العلاقات الأمريكيّة – التركيّة تقترب من القطيعة

صحيفة الوفاق الإيرانية-

عبدالباري عطوان:

عندما يَصِفْ موقع “ذا أميركان كونسرفاتيف” النّاطق باسم الأغلبيّة المُحافظة في الولايات المتحدة، والبِيض خُصوصًا، تركيا بأنّها “الطّابور الخامس” في حلف النّاتو الذي لا يُمكن الوثوق به، وتُطالب بطردها من الحلف بأسرعِ وقتٍ مُمكن، فإنّ لا دُخانَ من دُونِ نار وهذا قد يعني أن العلاقات الأمريكيّة – التركيّة تقترب من القطيعة، خاصَّةً إذا فازَ الحزب الجُمهوري في الانتِخابات الرئاسيّة المُقبلة بعد عامين من الآن تقريبًا.
فأمريكا التي تَشْعُر بخيبة أمل من حُلفائها خاصَّةً في مِنطقة الشّرق الأوسط، بعد تمرّد السعوديّة ودول الخليج الفارسي ضدّها ووقوفها في الخندقِ الروسي في الحرب الأوكرانيّة، والالتِزام باتّفاق “أوبك بلس” وتخفيض الإنتاج مِليونيّ برميل يوميًّا، باتت تُعيد النّظر في خريطة تحالفاتها، خاصَّةً مع السعوديّة وتركيا

من الواضِح أنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان يعي هذه النّوايا وبات يُخَطِّط للانسِحاب من الحلف، بانفتاحه بشَكلٍ مُتسارعٍ على روسيا، وتعميق صداقته مع رئيسها فلاديمير بوتين، وتحدّى الولايات المتحدة بشِراء منظومات صواريخ “إس 400” كبَديلٍ عن منظومات “الباتريوت” الصاروخيّة الأمريكيّة، ومن غير المُستَبعد أن يستبدل صفقة طائرات الشّبح الأمريكيّة بالروسيّة الأكثر تَطَوُّرًا “سو 35”.

الرئيس أردوغان بات العُضو “المُشاغب” في حِلف “الناتو”، فما زال يُعارض انضِمام كُل من السويد وفنلندا إلى الحِلف طالما أنّهما لم تُنَفّذا تعهّداتهما بتسليم نُشطاء أكراد مُعارضين من أنصار حزب العمّال الكُردستاني في البلدين، وبعضهم يحمل جنسيّتهما، وأعضاء في البرلمان، والأكثر من ذلك أنه يُريد زيادة حجم التّبادل التّجاري مع موسكو إلى أكثر من مِئة مِليار دولار سنويًّا.

تصاعد حالة التوتّر بين تركيا واليونان مُجَدَّدًا في الأيّام القليلة الماضية على أرضيّة رفع حِلف “الناتو” حظْر الأسلحة عن قبرص، وتفاقم أزمة الخِلافات الحُدوديّة البحريّة الغنيّة بالغاز والنفط، ربّما يضع، أيّ أردوغان، الحِلف في مأزقٍ خطيرٍ للغاية، في ظِلّ الحُشودات العسكريّة، وتزايد احتِمالات المُواجهة التي لا يَسْتَبعِدها الكثير من المُراقبين لتَطوّرات الأوضاع المُتوتّرة في البلدين.

اتّفاق أنقرة وموسكو لإقامة مركز غاز مُشترك في مِنطقة تراقيا التركيّة الذي أعلن عنه الرئيس أردوغان بعد لقائه نظيره الروسي في آستانا عاصمة كازاخستان، وتعزيز خط أنابيب غاز السّيل التّركي سيكون بمثابة الضّربة الاقتصاديّة القاضية لخطّيّ أنابيب غاز “نورد ستريم 1” و”نورد ستريم 2″، اللّذين يَنْقُلان الغاز الروسي إلى أوروبا.

تحويل تركيا إلى مَركزٍ للغاز الروسيّ يُمكن أن يُلبّي كُل الطّلبات الأوروبيّة في الحاضِر والمُستقبل وسيُعزّز من المكانة الاستراتيجيّة التركيّة في آسيا وأوروبا معًا في ميادين الطّاقة واقتصاديّاتها، وجاءت هذه الخطوة باقتِراحٍ من الرئيس بوتين، وكرَدٍّ على تفجير خُطوط “نورد ستريم” تحت مِياه بحر البلطيق في عمليّةٍ إرهابيّةٍ تعتقد موسكو أنّ المُخابرات الأمريكيّة هي التي تقف خلفها، إن لم يكن قد نفّذتها فِعلًا عبر خَليّةٍ من عُملائها.

هذا القرار بإبعاد تركيا من حِلف “النّاتو” الذي يتبلور، ويُتداول حاليًّا على نارٍ هادئةٍ في أروقة الحِلف، وبعد إغلاق أبواب عُضويّة الاتّحاد الأوروبي في وجهها، ربّما يَصُبُّ في مصلحة الأكثريّة التركيّة التي تُطالب بلادها بإدارة ظهرها لأوروبا “العاقّة” و”العُنصريّة”، والاتّجاه شرقًا، وربّما هذ ما يُفَسِّر تسارع اللّقاءات الاستخباريّة التركيّة السوريّة، وإعادة إحياء الحِزام التّركماني الذي يمتدّ حتّى غرب الصين شرقًا، وتزايد احتِمالات عقد القمّة بين الرئيسين بشار الأسد والرئيس أردوغان برعايةٍ روسيّة.

ويسود اعتقاد في أوساط مُراقبين ان الاشتِباكات الدمويّة بين هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقًا، وفصائل مُسلّحة مُتشدّدة أدّت إلى سيطرة الأولى على مناطق لعفرين شِمال حلب، قد تُعزّز التّقارب السوري- التركي المُتنامي، وتدفع إلى التّنسيق المُشترك بينهما لوَضعِ حَدٍّ لهذه الفوضى الأمنيّة الخطيرة، التي تُلحِق ضَرَرًا بأمْنِ البلدين.

تركيا انضمّت إلى حِلف “النّاتو” كعُضو مُؤسّس عام 1952 من أجل تكوين سَدٍّ على طُول الحُدود مع الاتّحاد السّوفييتي لعدم تمدّد ثورته البلشفيّة جنوبًا، والآن بعد انهِيار هذا الاتّحاد انتهى دورها، وبات تجميد أو إنهاء عُضويّتها في الحِلف خِيارًا مطروحًا للنّقاش بقُوّةٍ لأنّ تركيا تأتي أكبر الأعضاء سُكّانًا (80 مِليون) مُعظمهم مُسلمين، وجيشها هو الأضخم عددًا بعد نظيره الأمريكي.

في ظِل هذا التّقارب الروسي التركي المُتسارع، ولُجوء أنقرة إلى منظومات صواريخ “إس 400” البديلة من غير المُستَبعد أن تكون الخطوة التّالية بعد تحوّل تركيا إلى مَركزٍ رئيسيّ للغاز الروسيّ، دُخول مُسيّرات بيرقدار الحرب الأوكرانيّة تحت راية القوّات الروسيّة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.