الجبهة الأردنية في الحرب السورية

الجبهة الأردنية في الحرب السورية

تبعاً لتقاريرَ صادرة عن الاستخبارات الإسرائيلية, في ليلة 6 – 7 تشرين أول/أكتوبر شنَ الجيش السوري الحكومي هجوماً جديداً, هذه المرة في الجنوب.تحركت كتيبتا دبابات (حوالي 200 دبابة وعربة مدرعة) باتجاه القنيطرة. ويعتقد الإسرائيليون أن الهدف المباشر لهذه العملية الضخمة هو تحرير أراضٍ مجاورة لمرتفعات الجولان المحتل من سيطرة المتمردين.

ونتيجة لذلك, سيتم قطع كافة الاتصالات بين المجموعات المتمردة المارقة والجيش الإسرائيلي كما أنها لن تتمكن من تلقي المساعدات العسكرية من إسرائيل. ويعتقد أن هذه المجموعة سوف تتقدم نحو المثلث الإستراتيجي على الحدود الأردنية-الإسرائيلية-السورية في محافظة درعا لمنع قوات المتمردين والقوات الأخرى المتدخلة من تأسيس قاعدة في هذه المنطقة يتم استخدامها لضرب دمشق. فالأماكن التي يتمركزون فيها تتعرض سلفاً لهجمات تقوم بها القوات الجوية السورية.

حتى هذه المرحلة تجنبت قيادة الجيش السوري عمليات بهذه الضخامة في هذه المنطقة, خوفاً من احتمال استفزاز الإسرائيليين أو الأردنيين, لكن المحللين العسكريين يعتقدون أنه بعد قرار “المشكلة الكيماوية” بمساعدة روسيا, اكتسبت هذه القيادة مزيداً من الثقة وهي مصممة على تحقيق النصر الكامل.

في الأردن, تم استنفار فرقتين عسكريتين متمركزتين على الحدود مع سوريا. إضافة إلى ذلك, تم نشر فرقة دبابات سعودية, جاهزة للتحرك بسرعة عبر الأردن باتجاه سوريا, على الحدود الأردنية. إن المعلومات المنتشرة في الإعلام حول إعطاء السعوديين 100 دبابة للمتمردين السوريين, مما يعني على الأرجح وجودَ كتيبة دبابات سعودية على الأقل مباشرة على الحدود السورية, ربما بطواقم ترتدي الزي العسكري السوري, تبعث على القلق. لكن هذه التحركات جاءت متأخرة جداً.

عَمان حليف إقليمي هام للولايات المتحدة ورابط حيوي في استراتيجيتها السورية. فقد كانت من أوائل العواصم العربية التي حثت على تنحي بشار الأسد, ويمكن تفسير ذلك بالإرث المعقد للعلاقات بين سوريا والأردن. فقد كان والدا الزعيمين الحاليين, الرئيس حافظ الأسد والملك حسين, على عداوة. كما كان يتم استخدام الأراضي الأردنية من قبل وكالات الاستخبارات الأجنبية, والبريطانية بشكل خاص, لشن عمليات تخريبية ضد سوريا في الستينيات من القرن الماضي. فمنذ سنة 1982, أصبحت قاعدة لوجستية لأنشطة الإخوان الإسلامويين السوريين. كما أن أحداث آذار/مارس 2011 في مدينة درعا, الواقعة على الحدود الأردنية والتي تشكل القناة الثانية في الأهمية لتزويد قوات المتمردين بالأسلحة, هي التي أطلقت شرارة النزاع المسلح في سوريا.

إن نقل مركز جاذبية الأعمال العدائية المسلحة إلى جنوب سوريا يعني أن القيادة السورية, التي يترأسها وزير الدفاع العماد الفريج, تتفوق في المناورة على خصومها المهرة في البنتاغون الذين يقفون وراء مناورات المعارضة المسلحة.فمن خلال تركيز وجهة هجماتهم في القسم الشمالي من البلاد بالقرب من حلب, وفي المركز بالقرب من حمص, يبدو أن الجنرالات السوريين تعمدوا الإيحاء للعدو بأنهم يتركون دمشق ضعيفة التحصين, والذي لم يكن صحيحاً في حقيقة الأمر. وأملاً منهم في أن يعلقَ الجيش في الشمال كان المتمردون, بدعم من الغرب والأنظمة الملكية العربية بما فيها الأردن, يجمعون القوات بشكل سري بالقرب من العاصمة وفي المنطقة الحدودية على الحدود الأردنية-السورية التي تبعد أكثر من 100 كم عنها. لكن قيادة الجيش السوري, التي تراقب هذه التحركات, أوقفت عملياته النشطة بالقرب من الحدود التركية وركزت على الدفاع عن دمشق. وتبعاً لعدة تقديرات, مع نهاية آب/أغسطس كان هناك بين 17,000 و 25,000 متمرداً متمركزين في أحياء العاصمة في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية, جاهزين لاقتحام وسط دمشق, ومن ثم تقوم القوات الرئيسة الداعمة لهم بالاختراق من جهة الأردن. تم التخطيط لهجوم وقائي ضد هذه المجموعة في 21 آب/أغسطس. وقد هدف الهجوم الكيماوي الذي حدث قبلَ الهجوم إلى تعطيل هذه الخطة. ففي الأيام الأخيرة, ظهرت معلومات تشير إلى إمكانية قيام الكوماندوس السعودي الذي دخل إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية والذي يعمل مع مقاتلي المجموعة الإرهابية “لواء الإسلام” بتنفيذ الاستفزاز الذي تمثل في استخدام السلاح الكيماوي.

أبطأ هذا الاستفزاز عملية حشد القوة الضاربة للمتمردين حول العاصمة السورية, وليس أكثر من ذلك. أما الجيش السوري, الذي حرر أحياءَ دمشق الكبرى حياً حياً ببسالة وعناد, فيشعر الآن بأنه جاهز لاستئصال رأس الحربة الخطير المتقدم من جهة الأردن. إن القيادة السورية تفهم تماماً أنه على الرغم من أن واشنطن قد أجبرت على تخفيف لهجتها القوية بخصوص سوريا, إلا أنها لم تتخلَ عن خططها في إسقاط النظام وهي تنتظر اللحظة المناسبة للقيام بذلك.

في وضع حيث تسيطر القوات الكردية على جزء كبير من الحدود السورية المحاذية لتركيا في الشرق, ويسيطر الجهاديون المرتبطون بالقاعدة على المنطقة الغربية, تم نقل تنفيذ الخطة الأمريكية للسيطرة على العاصمة دمشق باستخدام “الجيش السوري الحر” الموالي للغرب إلى الأردن في الجنوب. يتناقل الإعلام العربي الأنباء عن “الانتشار المستمر على طول الحدود الأردنية مع سوريا والبالغة 370 كم” للفرق الأمريكية والأردنية. فعلى سبيل المثال, تكتب الصحيفة الكويتية “الرأي” إن قوة ضاربة من عدة آلاف من المقاتلين وعشرات الدبابات متمركزة بالقرب من مدينة الرمثا التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن مدينة درعا السورية. كما نقلت محطة “سكاي نيوز أريبيا” أن القوات الأردنية “تتدرب على عملية في ظروف مماثلة للظروف السورية” منذ عدة أشهر. ويمكن لهذه العملية البرية أن تهدفَ إلى إقامة “منطقة عازلة” في درعا.

تؤكد بعض المصادر العربية أنه على الرغم من تصريحات واشنطن الرسمية حول الطبيعة “المحدودة” للعمليات التي يتم التخطيط لها ضد سوريا, فمنذ البداية كان الهدف أكبر بكثير من ضربة توماهوك ضد دمشق والقواعد العسكرية المحيطة بها. إذ يؤكدون المعلومات التي تشير إلى وجود مجموعتين من الدبابات على الحدود السورية, الأولى أردنية والثانية سعودية. كما تم نشر 3,000 مقاتلاً من “الجيش السوري الحر” على الحدود كانوا يتلقون التدريب على أيدي “سي آي إيه” طيلة الأشهر الماضية. لا يهدف الغزو إلى إقامة “منطقة عازلة” فقط, بل أيضاً إلى إعلان حكومة مؤقتة على “الأراضي المحررة” وتشكيل خطر مباشر على دمشق من خلال التفاعل مع المجموعات الإسلاموية. وقد تم نصب صواريخ “الباتريوت” على طول الحدود مع سوريا تحسباً لهجوم معاكس سوري. كما تم الحديث عن إمكانية استخدام القواعد الجوية ومحطات الرادار في شمال الأردن في حال حصول ضربة على سوريا. وفي الوقت نفسه, نقلت أخبار عن نشر عدد كبير من الطائرات العسكرية والطائرات الآلية (“درونز”) في شمال الأردن.

قالت مصادر مجهولة في “واشنطن بوست” إنه في الأسابيع القليلة الأخيرة أرسلت “سي آي إيه” مجموعات عسكرية إضافية إلى قواعدَ سرية في الأردن لمضاعفة عدد المقاتلين الذين يتدربون هناك على أيدي الخبراء الأمريكيين ويتلقون الأسلحة من الولايات المتحدة. إن واشنطن قلقة من خسارة “المتمردين المعتدلين” السريعة لمواقعهم في الحرب. وتبعاً لمصادر الصحيفة, إن هدف عملية “سي آي إيه” في الوقت الحاضر يتحدد تبعاً لسيناريو البيت الأبيض حيث يصل النزاع إلى طريق مسدودة, دون وجود أي رابح. يمكن للدعم الذي تقدمه “سي آي إيه” أن يحمي المتمردين من الخسارة, لكنه لا يمكنهم من الربح, كما تقول “واشنطن بوست”. ومن المرجح أن هذا يعني أن جنود المارينز الأمريكيين الألف التابعين لوحدة المهام الخارجية السادسة والعشرين, الذين وصلوا إلى ميناء العقبة في الأردن في حزيران/يونيو 2013 ونشروا لاحقاً على الحدود السورية-الأردنية, سيبقون هناك.

قامت فرق المتمردين الذين دربهم الأمريكيون, التي أفادت من تمركز القوى الحكومية بالقرب من حلب وحمص وكذلك من بدء عمليات تحرير أحياء دمشق, بالسيطرة على المعابر الحدودية على الحدود السورية-الأردنية كما وسعت وجودها في عدة مناطق داخل محافظة درعا في أواخر شهر أيلول/سبتمبر. وقد اعترف قادة “الجيش السوري الحر” أن هدفهم هو السيطرة على أوتوستراد عمان-دمشق الدولي. لكن الهجوم المعاكس الذي تشنه القوات الحكومية سوف يحد من نجاح قوات المتمردين في هذه المنطقة.

لكن تأكيدات الغرب بأنه يدعم “المعارضة المعتدلة” في سوريا غير صحيحة؛ إذ إن القوى الغربية بدأت بشكل متسارع في مساعدة الجهاديين الأكثر تطرفاً. فعلى سبيل المثال, وتبعاً لتقارير نشرت في صحيفة “الحياة, لعب الإسلامويون من جبهة النصرة دوراً حاسماً في السيطرة على المعابر الواقعة على الحدود السورية-الأردنية. أي أن الأسطورة القائلة غن المعارضة المؤيدة للغرب لا تتعاون مع القاعدة وأن بمقدورها تحقيق إنجازات خاصة بها قد فقدت مصداقيتها أيضاً. ويعترف الزعيم السلفي الأردني محمد شلبي, المعروف أيضاً بأبي سياف, الذي يشارك في الحرب إلى جانب المتمردين السوريين, بشكل علني أنه حالما تتم إزاحة الرئيس السوري من منصبه, سوف يقوم هو وجماعته بمطالبة “الجيش السوري الحر” الموالي للغرب بإلقاء أسلحته ومن ثم سيبدؤون في بناء دولة إسلاموية. ومن الجدير بالذكر أن أبي سياف كان متورطاً في الماضي في تنظيم هجوم إرهابي ضد القوات الأمريكية في الأردن. ولا يبدو أنه قد غيرَ قناعاته منذ ذلك الوقت.

 

المصدر: موقع قناة العالم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.