“الناتو الآسيوي”.. حلم أمريكي

صحيفة البعث السورية-

ريا خوري:

يصرّ الغرب الأمريكي والأوروبي على تجاهل الكثير من حقائق التاريخ السياسي، التي تشكّلت ولم تكن موجودة عند انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وأولى هذه الحقائق ظهور جمهورية الصين الشعبية كلاعب دولي كبير ومهمّ، وتعافي جمهورية روسيا من الوهن المؤقت الذي خلّفه انهيار الصرح السوفييتي الكبير، ناهيك عن ازدياد الحقد والكراهية للولايات المتحدة الأمريكية في العالم، بسبب الغطرسة والعنجهية والبطش التي انتهجتها خلال العقود الثلاثين عاماً، باعتبارها أضحت القوة الكبرى الوحيدة على الساحة العالمية، الأمر الذي جعلها لا تلقي بالاً للنداءات الروسية المتتالية، وتصمّ أذنيها عن كلّ التحذيرات الصينية والروسية من توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً، بل وتعاملت مع الأمر باستهتار مقصود وغير مبالاة.

ولقد أكّد عدد كبير من القادة الروس أن الجنون الذي يسود الغرب الأمريكي- الأوروبي الآن يشبه الجنون الذي استحوذ على أوروبا عشية الحرب العالمية الأولى التي بدأت بتاريخ 28 حزيران 1914 وانتهت في 11 تشرين الثاني 1918، عندما كانت الأطراف تسعى جاهدةً للصراع مع بعضها البعض، والآن هم يصمّمون على مواجهة روسيا الاتحادية، وصرحوا بشكلٍ واضح وصريح بأنهم في حالة حرب معها.

في حقيقة الأمر، وكما تمّ الحديث عنه في العديد من الأروقة السياسية العالمية فإن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس الحالي جو بايدن، ستفقد سيطرتها ونفوذها على منطقة الشرق الأوسط، وستهديها للصين وروسيا، مشيرين إلى أن أية قوة عظمى تسيطر على هذا الجزء من العالم، ستمتلك مميزات استراتيجية كبيرة على منافسيها، لأنّ منطقة الشرق الأوسط تتمتع بموقع جيو استراتيجي مهمّ في العالم، وأن الولايات المتحدة بدأت تفقد نفوذها تدريجياً، وأنها أصبحت قوة مترهلة من الدرجة الثانية.

ويرى معظم الباحثين والخبراء الاستراتيجيين والمراقبين أن الاجتماع الأخير بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، أدى إلى ظهور نظام عالمي جديد أوراسي، قلب المعايير والموازين، وجعل الصين وروسيا اللاعبّين المهيمنين في الساحة العالمية، وزاد من عزل الولايات المتحدة الأمريكية.

وبدلاً من أن تسعى أمريكا لتدارك الأخطاء وحالات الارتباك سعياً لحلول توافقية للأزمات التي اختلقتها لكلّ من روسيا والصين، من أجل إبقاء سيطرتها وهيمنتها وهيمنة الغرب بشكلٍ عام على العالم، فإنها تعمل على ما يبدو للإمعان في سياساتها وتوجهاتها، بل وتشكيل تكتلات وتحالفات عسكرية في القارة الآسيوية، وهو ما كشفه اقتراح القيادة الكندية، وهي من حلفاء الولايات المتحدة المهمين من خلال إيجاد تحالف يضمّ اليابان وكوريا الجنوبية، بحيث يكون شبيهاً بالتحالف الأمني الرباعي غير الرسمي (كواد)، الذي يجمع الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

معظم التقارير والدراسات والتصريحات تؤكد أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة مع حلفائها لتشكيل (ناتو) آسيوي، سيخلق المزيد من المشكلات والمتاعب لكلّ من روسيا والصين، وينذرُ بالمزيد من النزاعات والصراعات العالمية التي من الواضح أنّ الولايات المتحدة باتت تعتاش عليها!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.