العلاقات العربية- الصينية.. الآفاق المستقبلية

صحيفة الوطن السورية-

الدكتور قحطان السيوفي:

علاقات الصداقة التقليدية بين الصين والدول العربية قديمة، فقد كان طريق الحرير يربط بين الحضارة الصينية والحضارة العربية ربطاً وثيقاً قبل أكثر من ألفي سنة.

 

في العصر الحديث، شهدت علاقات الصداقة والتعاون بين الجانبين في كل المجالات تطوراً كبيراً يتمثل في ترسيخ الثقة السياسية المتبادلة، والتواصل المكثف في شتى المجالات وعلى كل المستويات، والتنسيق والتعاون الوثيقين في الشؤون الدولية والإقليمية الرئيسية، وحقق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين نتائج مثمرة.

 

الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والدول العربية عمرها أكثر من خمسة وستين عاماً، ومصر هي أول دولة عربية أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين الجديدة في أيار 1956، والسعودية هي آخر دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية معها في تموز 1990، وما بين مصر والسعودية، جاء ترتيب إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، على النحو التالي:

 

سورية والعراق في آب 1956، اليمن في أيلول 1956، المغرب في تشرين الثاني 1958، الجزائر في كانون الأول 1958، الأردن في نيسان 1977، كما أقامت الصين العلاقات الدبلوماسية مع دولة فلسطين في تشرين الثاني 1988 بعد أن أعلن ياسر عرفات قيام دولة فلسطين يوم الـ 15من تشرين الثاني في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر.

 

سبع دول عربية، وتحديداً مصر وسورية والعراق واليمن والمغرب والجزائر والسودان اعترفت بجمهورية الصين الشعبية وأقامت معها علاقات دبلوماسية رسمية قبل أي دولة أخرى في منطقة غرب آسيا وكل قارة إفريقيا.

 

رغم العزلة التي حاولت دول غربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، فرضها على الصين الجديدة التي تأسست سنة 1949، كان الدعم السياسي المتبادل ركيزة أساسية للعلاقات بين الصين والدول العربية، وكانت الصين متحمسة ومدافعة عن القضايا العربية، فكان موقفها واضحاً من الاعتداء الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر في حرب السويس في تشرين الأول 1956، وعندما أعلن في القاهرة قيام الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في التاسع عشر من أيلول 1958 اعترفت بها الصين بعد ثلاثة أيام فقط، وأصبحت أول دولة غير عربية تعترف بها، كما أن الصين أول دولة غير عربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، وغيرها من المواقف الداعمة للدول والشعوب العربية.

 

وفي الخامس من أيار عام 2020، ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية وصل إلى 226، 4 مليار دولار أميركي في عام 2019، وبلغ حجم الواردات الصينية من الدول العربية 146 مليار دولار أميركي، في حين بلغ حجم صادرات الصين إلى الدول العربية 120.4 مليار دولار أميركي، في حين بلغت قيمة عقود المشروعات المتعاقد عليها التي وقعتها الشركات الصينية في عام 2019 مع الدول العربية 32.5 مليار دولار أميركي.

 

وخلال العشرين عاماً الأولى من القرن الحادي والعشرين، ومع بزوغ الصين كقوة عالمية اقتصادية وعسكرية وسياسية، صار لبكين مصالح استراتيجية متزايدة في المنطقة العربية التي تمثل القسم الأعظم من المنطقة التي يشار إليها في وزارة الخارجية الصينية باسم منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.

 

وفي كانون الثاني عام 2016، وبمناسبة الذكرى السنوية الستين للعلاقات الصينية- العربية وجولة الرئيس الصيني شي جين بينغ في المنطقة والتي شملت كلاً من: مصر والسعودية وإيران، أصدرت بكين وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية، جاء فيها: «يعتبر العالم العربي شريكا مهماً للصين التي تسلك بخطوات ثابتة طريق التنمية السلمية في مساعيها لتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية وإقامة علاقة دولية من نوع جديد تتمحور على التعاون والمصالح المشتركة، ويحرص الجانب الصيني على توسيع دائرة التعاون في البنية التحتية ومجال تسهيل التجارة والاستثمار، إضافة إلى الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة والزراعة والمالية وغيرها».

 

شهدت العلاقات الصينية- العربية خلال السنوات الخمس والستين المنصرمة، توافقاً حول قضايا العلاقات الدولية، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان والتنمية وإصلاح الأمم المتحدة والنظام الاقتصادي العالمي، ولكن مع بروز تحديات استراتيجية تواجهها دول عربية وتواجهها الصين أيضا؟ وتحولات على صعيد التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، فإن ثمة أسباباً موضوعية لدفع وتعزيز العلاقات الصينية – العربية.

 

على صعيد العلاقات السورية – الصينية أعلن الرئيس الصيني شي خلال لقاء القمة مع الرئيس بشار الأسد في بكين، عن «إقامة الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسورية، التي ستصبح محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية».

 

وأضاف شي: «في مواجهة الوضع الدولي المملوء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، الصين مستعدّة لمواصلة العمل مع سورية، والدعم القوي المتبادل بينهما، وتعزيز التعاون الودّي، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين»، وأكد أن العلاقات بين البلدين «صمدت أمام اختبار التغيرات الدولية»، وأن «الصداقة بين البلدين تعزّزت بمرور الوقت».

 

من جانبه، أعرب الرئيس بشار الأسد عن تطلّعه لـ«دور الصين البنّاء على الساحة الدولية ورفض كل محاولات إضعاف هذا الدور عبر التدخل في شؤون الصين الداخلية أو محاولات خلق توتر في بحر الصين الجنوبي أو في جنوب شرق آسيا».

 

وأكد الرئيس الأسد أن «هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار، ومن واجبنا جميعاً التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد». وأضاف: «أتمنى أن يؤسّس لقاؤنا لتعاون استراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في مختلف المجالات».

 

اكتسبت زيارة الرئيس الأسد أهمية خاصة لكونها جاءت بعد تطورات مهمة على الساحة الدبلوماسية السورية تمثلت باستئناف دمشق علاقاتها مع دول عربية عدة، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ثم مشاركة الرئيس الأسد في القمة العربية في جدّة في أيار2023 للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاماً.

 

كما أن الزيارة جاءت عقب التحوّلات الدبلوماسية على الساحة العربية بعد اتفاق بوساطة صينية أعلن عنه في آذار2023 وأسفر عن استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين السعودية وإيران.

 

إن زيارة الرئيس الأسد للصين لها أبعاد اقتصادية مهمة، وجاءت في وقت تلعب بكين فيه دوراً متنامياً في الشرق الأوسط، وتحاول الترويج لخطتها «طرق الحرير الجديدة» المعروفة رسمياً بـ«مبادرة الحزام والطريق»، وهي مشروع ضخم من الاستثمارات والقروض يقضي بإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وإفريقيا.

 

انضمت سورية في كانون الثاني 2022 إلى مبادرة الحزام والطريق، وأدت الحرب في سورية إلى تدمير هائل للبنية التحتية وتدمير العديد من القطاعات الحيوية للاقتصاد، بما في ذلك النفط، فيما تخضع الحكومة السورية لعقوبات دولية قاسية وهي بحاجة لمساعدة الصين، كما تأتى الزيارة وسط تفاعلات دولية وإقليمية متغيرة ناتجة عن الحرب الأوكرانية وتداعياتها على حالة الاستقرار والأمن الدولي من ناحية، وما نتج عنها من اصطفافات دولية تدعم طرفي الصراع من ناحية ثانية، فضلاً عن حالة التعاطي الأميركي مع القضايا الأمنية في منطقة الإندوباسيفيك وإعلان الولايات المتحدة اعتبار الصين «مصدر قلق» يهدد بصورة مباشرة المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية الأميركية في المنطقة من ناحية ثالثة.

 

وقد أعلنت الرئاسة الصينية أن الزيارة في مضامينها العامة تأتي انعكاساً لرغبة الدولتين في إقامة شراكة استراتيجية، والعمل الثنائي على تعزيز قدرة سورية بشأن إعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب.

 

ختاماً تتعمق العلاقات بين الصين والدول العربية، ويزداد التعاون والمصالح المشتركة بين الجانبين، وستصبح آفاق العلاقات الصينية- العربية أرحب، وآخرها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الصينية- السورية في أيلول 2023.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.