الولايات المتحدة الأميركية والمنطقة.. دوافع العدوان وتداعياته

صحيفة الوطن السورية-

محمد نادر العمري:

سلكت الإدارة الأميركية الحالية سلوكاً يتجه على نحو مخالف لما قدمته من وعود انتخابية تضمنها البرنامج الانتخابي للرئيس الأميركي ومرشح الحزب الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات عندما تعهد في عام 2020 بعدم خوض أي حروب خارجية تضر بمصالح الولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً عندما ذهبت هذه الإدارة بعيداً في ممارسة العدوان والاعتداء على دول المنطقة بعدما منحت الكيان الإسرائيلي بداية الغطاء السياسي والدعم العسكري المطلق في ممارسة عدوانه على قطاع غزة، ومن ثم المسارعة الأميركية لاستهداف اليمن بالشراكة مع القوات العسكرية البريطانية بعد فشلها بجر دول المنطقة وغيرها من الدول لتوسيع تحالفها الذي أطلقت عليه «حارس الازدهار»، قبل أن تتجه بشن اعتداء ضد الأراضي السورية والعراقية هو مفتوح، من دون أن يقود لتوسيع شامل، حسب وصفها، رداً على إيقاع خسائر مادية وبشرية استطاعت المقاومة العراقية من ايقاعها خلال عملياتها المقاومة التي تجاوزت 180 عملية ضد القوات الأميركية في سورية والعراق منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» حتى اليوم بشكل عام، وما حصل مؤخراً من استهداف لإحدى القواعد الأميركية في شمال غرب الأردن بالقرب من الحدود السورية العراقية- الأردنية في قاعدة «البرج 22».

العدوان الأميركي على المنطقة مؤخراً جاء بذريعة تقليص قدرات الفصائل المدعومة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، هو ادعاء كاذب بالمطلق ولا يمكن وصفه سوى أنه بالون إعلامي من قبل الإدارة الأميركية الحالية لتحقيق أهداف انتخابية وغيرها، سنتطرق إليها لاحقاً في صلب المقال، وما يؤكد أن هذا الادعاء للترويج الإعلامي فقط هو وجود مجموعة من الحقائق التي لابد من التوقف عندها:

– النقطة الأولى: هذه الفصائل هي ليست فصائل إيرانية أو أذرع إيران في المنطقة، هي فصائل يضم السواد الأعظم منها عناصر وطنية تشكلت نتيجة التداعيات التي أوجدها الاحتلال الأميركي في كل من سورية والعراق من سياسات فوضوية واحتلال وسرقة للموارد الوطنية ونشر بذور التفرقة والصراعات، الأمر الذي شكل أرضية ونواة تواجد تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما استدعى تشكل هذه الفصائل بدعم الحكومات الوطنية وبعض الدول الإقليمية مثل إيران، للحد من تداعيات الإرهاب وتقليصه بشكل كامل لمنع تحقيق الأجندات الأميركية في المنطقة.

– النقطة الثانية: في حال رغبت الولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة كما تدعي، لماذا لا تقوم بمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل مباشر؟ ولماذا تصر على توجيه أصابع الاتهامات السياسية والإعلامية لها مع أي تطور من دون مواجهة مباشرة؟ الجواب بكل تأكيد أن الولايات المتحدة الأميركية تدرك قوة وقدرات طهران والنتائج التي ستتحملها واشنطن في حال القيام بذلك، لذلك هي تبحث عن ذرائع فقط تتمثل بتوجيه الاتهامات وتحميل الجميع مسؤولية التصعيد لتبرير سلوكها العدواني من جانب ولتبرير إطالة أمد وجودها في المنطقة، وهو ما يطرح سؤال عن حزب الله، أليس هو ضمن حلفاء إيران في المنطقة ويعد من أكثر الفواعل داخل المحور تأثيراً، لماذا لم تجرؤ واشنطن على استهدافه؟

– النقطة الثالثة: إن كل التطورات المحتدمة على مستوى المنطقة ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، لولا استمرار الكيان الإسرائيلي بعملياته العدوانية في قطاع غزة وممارسته أبشع صور الجرائم والإبادة من دون رقيب، بدعم أميركي، وليست سببه إيران أو محور المقاومة الذين استطاعوا قلب الطاولة على الأجندات الأميركية والصهيونية في المنطقة منذ تكريس الإرهاب كوسيلة لاستنزاف دول المحور أو اتخاذه ذريعة للبقاء ضمن هذه الخريطة الجيواستراتيجية.

لذلك فإن هذه الادعاءات الأميركية أقل ما يمكن وصفها بأنها تأتي ضمن إطار «الكذب والخداع الاستراتيجي»، وإن بحثنا بشكل منطقي وعلمي في دوافع هذا العدوان في سياق ما تروج له واشنطن بأنها لا تبحث عن المواجهة المباشرة أو التصعيد المطلق بالمنطقة فسنجد أن هناك مجموعة من الدوافع التي تقف خلف العدوان الأميركي تجاه سورية والعراق تتمثل أبرزها في:

أولاً- الحرج الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأميركية جراء قدرة الفصائل من استهداف قواتها داخل الأراضي الأردنية ووقوع خسائر بشرية هي الأكبر منذ سنوات ما جعلها مضطرة لاستعادة هيبتها التي تعرضت لتصدع في الداخل الأميركي والشرق الإقليمي وعلى مستوى النظام الدولي، وما يؤكد هذا الدافع هو إرسال واشنطن لقاذفاتها الاستراتيجية «B1» من داخل أراضيها للمشاركة في هذا العدوان بهدف استعراض عضلاتها العسكرية واستعادة جزء من صورتها القوية، إلى جانب رفض العديد من الدول الإقليمية المشاركة في هذا العدوان بشكل مباشر أو استخدام أراضيها خشية من انتقام الفصائل المقاومة من هذه الدول التي وصلت لحد القناعة من حيث انغلاق أفق استخدام الخيارات العسكرية وتغيير موازين القوى.

ثانياً- إن هذا العدوان على سورية والعراق وقبله اليمن، له دافع انتخابي بالنسبة للرئيس بايدن ولاسيما في ظل الضغوط التي يمارسها الجمهوريون عليه للرد على إيران مباشرة والتي تمثلت أبرزها في مطالبة السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، لبايدن بغزو إيران.

ثالثاً- ينقسم هذا الدافع لشقين: شق نعم تريد واشنطن من خلاله ردع المحور المعادي لها في المنطقة لتوقيف عملياتها وتحركاتها ضد القوات الأميركية، أما الشق الآخر يتمثل في تحسين التموضع التفاوضي لواشنطن للضغط على إيران للعودة للاتفاق النووي بالشروط الأميركية انطلاقاً من أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى.

رابعاً- تسعى واشنطن من خلال هذه الاعتداءات توجيه الأنظار بعيداً عما يحصل في غزة من إبادة جماعية من جانب، ومن جانب آخر الضغط على الفصائل الفلسطينية للقبول بالطروحات الأميركية ومخرجات اجتماع باريس من دون شروط انطلاقاً من إشعار هذه الفصائل بأن واشنطن تقوم باستهداف قوى المحور الذي يدعمها ويساندها.

ولكن في الواقع أليس من واجب واشنطن أن تأخذ العبر من تجاهل تهديداتها من قبل حزب اللـه الذي دخل الحرب ولو بتكتيك المشاغلة والاستنزاف؟ وكذلك أنصار اللـه في اليمن الذين رفضوا الانصياع لتهديداتها؟ ما يضع ادعاءها بتقليص قوة الفصائل في العراق وسورية هو ضرب من الخيال.

من المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هو من أكثر المؤيدين لهذا العدوان وإن كان يريد توسيع دائرة العدوان الأميركي ليشمل الأراضي الإيرانية وهو ما كان يسعى إليه منذ أربعة أشهر، كما أن ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» التي تخشى الانسحاب الأميركي من المنطقة، تؤيد هذا العدوان لأنه قد يسهم في تأجيل الانسحاب الأميركي من المنطقة، إن وجدت الرغبة فعلاً، إضافة لتنظيم داعش الذي سارع لاستثمار واقع الفوضى الأمنية الناجمة عن هذا العدوان لإثبات وجوده مجدداً في العراق.

لذلك فإن العبث الأميركي بأمن دول المنطقة تحت أي ذريعة، سيكون له تداعيات وآثار تتراكم بشكل سريع وفق المستويات التالية:

على المستوى الداخلي الأميركي لم يستطع بايدن وإدارته وفريق حملته الانتخابية في إقناع الرأي العام الأميركي وخصومه بأنه استطاع كبح قوة قوى المقاومة، ولاسيما بعد تأخر الرد الأميركي على الفصائل العراقية بعد استهداف قاعدة برج22، وهو العامل الذي قد يؤثر بتراجع شعبية بايدن أكثر مقابل ارتفاع الأصوات المؤيدة للرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب، كما أن استمرار استخدام التعبيرات العنصرية والمتطرفة ضمن التصريحات السياسية قد ترفع من منسوب التطرف داخل الولايات المتحدة الأميركية.

أما على المستوى الإقليمي من المؤكد أن هذه الاعتداءات أولاً لن توقف الفصائل الفلسطينية عن مقاومتها ولن تجعلها تقدم تنازلات سياسية عجزت كل من واشنطن وتل أبيب من الوصول إليها عسكرياً كون هذه المعركة هي مصيرية في مسار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وثانياً الاعتداءات لن تثني قوى المقاومة من استهداف القوات الأميركية، ولن تجبر طهران على التفاوض المجاني كدرجة ثالثة، إلا أن هذا العدوان قد يهيئ لعودة داعش مرة جديدة وسط سعي أميركي لإدخال العراق في نفق الفوضى السياسية والصراعات لتبرير بقائه في المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.