إنقلاب النيجر: نهاية أوروبا وفرنسا في أفريقيا؟

موقع العهد الإخباري-

عبير بسّام:

بعد يوم من خطاب بوتين خلال القمة الأفريقية الروسية أو [الأفروروسية] في 28 تموز/يوليو الحالي، جاء انقلاب النيجر مدوياً، والذي سيعلن بداية عهد جديد في واحدة من أهم المستعمرات الفرنسية في اوروبا. إن تجربة الاستعمار الأوروبي والغربي بشكل عام لم تكن يوماً تجربة سعيدة في كل من أفريقيا وآسيا وقد بنيت على أساس العنصرية والاستغلال ضد الشعوب التي استعمرت وسرقت خيرات بلادها. وعوملت أفريقيا وكأنها بلاد خالية من الحضارة وقائمة على مجموعة من القبائل الجاهلة، وأن أهلها يتميزون كما الأرض ببنية قوية يجدر الاستفادة منها من خلال تطبيق المنهج العنصري.

ملفت حدوث انقلاب النيجر يوم السبت الماضي، والملفت أيضاً مجموعة الأحداث التي تتالت في أوروبا وأفريقيا خلال السنين القريبة الماضية. فبعد المظاهرات في فرنسا، والتي كانت شعاراتها معادية للشرطة التي تمارس العنصرية ضد العرب والأفارقة السود على حد سواء، والتي بطريقة أو بأخرى كانت توجه أصابع الاتهام باتجاه عنصرية الفرنسيين وتطرفهم كمستعمرين لأفريقيا بالذات، وبمراجعة بسيطة لحوادث فرنسا في الأعوام 2005، 2007، 2012، 2015، 2018، ومؤخراً في 2023 فسنجد أنها بمعظمها اندلعت لمطالب معيشة ولكن الشرارة فيها كان سببها مقتل عرب، وبخاصة من تونس والجزائر، وأفارقة. حتى حوادث 2015، كان سببها نشر مجلة تشارلي إيبدو كاريكاتورًا عنصريًا ساخرًا ضد النبي محمد [ص].

لا أحد يمكنه الجزم إذا ما كان الانقلاب بتدخل روسي، أو بتدخل أميركي. مع العلم أن المنقلبين رفعوا العلم الروسي وهذا ما أشارت إليه بقلق وكالات الأنباء الفرنسية والأوروبية، في حين أن الأميركيين نفوا أن يكون لروسيا يد في تنفيذ الانقلاب. وهذا كلام سيبحث بعد أن تتجلى الأمور أكثر حول إذا ما كان هناك دور أميركي أم لا. ولكن ما يفهم بحسب المواقف الروسية خلال القمة الأفروروسية، التي عقدت في بطرسبرج، أن الرئيس بوتين أعطى دفعة دعم لـ 49 دولة أفريقية كانت حاضرة في القمة، ووعد بدعمها بالسلاح والحبوب وحتى أنه دعا إلى تعاون استخباراتي بين أفريقيا وروسيا. وأبرز ما قاله بوتين أمام زعماء أفريقيا وممثلي دولها إن بلاده وأفريقيا تؤيدان إنشاء عالم عادل مبني على احترام الشرعية الدولية، وإن موسكو تعارض فرض منظومة قائمة على القواعد التي تلائمها وليس على القانون الدولي، وإن لدى موسكو خطة عمل مع أفريقيا حتى 2026 وتهدف إلى زيادة التبادل التجاري والانفتاح التكنولوجي والثقافي والرياضي وبدء التعامل بالعملات المحلية.

وأما النقطة الأخيرة الهامة التي أثارها بوتين فهي “تحدي النظام الاستعماري ومحاولات القضاء على القيم” وهذا ما يلتقي مع أصابع الاتهام الاستعمارية والعنصرية الموجهة للفرنسيين، وهي صحيحة. والصحيح أيضاً أن الروس وأصدقاءهم وحلفاءهم في العالم يتخوفون فعلياً من انهيار منظومات القيم والثقافات حول العالم لصالح ما يتبناه الغرب من علاقات شاذة هدفها هدم المجتمعات. وقد تحدث بوتين في هذا الأمر مراراً وتكراراً وبكثافة منذ عام وحتى اليوم. وفرنسا هي أحد أركان النظام الاستعماري والغربي الأساسية في العالم، فإلى جانب الولايات المتحدة تعد فرنسا الدولة الثانية التي ما تزال تحتل أماكن مختلفة ولديها قواعد في أفريقيا وبعض الجزر في المحيط الهادئ.

المضحك أنه بعد الانقلاب أعلنت فرنسا وقف دعمها المالي للنيجر، الذي يفترض أنه ليس بحاجة للمساعدات المالية، لأن النيجر هو المصدر الأول لليورانيوم الذي تحتاجه فرنسا من أجل قوتها ومنشآتها النووية وخاصة بعد خروجها المذل من مالي. بالتأكيد ما حدث في النيجر وبحسب ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ستتم مناقشته في “الاجتماعات المغلقة” على هامش أحداث القمة، وبالتأكيد لأن الأمر يهم المجتمعين، ولكنه ليس ضمن مندرجات أعمال القمة، فأحداث النيجر لا يمكن تجاهلها ودائماً بحسب بيسكوف.

ولكن ما العلاقة بين ما يحدث في النيجر والقمة الأفروروسية؟ العلاقة بدأت منذ زمن، فقد ابتدأت الاستثمارات الصينية في أفريقيا، ففي حين بلغت الاستثمارات الصينية في العام 2015 في أفريقيا 15 مليار دولار، لم تبلغ الاستثمارات الأميركية حتى اليوم أكثر من 2.1 مليار. وهذا يمكنه أن يضعنا في حقيقة الوضع، فحليف الصين في أفريقيا وهو الاتحاد الروسي زود مالي بعد خروج الفرنسيين منها بالطائرات العسكرية والسلاح والغذاء، وبالذات القمح، ويعمل على توسيع الاستثمارات والتبادل التجاري بحسب نتائج قمة سانت بطرسبرغ الأخيرة، وهذا يعني بالتأكيد العمل المكثف على خروج الاستعمار القديم بشكل نهائي من أفريقيا. وبحسب رشيد الساري، رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية في المغرب، وخلال حديثه مع “سبوتنيك” والذي لفت إلى أن “حجم المبادلات بين روسيا ودول أفريقيا يبلغ 20 مليار دولار، ويمكن أن يرتفع إلى الضعف. في حين أن حجم الاستثمارات الروسية في أفريقيا يصل إلى 40 مليار دولار، وهو مرشح ليرتفع أكثر”، خاصة مع رغبة روسية وأفريقية حالية في تقوية الشراكات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

أما من ناحية الجانب السياسي والأمني، فقد شدد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي خلال المؤتمر الصحفي في نهاية القمة على أهمية سلامة الدول وسيادتها. وأكد أهمية الدعم الذي قدمته روسيا لأفريقيا في مواجهة الاستعمار والعبودية، ونوه بالتزام روسيا بالمساعدة والتدريب وتعزيز قدرات الكادر البشري في القارة. في حين تعمل فرنسا والدول الغربية على بقاء الكادر البشري الأفريقي في حالة من التجهيل والعبودية منذ احتلالها ولم تتغير حتى اليوم، باستثناء المحظيين لديها. وجاء التحول الكبير لموقع فرنسا في أفريقيا في 15 آب من العام 2022، حين انسحب آخر جندي فرنسي في مالي على خلفية توتر في علاقات فرنسا مع المجلس العسكري. من المعلوم أن القوات الفرنسية بقيت تسعة أعوام تقاتل “الإرهاب” في مالي. وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية آنذاك فإن المتظاهرين خرجوا في شوارع مدن مالي في الشمال ومنحوا القوات الفرنسية مهلة 3 أيام للمغادرة. وبالتوازي مع تدهور العلاقة مع فرنسا قامت مالي بتوطيد علاقتها مع روسيا وابتدأت بتسلم أسلحة ومعدات وطائرات عسكرية، في حين اتهمت فرنسا يومها روسيا باستخدام قوات فاغنر لدعم المتمردين وتدريبهم.

وأما في النيجر، فيبدو أن السيناريو يتكرر، ومع دخول القوات الفرنسية القادمة من مالي إليها في نفس العام وابتدأت الاحتجاجات التي طالبت الرئيس محمد بازوم بإخراج قوات “برخان” الفرنسية وترحيلهم. وأطلق عليها المتظاهرون اسم “القوة الشريرة”، والتي تهدف إلى زعزعة الاستقرار ونهب موارد البلاد ومنطقة الساحل. ومن الملفت أن التظاهرات ضد القوة الفرنسية ابتدأت بقوة منذ تشرين الثاني 2021، أي قبل الخروج الفرنسي من مالي، والتي تمظهرات بخروج متظاهرين غاضبين قطعوا الطريق على القوات الفرنسية التي كانت تعبر من مالي إلى أبيدجان. وقتل في نيسان/ أبريل من نفس العام، 3 متظاهرين بنيران القوات الفرنسية. هناك تحريك مستمر لزعزعة التواجد الأميركي وليس فقط الفرنسي في النيجر، التي تطوف صحراؤها على تنوع كبير في الثروات الباطنية، ولكن تعاني من شح المياه وبالتالي الزراعات الغذائية والفقر، والتي تتكرم عليها فرنسا بـ 120 مليون يورو من المساعدات فيما تختص بالميارات من ثروات النيجر الباطنية.

إن التحول في النيجر سيكون ذا تأثير كبير على التواجد الغربي فيها، ففي النيجر يوجد قاعدتان أميريكيتان تضمان 1200 جندي، تعاد اليوم الحسابات حول مصيرها بعد الانقلاب. فهل ستصادق إيكواس، المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، على عدوان على النيجر، وتدخل البلاد في غرب إفريقيا في أتون حرب أهلية جديدة حفاظاً على مصالح الاتحاد أوروبي وأميركا وبالتالي فرنسا فيها، أم أن النيجر ستلتحق بجارتها مالي وتخرج القوات الأجنبية الغربية منها وتنخرط في استقبال الاستثمارات الصينية والروسية فيها ؟ إنه صراع جديد في أفريقيا فهل سنشهد تحريرًا آخر يشبه تحرير مالي ونهوضًا أفريقيًّا بحلة جديدة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.