلاقة مع روسيا؛ فالوعود الأميركية بالتسليح لم تخرج عن إطار ما كان يمرر سابقاً، وبقيت محدودة ضمن إطار التسليح الدفاعي الذي يُقدر أميركياً بأنه لن يكسر التوازن مع دولة نووية بحجم روسيا.

وعلى الرّغم من إصرار زيلينسكي على أنَّ الخيار الوحيد الذي سيكون متاحاً أمام القوى الغربية هو هزيمة روسيا عسكرياً، إذ يحاول أن يظهر أن أوكرانيا ستجسد، من خلال وقوفها في وجه روسيا، شكل النظام العالمي، فلم يخرج الرئيس الأميركي عن الإطار الذي رسمه ماكرون منذ أيام، إذ أكد الأخير أن هزيمة روسيا هي أمر غير واقعي، والواقعية تفترض العمل على إفشال مشروعها بما يساعد في إقناعها بالجلوس إلى طاولة التفاوض لوقف إطلاق النار.

إن الرئيس الأميركي، وإن كان كلامه قد صدر تحت وقع الإحساس بالقوة والنجاح، انطلاقاً من نجاح الغرب في تفادي سقوط كييف أول أيام الحرب، لم يخرج عن أطر إفشال المشروع الروسي والوقوف في وجه اجتياح أوكرانيا، من دون أي إشارة إلى سعي حقيقي لتحقيق هزيمة روسية إستراتيجية.

لذلك، يصبح من الضروري البحث في ما قد يجمع الحلفاء الغربيون على أنه هدف واقعي يسعون لتحقيقه في أوكرانيا بعيداً من طموحات زيلينسكي وأحلامه.

وإذا كان الرئيس الأوكراني يستهدف تحولاً في واقع العلاقات الدولية وفق منطق الانقسام العمودي الحاد بين القوى الكبرى، بحيث تصبح إمكانية التصادم المباشر بينها أو انهيار إحداها أمراً واقعياً، فإن القوى الداعمة لأوكرانيا، كالولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما، لا تتوافق مع هذه الرؤية.

إنّ الولايات المتحدة، وعلى الرغم من دعمها القوي لأوكرانيا، لم تقطع تواصلها مع الدولة الروسية؛ فمستشار الأمن القومي جيك سوليفان لم يجد أي حرج في إعلانه التواصل مع الدولة الروسية بغية تجنيب الرئيس الأميركي أي مخاطر قد تنجم مصادفة من توقيت الزيارة مع أيِّ هجوم روسي صاروخي أو غير ذلك.

أما فرنسا، فإن الرؤية التي عبر عنها رئيسها ماكرون تؤكد تباعداً في الرؤى الإستراتيجية مع أوكرانيا، إذ إنَّها ما زالت تعمل وفق إطار البحث عن مساحة للتواصل والتفاوض من أجل وقف إطلاق النار والبحث عن تسوية للأزمة مع روسيا.

وإذا استطردنا في هذا الإطار، فإنَّ الموقف الألماني لا يختلف عن الموقف الفرنسي؛ فالمستشار الألماني أولاف شولتس أكّد مع نظيره الفرنسي في الذكرى الستين لمعاهدة الصلح بينهما في كانون الثاني/يناير الماضي أن دعم أوكرانيا سيستمر ما دام ذلك ضرورياً.

وإذا كان من الممكن الحديث عن نوع من تقارب في وجهات النظر بين فرنسا وألمانيا في ربط المساعدات لأوكرانيا بمحاولة دفع روسيا إلى وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات، فإن هذا التقارب لا ينعكس توافقاً في الرؤى حول كيفية تنظيم الواقع الأوروبي، وخصوصاً لناحية الخلاف حول ما يمكن اعتباره إعادة هندسة الواقع الجيوسياسي الأوروبي الذي أرسته الحرب العالمية الثانية، والذي لم تظهر نتائجه السلبية إلا في ظل الحرب الأوكرانية.

وفي هذا الإطار، وعلى الرغم من قناعة ألمانيا بضرورة العمل على تطوير العلاقات الأوروبية الأمنية والإستراتيجية، فإنها لا توافق على المشروع الفرنسي الساعي إلى الانفصال عن الولايات المتحدة عبر إلغاء آليات الناتو والمعاهدات الأمنية الثنائية التي تجمع الكثير من الدول الأوروبية مع الولايات المتحدة الأميركية.

في المقابل، تتبنى الإدارة السياسية الألمانية موقفاً أكثر انفتاحاً على روسيا، انطلاقاً مما يمكن اعتباره إيماناً بنظرية الاعتماد المتبادل، وبعدم جدوى رفع مستوى تسليح أوكرانيا بما قد يهدد بمواجهة شاملة بين روسيا ودول الناتو.

أما لناحية علاقة الطرفين مع الولايات المتحدة الأميركية، فإنَّ التوافق بين الأطراف الثلاثة على ضرورة دعم أوكرانيا لا يعكس رؤية مشتركة، فالدّولتان الأوروبيتان اللتان دخلتا مكرهتين في مواجهة مع روسيا على حدود القارة الشرقية هدفتا من وراء ذلك إلى إثبات تضامنهما وتكاتفهما في مواجهة أيِّ خطر يستهدف أياً من دول الاتحاد الأوروبي، في حين أنَّ الرؤية الأميركية كانت تتمحور حول كيفية محاصرة روسيا في حدودها الغربية من خلال تمدد حلف شمال الأطلسي نحو الشرق.

وبناء عليه، بين من يسعى لتكريس انتشار أطلسي على مساحة القارة الأوروبية ومن يسعى لتعزيز التضامن والأمن الجماعي من خلال البحث عن آليات أوروبية لتعزيز الأمن ومحاولة الانفتاح على روسيا عبر تكريس آليات الاعتماد المتبادل وتعميق التعاون الاقتصادي والأمني، يمكن التقدير أنَّ ما تم إظهاره خلال السنة الماضية من توافق وتكامل يخفي في طياته انقساماً قد يخرج إلى العلن في أي لحظة.

وإذا أضفنا إلى هذا الواقع معطيات تتعلق بالميدان وبمستجدات العملية الروسية في أوكرانيا، فإنَّ القوات الروسية التي تعلن يومياً تحقيق إنجازات ميدانية، إضافة إلى التصريحات شبه اليومية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونائب رئيس مجلس الأمن القومي ديميتري ميدفيديف بأن بلادهما لن تضع لنفسها أي قيود في مواجهة أي محاولة لكسر روسيا، تؤكّد صحة المعطى الأوروبي بضرورة البحث في كيفية تسخير الدعم العسكري لأوكرانيا من أجل دفعها إلى التفاوض ووقف إطلاق النار.

وبناء عليه، إن استمرار الواقع الحالي لناحية عدم تمكن القوات الأوكرانية من تحقيق أي اختراق يذكر، إضافة إلى التناقض الحاد بين الرؤيتين الأوروبية والأميركية، سيدفع في المرحلة المقبلة باتجاه الكشف عن ضعف التحالف الغربي المتماسك ظاهرياً.

وإذا كان من الممكن أن نفترض إمكانية تفكك هذا الحلف، فإنَّ ذلك لن ينعكس بأيِّ حال انهياراً للقوات الأوكرانية واحتلالاً روسياً لأراضيها، إذ إنَّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تدور في فلكها، مثل بولندا ودول البلطيق، لن تتخلّى عن تقديم الدعم، إنّما سيشكّل هذا الأمر دافعاً للتعجيل في إقناع حلف الناتو، ومن خلفه الولايات المتحدة، بضرورة إرساء إطار جديد للتعاطي مع روسيا وفق منطق التوازن الذي فرضه رد فعلها العنيف على محاولة محاصرتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.