الصلابة السورية والخيبة الأميركية

USA-syria

وكالة أخبار الشرق الجديد –
غالب قنديل:

منيت الرهانات الأميركية على استجلاب ضغط روسي يمكن ان يبدل في الموقف السوري المبدئي المتصل بأولوية مكافحة الإرهاب في لقاءات جنيف بخيبة ثقيلة ظهرت في ما تناقلته وسائل الإعلام عن اللقاء الثلاثي الذي عقد يوم أمس والذي أبدى فيه نائب وزير الخارجية الروسية حزما في التصدي للموقف الأميركي ولانحياز الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي ولعدم نزاهته في إدارة الحوار .

أولا يبدو واضحا من التطورات والمواقف أن لا تسوية جاهزة كما توهم وروج كثيرون منذ انطلاق مباحثات جنيف 2 ويجب ان يكون واضحا أيضا ان العلاقة الروسية بالدولة الوطنية السورية هي علاقة شراكة وتحالف وليست علاقة تبعية وإملاء كما هي علاقة المعارضات السورية التابعة للغرب بمشغلها الأميركي .

الملف السوري في الواقع الدولي هو الفضاء الذي تتشكل من خلاله معادلات الشراكة المستجدة بين القطبين الروسي والأميركي والشريك الروسي يستند إلى صخرة راسخة هي صمود الدولة السورية وتقدم قواتها في الميدان بدعم شعبي كبير يعترف به الكثير من القادة والمسؤولين الأمنيين والسياسيين في الغرب كما بات معلوما ومعلنا .

في صياغة هذه الشراكة تعمل روسيا على إرساء ندية كاملة بعدما بدا عشية انطلاق جنيف 2 ان تهاونا يطبع سلوكها السياسي عندما تغاضت عن سحب دعوة إيران وعن حصر تمثيل المعارضة بعملاء الغرب في الائتلاف وقد أسقط الروس بضربة واحدة يوم أمس أوهام الولايات المتحدة عن تهاونهم بدعم صريح وواضح لصلابة موقف الوفد الحكومي السوري المتشدد في أولوية مكافحة الإرهاب قبل البحث بأي أمر سياسي لأن الشراكة في مكافحة الإرهاب هي القاعدة المؤسسة لأي تفاهمات سورية .

ثانيا تتحرك الولايات المتحدة لمحاولة تثبيت مبدأ طرحه ريتشارد هاس حول الشراكة الدولية بقيادة أميركية وهذا ما تحاول الإدارة في واشنطن اختباره وحرف المسار الدولي بشأن سوريا في اتجاهه وهو وهم معاكس لطبيعة وجوهر توازن القوى الذي يتيح للدولة الوطنية السورية المستندة لقوة جيشها المتماسك ولدعم الغالبية الشعبية السورية الكاسحة ان تضع العالم كله أمام خيارين لا ثالث لهما فإما تسوية تنطلق من الشراكة في مجابهة الإرهاب تترجمها قرارات دولية حازمة ضد جميع الحكومات العميلة المتورطة وإما حسم عسكري سوري بالقدرات الوطنية يكرس أمرا واقعا ويعلم الغرب من نتائج تقديراته واستطلاعاته ان زعامة الرئيس بشار الأسد لا يمكن النيل منها وقد زاد استهداف الولايات المتحدة للرئيس السوري من شعبيته وثبت صورته في وجدان مواطنيه كزعيم شعبي يمثل الإرادة السورية في مقاومة الإرهاب والتدخل الأجنبي وفي الدفاع عن هوية سوريا واستقلالها وقد أرادت روسيا توجيه رسالة قوية حول مستوى التضامن مع سوريا وشعبها وقائدها التحرري الذي أثار إعجاب العالم بصموده خصوصا وان الوفد الحكومي السوري أدار التفاوض بذكاء وشجاعة واستطاع تقديم رؤيته بشكل منطقي واستنادا لما ورد في تفاهم جنيف 1 الذي سعى الغرب وعملاؤه لتحويره بقصد تحويله انقلابا على الدولة الوطنية والرئيس بشار الأسد يستهدف استقلال سوريا وسيادتها الوطنية وليس من المصادفات بالتزامن مع ما يجري في جنيف ان تشتعل المناطق السورية الساخنة بمسيرات الدعم للأسد وللوفد الحكومي المفاوض والجيش العربي السوري ومشاهد درعا وديرالزور وسائر المدن السورية فيها العبر لمن يشاهد ويفهم .

ثالثا روسيا مقتنعة كليا بأنها مستهدفة بالإرهاب التكفيري الذي ترعاه حكومات عميلة لواشنطن و تواجه ضغوطا وتدخلات أميركية في أوكرانيا وغيرها من مواقع النفوذ الروسي التقليدية والتاريخية وقد تصدى وزير خارجيتها لافروف في ميونيخ للصلافة الأميركية بهذا الشأن وكذلك بشأن ملف الدرع الصاروخي الذي يمثل تهديدا صريحا للتوازنات المتحولة عالميا وهو موجه ضد روسيا وحليفتها إيران صراحة وذلك كله يعني أن أولوية الحكومة السورية بمكافحة الإرهاب هي أولوية الدفاع عن سوريا وعن أمن الحلفاء وعن استقرار العالم ومن الطبيعي ان يستجيب الموقف السياسي الروسي في جنيف لهذه الضرورة مع المعرفة المسبقة بان القيادة السورية تتصرف بمبدئية واستقلالية ولا يمكن حتى للشركاء والأصدقاء إلزامها بما لاتراه في مصلحة بلادها مهما كانت درجة الصداقة والشراكة وقد تعود الروس على ضرورة احترام هذا البعد في العلاقة التحالفية مع سوريا خصوصا وان الحليف السوري سبق له على امتداد السنوات الثلاث الماضية مراعاة الأولويات الروسية في العديد من المحطات وتحمل في ذلك أعباء كبيرة ومن هنا فالتحالف العضوي الذي يتسم بالمصداقية لا يمكن ان يترجم إلا بالتفهم والاحترام فسوريا الأسد هي شريك رئيسي لروسيا وليست عميلا يتلقى الأوامر والتعليمات .

لهذه الاعتبارات سقط أمس وهم التسوية المعلبة وسقط وهم الضغط الروسي لكسر الإرادة السورية وسقط وهم تقديم ما يدعوه الأميركي بنقل السلطة على أولوية مكافحة الإرهاب والميدان سيتكفل بأدوات إقناع صارمة لمن يريد التجريب هكذا يقول ضباط وجنود الجيش العربي السوري في عملياتهم المتواصلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.