الصندوق الأسود …

naeem-abbas

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:
لم يكن الصندوق الأسود الذي وقع بين يدي مخابرات الجيش اللبناني برتقالي اللون هذه المرة ، ولم تكن المعلومات التي تم استخراجها منه وتحليلها تتعلق بما يدور بين الغيوم في رحلات السفر ، بل كان أسوداً قاتماً لما تضمنه من معلومات عن العمليات الإرهابية التي وقعت على أرض الواقع اللبناني وعن خلايا الصهيونية الإسلامية التي خططت ونفذت لهذا الإرهاب الدموي الذي جعل من لبنان واحة دماء لا تنتهي .
هو نعيم عباس ، الصندوق الأسود الذي تم إلقاء القبض عليه من قبل مخابرات الجيش ، خلال تحضيره لعمل إرهابي جديد كان سيرسم من خلاله مجزرة جديدة لولا جهود فرع المخابرات التي ادت إلى اعتقاله في الوقت المناسب ، هذا الإعتقال الذي أدى ومنذ لحظاته الأولى إلى استخراج معلومات أقل ما يقال عنها بأنها معلومات خطيرة جداً وبالغة الأهمية ، وبحسب ما سُرب من معلومات من خلال بعص المصادر الأمنية نجد أنها تنقسم في خطورتها وأهميتها إلى قسمين ، أولها أمني إرهابي تنفيذي ، يرتبط بعمليات تفجير وإغتيالات قد وقعت وأخرى كانت قيد التحضير للقيام بها، وثانيها سياسي الأبعاد يتعلق بالجهة السياسية التي أمنت الغطاء الآمن والمتعلق بمراحل التخطيط والتحضير وتجهيز اللوازم اللوجستية لهذه الأعمال الإرهابية .
وبقراءة دقيقة للمعلومات الأولية التي نضح بها صندوق الموت الأسود ، يمكننا تشريح الموقف بمبضع العقل الأمني ووضعه فوق طاولة التحليل السياسي لنتوقع خاتمة المسيرة الإرهابية لهذه الصهيونية الإسلامية التي تجتاح بلادنا منذ فترة ليست بالقصيرة .
فمن الناحية الأمنية ، جميعنا يعلم مدى الجهوزية العالية ومصداقية العمل الأمني لدى مخابرات الجيش والتي مكنتها من خلال قدراتها المخابراتية الى تضييق الخناق على مجموعات الموت المتحرك ووضعها تحت مجهر المراقبة الدقيقة مما أدى إلى حركة تنازلية في حجم الأضرار البشرية والمادية مرة بعد مرة الى أن وصلت في المرحلة الأخيرة إلى الإنتقال من مرحلة الضبط الى مرحلة إعتقال أدوات التخطيط والتنفيذ والتي كان باكورتها توقيف ماجد الماجد ودفتردار ، وصولاً الى عمر الأطرش وعمامته المفخخة ، وأخرها وليس أخراً صندوق الموت الأسود نعيم عباس الذي يعتبر الرجل الأكثر خطورة من الناحية التنفيذية لمشروع القتل العام أحد مشاريع الصهيونية الإسلامية . وهنا يمكننا أن نرى وبوضوح بأن القوى الأمنية قادرة بما لديها من معلومات وقدرات أن تقوم بضبط إيقاع اللعبة الأمنية والسيطرة على الأرض أمنياً والحد من خطورة كل الخلايا الإرهابية متى توفر لها الغطاء السياسي اللازم الذي يمكّنها من القيام بدورها الطبيعي في الحفاظ على سلامة الوطن والمواطن .
وهنا مربط الفرس ، الغطاء السياسي ، واللعبة السياسية التي تنقلنا مرة جديدة الى قراءة مختلفة لمسلسل القتل العام ، وهو الشق الأكثر خطورة من الشق الأمني ، فإن المعلومات المُسربة والتي تتناقلها بعض المصادر اليوم تتحدث عن استعمل لوحات تابعة لسيارات بعض السياسيين والتي تم استعمالها لتسهيل مرور السيارات المفخخة وأدوات التفجير اللازمة بالإضافة الى الإنتحاريين أنفسهم وإيصالهم الى هدفهم برعاية سياسية نيابية ، وهنا سنسأل ، إذا كان لدى القوى الأمنية القدرة العسكرية على ضبط الواقع الأمني ، فمن الذي يستطيع ضبط الواقع السياسي ؟
وهل سيكون هناك إجماع لدى مقومات الدولة على رفع الغطاء السياسي عن كل من يثبت التحقيق تورطه في هذه الأعمال الإجرامية ، أم أنه للسياسة أبواب ومخارج ما أنزل الله بها من سلطان ، وهل ستنتصر مصلحة الوطن والمواطن على المصالح السياسية الخارجية التي تريد أن ترسم للبنان وجه أخر غير الوجه الطبيعي المقاوم الذي يليق به .
وهنا هي بداية المرحلة الجديدة من مراحل بناء لبنان السياسي ، فهل للإيجابيةالسياسية المفاجئة التي أبداها رأس التيار الأزرق في عملية تشكيل الحكومة علاقة بهذه المعلومات ، وهل أنه إستدرك ولو متأخراً مدى تورط من هم تحت رايته بعمليات الموت الأسود مما اضطره للبحث عن مخارج سياسية من خلال إرضاء خصمه السياسي ليضمن وفي مناورة سياسية مكشوفة حماية هؤلاء الذين تقول المعلومات بتورطهم ، وإخراجهم من دائرة الإتهام من خلال تسوية سياسية تُأمن لهم البقاء على ما هم عليه من غطاء سياسي قد يؤدي إلى إنهاء الحياة السياسية الزرقاء إن سقط ؟
وهل سيقبل الطرف الأكثر ضرراً من هذه الأعمال الإجرامية ( المقاومة ) بأي تسوية سياسية تهدف الى إنهاء هذه الحقبة الإجرامية عند حدود نعيم عباس ،وهل ستقبل المقاومة بالمساومة على دماءها، وهذا أمر غير متوقع ولم نعهده مطلقاً من قبل المقاومة.
مما يجعلنا أمام نتيجة مؤكدة لمرحلة جديدة من مراحل اللعبة السياسية اللبنانية ، وهي مرحلة كشف الحقائق والمحاسبة ، فإن اللعبة السياسية اليوم على المحك ، وإن أي تورط مباشر أو غير مباشر لبعض سياسيين التيار الأزرق وحلفاءه ، سيشكل تقاطعاً كبيراً في عملية قيام الدولة ، فالدولة اليوم أمام أصعب امتحاناتها ، فإما أن تذهب نحو النهاية في كشف الحقيقة وفي القضاء على الإرهاب ، فتكسب في ذلك لبنان الوطن ولبنان المواطن ، وإما أن تذهب نحو تسويات سياسية تُأخر في إعلان وفاة لبنان الى وقت لاحق .
إن صندوق الموت الأسود والموجود اليوم بين يدي مخابرات الجيش ، هو الذي يحمل الصورة الحقيقية للمرحلة المقبلة ، وما علينا سوى أن نتابع وبدقة كل التطورات التي ستنتج عن عملية تحليل كامل معلوماته ، لنعرف ما هو الشكل الجديد الذي سيخرج به لبنان قريباً ، ولنعرف حقيقة الوطن الذي نطمح لبناءه ، وحقيقة الشكل السياسي الموعود والذي ما زالت ملامحه الحقيقية غائبة حتى الساعة ، وأخشى ما أخشاه هو غياب هذه الملامح حتى قيام الساعة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.