الأمريكيون يجدون أنفسهم على الهامش

صحيفة البعث السورية-

هناء شروف:

بعد عقد من الزمان، بعد أن أطلق إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي، صافرة التجسّس الأمريكي على البريد الإلكتروني، واتصالات الهاتف الخلوي لما يصل إلى 35 من قادة العالم، ذكّرت وثائق البنتاغون التي تمّ تسريبها مؤخراً العالم مرة أخرى بأن شبكة المراقبة في واشنطن لا تستهدف الأعداء فقط، بل ودولاً صديقة بما في ذلك أوكرانيا وكوريا الجنوبية.

كانت أحدث التسريبات محرجة للغاية للولايات المتحدة، وخلقت قلقاً بين حلفائها، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد أو السياسة أو الأمن القومي، فإن القوة العظمى لا تتردّد أبداً في تعظيم مصالحها الخاصة في العديد من المناسبات على حساب دول أخرى.

في الماضي غير البعيد، قامت الولايات المتحدة بتخريب صفقة الغواصة الفرنسية بقيمة 66 مليار دولار أمريكي مع أستراليا، وحصلت على الإمدادات الطبية المطلوبة بشكل عاجل من كندا ودول أخرى في بداية وباء كوفيد 19، وشكلت التجارة التهديدات لأوروبا من خلال قانون خفض التضخم لعام 2022.

لا عجب أن الرئيس السابق للمجلس الأوروبي دونالد تاسك قال ذات مرة: “مع أصدقاء مثل هؤلاء، من يحتاج إلى أعداء؟”.

في الآونة الأخيرة، واصلت الولايات المتحدة تأجيج الأزمة الأوكرانية، وجرّ الدول الأوروبية إلى المعركة، وفرضت ضغوطاً هائلة على أمن أوروبا. في الشرق الأوسط أشار ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان مؤخراً إلى أنه مستعد لمتابعة المصالح السعودية دون مساعدة الولايات المتحدة، بما في ذلك إعادة العلاقات مع خصوم الولايات المتحدة مثل إيران.

فيما يتعلق بالموجة الأخيرة من التقارب في الشرق الأوسط، قالت صحيفة “جابان تايمز” إن الأمريكيين يجدون أنفسهم على الهامش خلال لحظة تغيير كبير. لماذا ينأى حلفاء أمريكا بأنفسهم؟ ولماذا يتزايد الخلاف بين حلفائها وأمريكا؟.

من الواضح أن هذا بسبب ممارسات الهيمنة، وعقلية اللعبة الصفرية للولايات المتحدة التي خلقت المواجهة والانقسام في المجتمع الدولي، وألحقت أضراراً خطيرة بالمصالح التنموية لحلفائها والدول الأخرى. ومن حيث الجوهر، فإن ما يُسمّى بنظام التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة هو حكم العالم، وجني مصالحه عالمياً. لقد أدرك العديد من حلفائها أن السير على خطى الولايات المتحدة بشكل أعمى سيؤدي فقط إلى الخسارة في النهاية.

تطلب الولايات المتحدة من حلفائها أن يحذوا حذوها في احتواء الصين، لكنها في الغالب تتلقى التردد فقط كرد. وفقاً لخدمة “بوليتكو” الإخبارية الأمريكية، فإن أي تحرك تقوم به أوروبا قد يكون أقل بكثير مما تريده إدارة بايدن فيما يتعلق بعزل الصين اقتصادياً.

ونقلت “بوليتيكو” عن مسؤول أمريكي طلب عدم الكشف عن هويته قوله إن قادة أكبر اقتصادات أوروبا يصرحون علانية أنهم غير مهتمين بفك الارتباط، وبالتالي فرض عقوبات ذات مغزى على الصين في حالة نشوب صراع.

في مشهد دولي سريع التغير، تواجه الولايات المتحدة العديد من التحديات فيما يتعلق باقتصادها وسبل عيش شعبها، فقد بدأت تطلعاتها إلى الهيمنة تضعف وما يُسمّى بـ”التزاماتها” تجاه الحلفاء تبدو جوفاء.

أولئك الذين يتحدون من أجل الربح سوف يتشتّتون عندما تنفد الأرباح. لقد ابتلي نظام التحالف الأمريكي الحالي بالتسريبات والعيوب المتكررة، وعلى الرغم من أن الواجهة لا تزال سليمة إلا أن هيكلها الداخلي بدأ في التصدع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.