التحديات الأمنية وسياسة الجمهورية الإسلامية في مواجهتها

صحيفة الوفاق الإيرانية-

محمد حسن روزي طلب:

عندما إنتصرت الثورة الإسلامية في إيران أول خطوة قام بها الثوار هي حل جهاز الإستخبارات الذي كان يسمى بالسافاك” ساواك”، جهاز الإستخبارات التابع للشاه الذي كان إسمه “ساواك”-و في العربية السافاك- كان يتكون من ثلاثة أقسام رئيسية:

1- القسم الأول هو قسم الداخلي كان يهتم بالشؤون الداخلية وكان يسمى هذا القسم بالإدارة الثالثة أو بالدائرة الثالثة.

2- القسم الثاني كان قسم الشؤون الأجنبية الخارجية وكان يسمى بضد التجسس وكان يسمى بالدائرة الثامنة.

3- والقسم الثالث كان يسمى باللجنة التنفيذية.

أكثر مكان قاموا بمواجهته الثوار، هو: القسم الأول اي القسم الذي كان يهتم بالدائرة الثالثة التي كانت تهتم بالشؤون الداخلية ولكن في ما يتعلق بالقسم الثاني الذي كان يهتم بمكافحة التجسس الأجنبي، هذا القسم كان موجوداً في أي جهاز إستخباراتي سواء كان في إيران او في دولة أخرى أو في أي نظام آخر.

لذلك الثوار حافظوا على القسم الوثائقي في السافاك، لأنّ الوثائق الموجودة في السافاك كانت تهمهم كثيراً وجعلوا لها مركزاً سمّي بـ “مركز وثائق الثورة الإسلامية”،  وفي ما بعد، حولت لهذا المركز مسؤولية مهمة وهي كتابة تاريخ الثورة الإسلامية.

والآن بعد أكثر من اربعة عقود على إنتصار الثورة الإسلامية مشروعنا التالي هو دراسة العقد الأول من تأريخ الثورة الإسلامية عقب انتصارها، و في هذا الموجز، سوف أتناول السياسات والمعايير التي أخذناها بعين الإعتبار في كتابة التأريخ.

الشرعية السلبية للشاه، مانعٌ للثوار

كما تعلمون فإنّ الثورة الإسلامية في إيران أسست حكومة الجمهورية الإسلامية التي هي حكومة قائمة على السيادة الشعبية الدينية بعد أن حكم الملوك إيران لمدة 2500 عام.

لقد حاول الإيرانيون وفي القرن الأخير قبل إنتصار الثورة أن  يقيموا حكومة ديمقراطية في إيران وحاولوا أن يفعلوا ذلك مرتين: المرة الأولى في الثورة الدستورية التي كانت على العهد القاجاري والمرة الثانية كانت في نهضة تأميم النفط التي وقعت في عهد الدكتور مصدق.

عندما بدأ القرن الـ 20 فإن الحكومة الملكية التي كان يحكمها الشاه كانت محل شكوك و إحتجاج من قبل الناس؛ لأن الحكومة الديكتاتورية هي أصلاً لم يكن معترف بها من قبل كثير من الناس بسبب المحاولات التي حدثت في القرن الأخير.

لذلك يمكن القول بأنّ محمدرضا بهلوي لم يكن يمتلك شرعية إيجابية بل كان عنده ما نسميه بالشرعية السلبية. وهذه الشرعية السلبية حصل عليها محمد رضا شاه بسبب عاملين رئيسين:

1- الخوف من تجزئة البلاد وتقسيم البلاد.

2- الخوف من وقوع البلاد في شراك الماركسيين.

يمكن القول بأنه إرتهن أو إستغل إهتمامات وقلق أو مخافة الناس ليحصل على هذه الشرعية؛ أولاً مخاوفهم على هويتهم الدينية وثانياً مخاوفهم على هويتهم القومية، فلذلك هذان العاملان كانا كمانعين أمام كل من يحاول أن يثور ضد الشاه. فالشاه كان يمثّل مظهراً للهوية القومية ومظهرا للهوية الدينية في نفس الوقت.

الشاه عندما رأي أنّ الإمام الخميني (رض) يريد أن يحتج عليه ويثور ضده، وصفه بأنّه يتصف بالرجعية السوداء والرجعية الحمراء؛ فالرجعية السوداء هي تعني الرجعية المذهبية والدينية والرجعية الحمراء هي الرجعية الماركسيه والشيوعية. هو كان يعتبر نفسه ممثلاً للهوية القومية والهوية الدينية. فقال من يعارضني هو يمثل الرجعية الماركسية والرجعية الشيوعية وقال إنه أخذ دعما ماليا ونقودا من جمال عبدالناصر لكي يخوّن الإمام.

تأسيس منظمة مجاهدي خلق

ثورة الإمام الخميني (رض) في ما نسميها بثورة 15 خرداد (1*)  قُمعت بشدة، وكان الإمام الخميني (رض) قائد النهضة بصفته مرجعاً فقهياً للشيعة. بعد نفي الإمام الخميني إلى تركيا ومن ثَم الى النجف، أحس الشاه بأنه إبتعد عن خطر ثورة رجال الدين عليه، لكن كانت هناك فئات شبابية إستلهمت من ثورة 15 خرداد، وأسست منظمة تحمل إسم منظمة “مجاهدي خلق”. منظمة مجاهدي خلق في بياناتها الأولية التي كانت تعود إلى بدايات هذه المنظمة كانت تعتبر نفسها منظمة إستلهمت في تأسيسها من ثورة 15 خرداد للإمام الخميني. الذين أسسوا منظمة “مجاهدي خلق” هم كانوا من الشباب الذين كانوا في “نهضة الحرية”، المنظمة التي يرأسها “المهندس بازركان” (2*) .

كان أعضاء منظمة مجاهدي خلق يعتبرون الماركسية علم الكفاح والنضال و يعتقدون بأن الماركسية هي إناء ولكن ما يوجد في هذا الإناء هو فكر إسلامي. لذلك هم بدأوا بالكفاح المسلح ضد الشاه، لكن الإمام الخميني في جميع مراحل الثورة كان يخالف الكفاح المسلح. فهو لم يصدر فتوى او جواز او رخصة لعملية اغتيال واحدة، ولم يسمح بشراء بندقية واحدة لإستخدامها في الثورة ولم يسمح بمساعدة جماعة مسلحة واحدة.

موضع الإمام الخميني تجاه المنظمة وأسلوبهم لمكافحة الشاه

عندما تم تكوين منظمة مجاهدي خلق، ذهب ممثلوا هذه المنظمة، السيد تراب حق شناس و حسين روحاني، إلى النجف لزيارة الإمام الخميني و شرح مبادئهم النظرية في خمسة عشر إجتماعاً. الإمام الخميني في الإجتماع الأخير قال لهم نقطتين رئيسيتين:

1-أنّ الحركة المسلحة ستفشل لامحالة، لأنكم إذا إمتلكتم سلاحاً واحداً فنظام الشاه يمتلك مئة ألف سلاح وهو سيقضي عليكم جميعاً وأنتم بهذه العمليات المسلحة تقدمون على الإنتحار.

2- إنّ هناك خلل ومشاكل في أيديولوجيتكم (3*).

فنحن لذلك نعتقد بأنّ مجاهدي خلق لا تتغير مواقفهم بل هذا الإنحراف موجود في أصل عقيدتهم.

لقد تحققت نبوءة الإمام الخميني في ما يتعلق بمنظمة مجاهدي خلق في هذين الأمرين. وبعد 5 سنوات من لقاء هذين الممثلين مع الإمام الخميني، أعلنت منظمة مجاهدي خلق أنها رسميا تحولت إلى منظمة ماركسية وقامت بإعدام الأعضاء المسلمين الذين طغوا في منظمة مجاهدي خلق، كمجيد شريف واقفي (4*)  ومرتضى صمدي لبّاف.

و كما توقع الإمام الخميني، نبوءتة الأولى كانت إنّ الكفاح المسلح سينهزم وسيفشل وقد تحققت هذه النبوءة وكثير من أعضاء المنظمة قتل واعتقل الآخرون وبعد ذلك تنازلوا عن الكفاح المسلح. ووصل الأمر الى أنهم كانوا يرون الكفاح المسلح للدفاع عن أنفسهم وليس لتحقيق أهدافهم، إستخدموه وسيلة للدفاع، وكل اعضاء منظمة مجاهدي خلق تحولوا إلى حراس لمركزية مجاهدي خلق و وصل الأمر إلى أنّ مركز هذه المنظمة خرج من البلاد ووصل أمرهم إلى إنّهم أدانوا إستخدام الكفاح المسلح قبل إنتصار الثورة الإسلامية بـ 6 أشهر وتخلوا عن الكفاح المسلح.

الإمام الخميني لم يسمح بانفاق المبالغ الشرعية كالأوقاف والزكاة وما شابه ذلك، على منظمة مجاهدي خلق ولكن كانت هناك فئه من رجال الدين تقوم بإنفاق بعض المبالغ الشرعية على منظمة مجاهدي خلق (5*).  فجاء البعض إلى الإمام الخميني وقالوا له، أرادوا منه فتوى في ما يتعلق بجواز إستخدام المبالغ الشرعية لمساعدة عوائل السجناء، وهم إستغلوا أو إستفادوا من هذه الفتوى لدعم الكفاح المسلح.

منظمة مجاهدي خلق كانت لديها عمليات تستهدف الشرطة والجيش وفي نفس الوقت كانت لديها عمليات عشوائية ايضاً. ما أضر بشعبية مجاهدي خلق يتمثل في أمرين:

1- إعتبرهم نظام الشاه بأنهم يمثلون الماركسية الإسلامية، وهذا أثار الناس المسلمين ضد هذه الحركة.

2- هم قتلوا الأعضاء المسلمين في منظمتهم كمجيد شريف واقفي، وبثوا صور هولاء الضحايا في التلفزيون الإيراني وإعترافات القتلة. هذا كله قضى على منظمة مجاهدي خلق.

الكفاح المسلح مع الشاه؛ رؤيتان بين رجال الدين

فكان قبل انتصار الثورة هناك نظرتان تجاه الكفاح المسلح بين المتدينين ورجال الدين: النظرة الأولى كانت تتبنى الكفاح الثقافي والنظرة الثانية كانت تتبنى الكفاح السياسي؛ وهذا كان يشكل نقاشا جديا بين رجال الدين وبقيت تداعيات هذا الخلاف إلى يومنا هذا ونراها في بعض الخلافات السياسية والنزاعات السياسية في إيران. لعلنا نستطيع أن نعتبر “الشهيد مطهري” أبرز شخصية في الكفاح الثقافي ضد الشاه وكذلك “الشهيد بهشتي” و “الشيخ مصباح يزدي” و “السيد علي الخامنئي حفظه الله”.

هؤلاء هم الذين تبنوا الكفاح الثقافي طريقاً لمكافحة النظام، و إذا قمتم بدراسة حياة هولاء، هم رغم أنهم كانوا مطلوبين من قبل السافاك ولكن السافاك لم يكن يشعر بتخوف إزاء نشاطاتهم، حتى إنهم كانوا يألفون المناهج الدراسية التي كانت تستخدم لمادة التربية الدينية في المدارس الإبتدائية في عهد الشاه وكانوا يمارسون نشاطاتهم بحُرّية و هم لم يقضوا فترة طويلة في السجون. (على الأكثر عدة ايام أو عدة اشهر). هذا رغم أنهم إشتهروا بأنهم الحلقة الأولى التي إلتفت حول الإمام الخميني.

أما الفئة الثانية من رجال الدين التي تبنت الكفاح السياسي فيمكن أن نعتبر “الشيخ رفسنجاني” من أبرز شخصيات هذه الفئة. فهو كان أهم مموّلٍ لمنظمة مجاهدي خلق قبل إنتصار الثورة الإسلامية، ولذلك سجن وعندما سجن، شهد في السجن أنّ أيديولوجية منظمة مجاهدي خلق قد تغييرت ولذلك أظهر ردود فعل شديدة تجاه هذا التغيير.

امثال رفسنجاني، طالقاني و مهدوي كني، بعد مشاهدة هذا التغيير في أيديولوجية منظمة مجاهدي خلق، رغم أنهم كانوا يمولونها في البداية، أصدروا فتوى وأعلنوا أن منظمة مجاهدي خلق منظمة نجسة وأعضائها هم نجسون-يعني كفروا – لأنّ هذه المنظمة عرّضت سمعتهم للخطر و أتهموا بأنهم يدعمون منظمة ماركسية، كما أنهم تعرضوا للسجن بسبب هذه المنظمة.

بينما قمعت جميع الحركات المسلحة إنتصرت الثورة الإسلامية. قبل إنتصار الثورة الإسلامية بسنة واحدة رغم أنّ جميع الحركات المسلحة قضيّ عليها وإنتهت ولكن بدأت خطوات إنتصار الثورة الإسلامية تتسارع أكثر وأكثر خاصة بعد ما يعرف بمظاهرات 29 دي في قم.

يمكن القول بأنّ الحركات المسلحة كانت تضفي شرعية على حكومة الشاه، لأنّ الناس كانوا يرون أن الشاه يحافظ على أمن البلاد مقابل هذه الحركات ،و يواجه العناصر الماركسية في البلاد و يواجه الفئات الإنفصالية والحركات الإنفصالية و لذلك إعتبره الناس رمزاً للوحدة الوطنية، لكن عندما قضى على الحركات المسلحة فقد الشاه شرعيته التي إكتسبها بهذه الطريقة.

هنا فتح المجال لرجال الدين الذين أحدثوا شبكة التواصلات في ما بينهم بسبب نشاطهم المنتشر في المساجد والمدارس المختلفة، فلذلك يمكن أن نعتبر أنّ الكفاح المسلح صب في مصلحة الشاه ولم يصب في مصلحة الثورة، ولكن بعد إنتهاء الكفاح المسلح فتح المجال لتواجد الشعب في الساحة ولإنتصار الثورة.

الهوامش:

1-  عدم وجود الارضية لتطبيق النظريات الثورية اليسارية في ايران: هناك واقعة حدثت في هذا المجال إسمها واقعة “سياهكل”، في مدينة “سياهكل” الواقعة في غابات شمال إيران و قبل خمسين سنة من واقعة سياهكل وقعت ثورة أخري في منطقة سياهكل وحواليها على يد ميرزا كوجك خان. هذه الثورة قمعت بخيانة بريطانيا وروسيا. هذا شكل خلفية سلبية تجاه هذه الحركات لدى اهالي هذه المدينة من اليسارية وروسيا وبريطانيا والكفاح المسلح وما شابه ذلك. والحزب الشيوعي الذي كان يمثل اليساريين في إيران لم تكن لديهم أي شعبية في إيران، من الناحية الدينية ومن الناحية القومية كان مطروداً.

2-  قبل حوالي عام 1963 قال المهندس بازركان في المحكمة: “نحن آخر فئة نتكلم معكم بالحسني ونتكلم معكم بالزين ونطالب بالإصلاح، ونحن آخر فئة تطالب بالإصلاح ولكن الفئات التي ستأتي بعدنا سوف تكلمكم بلغة السلاح”. وهذه الأفكار والمفاهيم التي قدمها المهندس بازركان والحماس والإندفاع الشعبي الذي تزامن مع ذلك، دفع الشباب إلي تأسيس منظمة مجاهدي خلق.

3-  والإمام الخميني بعد إنتصار الثورة الإسلامية وصفهم بمثال جميل. قال: “كان هناك يهودي إعتنق الإسلام وكان مسلم جديد في مدينة همدان وكان يذهب إلى المولّا الهمداني الذي كان من شيوخ همدان ويقرأ له أحاديث وروايات، ولكن بعد عده أيام قال المولّا الهمداني الذي كان من العلماء لهذا اليهودي الذي إعتنق الإسلام: من أبوك؟ قال كان يهودياً؛ قال: ومن جدك؟ قال أيضا جدّي كان يهودياً؛ قال ومن أبي؟ قال كان شيخاً؛ ثم سأله ومن جدي؟ فقال كان آية الله- كان مجتهداً يعني- قال إذن إذهب إقرأ هذه الأحاديث والآيات لشخص آخر”. فمنذ ذلك الحين إكتشف الإمام الخميني أنّ الفكرة التي إعتمد عليها أصحاب منظمة مجاهدي خلق كانت فكرة هجينة.

4-  وضع إسمه على أكبر جامعة صناعية في إيران التي هي جامعة شريف الصناعية.

5-  ومن الجدير بالذكر أنّ السافاك لم يكن يمتلك قسما للإهتمام بالمحاربة ضد رجال الدين.  ورجال الدين كانوا يهتمون بالسافاك فقط في حالة واحدة وهي أنهم إذا قاموا بتوفير الموارد المالية لمنظمة مجاهدي خلق يعني في هذه الحالة فقط كان السافاك يهتم بأمر رجال الدين. رجال الدين الذين قضوا فترة طويلة جدا في سجون الشاه لم يسجنوا لأنهم دعموا الإمام الخميني بل سجنوا لإنهم كانوا يموّلون منظمة مجاهدي خلق.

يتبع…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.