السلطات التركية تتجاهل الجرائم الجنسية.. بحق النساء والاطفال في مخيمات اللاجئين السوريين

hatai_camp

شبكة الأنباء الإنسانية ‘إيرين’:

قال باباتوندي اوسوتيمين، المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان- أثناء زيارة قام بها مؤخراً إلى مخيم نيزيب للاجئين في تركيا، الذي يقع شرق مدينة غازي عنتاب الجنوبية – أنه ينبغي بذل المزيد من الجهد لضمان صحة ورفاه النساء والأطفال المتضررين من النزاع السوري.

ويأوي مخيم نيزيب، أحد أحدث المخيمات في تركيا، 10,000 لاجئ، في خيام من القماش الأبيض وحاويات متراصة في صفوف منظمة ومرقمة على الضفاف الصخرية لنهر الفرات التي تلفحها الشمس حتى تكتسي باللون الأبيض.

ويُعد المخيم بعدة مقاييس نموذجاً للمساعدات الإنسانية، غير أن السلطات التركية نسيت أحد التفاصيل الهامة. فوفقاً لعمال الإغاثة، لا يوجد في نيزيب، أو في أي من الـ16 مخيماً الأخرى في تركيا، أي مكان يتيح للاجئات الناجيات من العنف الجنسي الحصول على الدعم النفسي والاجتماعي المختص الذي يرى الخبراء أنهن في حاجة ماسة إليه.

العنف الجنسي في سوريا

وفي الواقع، وكما أشار تقرير أصدرته لجنة الإنقاذ الدولية في شهركانون الثاني الماضي، ‘يمثل الاغتصاب أحد الملامح الهامة والمثيرة للقلق في الحرب الأهلية/السورية’. وتدعم الدراسات الاستقصائية التي شارك بها اللاجئون في الأردن ولبنان هذا التقرير، فقد ذكروا أن استمرار العنف الجنسي ‘هو أحد الأسباب الرئيسية لفرارهم من البلاد’.

وبعد عدة أسابيع، أكدت إريكا فيلر، مساعدة مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، على تلك المخاوف، مشيرة إلى التقارير التي تفيد بأن ‘الصراع في سوريا يتسم على نحو متزايد باستخدام الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح من أسلحة الارهاب’.

وفي مقال نشرته مجلة ذي أتلانتيك الشهر الماضي، أفادت لورين وولف مديرة مشروع نساء تحت الحصار، الذي يوثق حالات الاغتصاب في مناطق النزاع، أن ‘أزمة الاغتصاب الجماعي’ في سوريا ‘تخلق أمة من الناجين المصابين بالصدمات النفسية’.

وتستضيف تركيا حتى الآن حوالي 193,000 لاجئ في 17 مخيماً، كما توجد 6 مخيمات جديدة قيد الإنشاء، ولكن لا تزال هناك فجوة واحدة على الأقل عبرت عنها ليلى ولكين، خبيرة علم النفس السريري ومستشارة العنف القائم على الجنس في صندوق الأمم المتحدة للسكان، قائلة: ‘بناءً على ما نما إلى علمنا، لا يوجد أي دعم نفسي واجتماعي مختص تقريباً للتعامل مع الناجين من العنف الجنسي بالتحديد في المخيمات في الوقت الحالي’.

وأفادت ميلتم أغدوك، مسؤولة برامج المساواة بين الجنسين في صندوق الأمم المتحدة للسكان، أنه نادراً ما يتصدر تقديم خدمات محددة للناجين من العنف الجنسي والجنساني قائمة الأولويات في حالات الطوارئ. وقد ركز المسؤولون الأتراك أولاً، على توفير الغذاء والمأوى بكميات كافية للعدد المتصاعد من اللاجئين.

وقد أبلغت الحكومة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الموظفين المتخصصين متاحون لمساعدة اللاجئين السوريين، الذين يمكن علاجهم داخل المخيم أو إحالتهم إلى مستشفيات خارج المخيم عند الضرورة، حسبما ذكر مكتب المفوضية في أنقرة.

ولكن قالت ولكين في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بعد اجتماع مع النساء اللائي يتولين قيادة مجموعات من القرويات، وقد اغرورقت أعينهن بالدموع عندما سُئلن عن العنف الجنسي: ‘هناك حاجة كبيرة لدعم احترافي’.

وتنبغي الإشارة إلى أن الخدمات النفسية والاجتماعية بشكلها الأعم متاحة لكل من النساء والأطفال في المخيمات، ولكن عدم وجود مساحة خاصة يجعل من الصعب على النساء الحديث عن تجاربهن مع العنف الجنسي والجنساني، مما يديم ثقافة الصمت التي تعوق بشدة الجهود المبذولة للتصدي له.

بناء القدرات

وقالت ولكين، التي تعمل في مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في العاصمة التركية أنقرة، ان ندرة الدعم النفسي للناجين من العنف الجنسي في مخيمات اللاجئين في تركيا ترجع إلى ندرتهم في البلاد ككل. وأضافت قائلة: ‘تعاني تركيا من نقص شديد’ في هذا المجال.

وقد صمم صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية في تركيا، برنامجاً تجريبياً لإعداد 24 من العاملين في مجال الرعاية الصحية وتدريبهم على إجراء التقييم النفسي والعلاج الأولي في المخيمات. وقالت ولكين أن البرنامج سيوفر أيضاً تثقيفاً عاماً للجمهور بشأن العنف الجنسي والجنساني، بما في ذلك برنامج يستهدف الرجال على وجه التحديد ‘الذين يكون بعضهم من الجناة’.

كما أمدت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين المسؤولين الأتراك بمبادئها التوجيهية، أو إجراءات التشغيل الموحدة، من أجل الوقاية من العنف الجنسي والجنساني والاستجابة له ‘وسيتم توزيعها على الموظفين الذين يعملون مع اللاجئين السوريين في المخيمات’.

وقد قام صندوق الأمم المتحدة للسكان بالفعل بتدريب عاملين أتراك في مجال الرعاية الصحية على التعامل السريري مع حالات الاغتصاب، بما في ذلك وسائل منع الحمل في حالات الطوارئ، والوقاية من الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، وجمع أدلة الطب الشرعي. ولكن ولكين حذرت من أنه في غياب فرص الحصول على المشورة النفسية، من غير المرجح أن تأتي الضحايا لتلقي العلاج الطبي، بسبب وصمة العار التي تحيط بهذه المسألة إلى حد كبير. وأضافت أغدوك أن الاختلافات الثقافية وعائق اللغة تمثل تحديات إضافية.

وأضافت أن دورة تدريبية جديدة ستبدأ في غضون بضعة أسابيع، ومن المرجح أن تكون الخدمات متاحة خلال شهرين. وتستهدف المرحلة الأولى من البرنامج العاملين في مجال الرعاية الصحية والأطباء النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين على مستوى البلديات والمحافظات، وذلك لبناء القدرات داخل المؤسسات التي يمكن نقلها فيما بعد.

وقالت ولكين: ‘يحدوني أمل في أن تكون هذه الكارثة بمثابة فرصة لتركيا لاتخاذ خطوة إلى الأمام نحو الوقاية من العنف الجنسي والجنساني والتدخل لعلاجه، وأن يتمكن المهنيون الذين نقوم بتدريبهم من نقل هذه المهارات من المخيمات إلى مجتمعاتهم المحلية’.

وفي الواقع، يرى مسؤولون حكوميون أن هذا البرنامج ‘يفتح باباً’ يمكن من خلاله إنشاء خدمات جديدة ستكون متاحة ليس فقط للاجئين السوريين، ولكن في حال وقوع كوارث في المستقبل.

وقالت أغدوك: ‘من المهم أنهم الآن يأخذون هذا الأمر على محمل الجد’.

فهم الاحتياجات

مع ذلك، فإن المهمة القادمة ليست سهلة، خاصة وأن الأمم المتحدة تواجه الآن نقصاً كبيراً في التمويل. فحتى الآن لم يتم الالتزام إلا بما يزيد قليلاً على نصف تعهدات المانحين الدوليين بتقديم 1,5 مليار دولار لتغطية احتياجات اللاجئين السوريين في النصف الأول من عام 2013. وتبلغ احتياجات صندوق الأمم المتحدة للسكان للاستجابة للأزمة السورية في جميع أنحاء المنطقة خلال نفس الفترة 20,7 مليون دولار، لكنه لم يتلق حتى الآن سوى أقل من نصف ذلك المبلغ، كما يقول ممثلوه.

وثمة تحد آخر وهو عدم الوضوح التام لحجم ومدى الاحتياجات المرتبطة بالعنف الجنسي والجنساني بين اللاجئين السوريين. وفي هذا السياق، قال أيمن أبو لبن، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تركيا: ‘إن ما يشغلنا ليس عدد الأطباء النفسيين الذين يتم تدريبهم، بل عدم توفر معلومات عن الواقع على الأرض’. وأضاف أن اليونيسف لا تملك معلومات في الوقت الحالي عن هذا الموضوع، ولكنها تأمل أن تحصل عليها في المستقبل القريب عندما تبدأ أنشطة المشروع.

وأكد أبو لبن على الحاجة إلى تقييم الثغرات، وزيادة خدمات الاستجابة والوقاية الشاملة وإنشاء نظام إحالة موحد. وقال أنه يأمل أن يؤدي مشروع اليونيسف الجديد الذي يهدف إلى زيادة القدرة على الصمود بين الأطفال والشباب في المخيمات إلى المساعدة في دعم الحكومة لتلبية تلك الاحتياجات.

وأضاف في بيان مكتوب أنه ‘من الأهمية بمكان أن يستطيع اللاجئون السوريون الحصول على خدمات علاج العنف الجنسي والجنساني’.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.