انحلال واشنطن السياسي واستغلال ورقة إغلاق الحكومة

صحيفة البعث السورية-

عناية ناصر:

مع اقتراب العام المالي الجديد في الأول من تشرين الأول، لم يوافق الكونغرس الأمريكي بعد على ميزانية للحكومة الفيدرالية، حيث تواجه الحكومة الأمريكية مرة أخرى أزمة “إغلاق” بسبب نقص الأموال. كما كشف الانقسام الحزبي في الولايات المتحدة عن “الجانب القبيح” الذي يزداد استقطاباً مع اقتراب الموعد النهائي.

على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية الأمريكية شهدت عمليات إغلاق متعددة في تاريخها بسبب قضايا الديون والميزانية، إلا أن الاختلافات بين الحزبين أصبحت أكثر وضوحاً هذه المرة، فهناك فجوة بين الحزبين قد يكون من الصعب سدها، ومن المحتمل أن يؤدي هذا الوضع إلى إغلاق حكومي مدمر آخر في الولايات المتحدة . كما وجه حكيم جيفريز، زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب من نيويورك، الاتهام بأن الجمهوريين في مجلس النواب أوضحوا أنهم مصممون على إغلاق الحكومة ومحاولة حشر أيديولوجيتهم اليمينية المتطرفة في حلق الشعب الأمريكي. من جهة أخرى رفض عضو الكونغرس الجمهوري توم كول الفوضى في مجلس النواب ووصفها بأنها “فوضى الديمقراطية”.

وقال دياو دامينغ، نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية في جامعة رنمين الصينية، إنه على خلفية الاستقطاب في السياسة الأمريكية، لم يعد كلا الحزبين ينظران إلى إغلاق الحكومة باعتباره أزمة، بل كورقة مساومة يمكن من خلالها أن يهددان بعضهما من خلالها. ومن جهته قال ني فنغ، مدير معهد الدراسات الأمريكية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن الدراما السنوية لإغلاق الحكومة أصبحت إحدى الوسائل التي يستخدمها الحزبان لجذب انتباه الجمهور. وأصبح إغلاق الحكومة وسيلة للحزبين في الولايات المتحدة لمحاولة إجبار بعضهما البعض على التسوية وتحقيق أهدافهما السياسية من خلال إجراءات متطرفة وصارمة. وفي حين أن التسبب في إغلاق الحكومة سيؤدي حتماً إلى انتقادات، وبالرغم من ذلك فإن الحزبين أقل استعداداً لمواجهة فشلهما السياسي. وإذا فشل مجلسا النواب والشيوخ في التوصل إلى حل وسط قبل الأول من تشرين الأول، فقد يواجه الجمهوريون المزيد من الانتقادات. وقد ذكر المشرعون الجمهوريون أن رسالة كيفن مكارثي واضحة: “سنكون خاسرين إذا ما حصل إغلاق آخر”.

لكن هذا لا يعني أن الحزب الحاكم الحالي سوف ينجو من الصعوبات، ومن شأن إغلاق الحكومة أن يؤدي بشكل مباشر إلى إغلاق الخدمات العامة في الولايات المتحدة، كما أن إغلاق الحكومة لفترة طويلة من شأنه أن يؤثر أيضاً على الاقتصاد، وبحلول ذلك الوقت، ستتحمل إدارة بايدن اللوم أيضاً.

في النهاية، لن يؤدي إغلاق الحكومة إلا إلى خسارة الطرفين، وبذلك لن تتمكن الحكومة من القيام بمهامها والاستجابة لمطالب المجتمع والشعب. لقد أصبحت أزمة إغلاق الحكومة أداة يستخدمها الحزبان في الولايات المتحدة لتحقيق مصالحهما الخاصة . ويعتقد دياو أن هذا مظهر من مظاهر الخلل السياسي وفشل الحكم في الولايات المتحدة.

ويعتقد ني فنغ أنه بالنسبة للحكومة الأمريكية الحالية، لا يمكن حل مسألة التوازن المالي. وغالباً ما تواجه حكومة الولايات المتحدة أزمة إغلاق أو تشتري لنفسها وقتاً إضافياً بانتظام من خلال الاعتماد على الحلول المستمرة، وعادةً ما تعمل القرارات المستمرة على تمديد مستويات التمويل من السنة المالية السابقة، ولكن فقط للبرامج الحالية. فالاعتمادات المالية تشمل حتماً كل القضايا السياسية تقريباً، مما يجعل المسائل المالية نقطة محورية للخلاف بين الطرفين . وقال دياو دامينغ، إنه وفقاً لعملية التخصيص المالي الحالية المطبقة في الولايات المتحدة، لا يوجد سوى حوالي شهر تقريباً كل عام لمناقشة ما إذا كان سيتم تمرير جداول الأعمال ذات الصلة. وهذا يعني أن مهمة الاعتمادات المالية المحدودة والثقيلة بالفعل لا يمكن إنجازها كما هو مقرر بسبب الصراع متزايد الاستقطاب بين الطرفين. ورغم أن مجلسي النواب والشيوخ قد يتجنبان إغلاق الحكومة من خلال قرارات مستمرة قصيرة الأجل، فإن أزمة الإغلاق المتكررة في كل سنة مالية تثبت أن النظام الأمريكي يعالج الأعراض فقط وليس السبب الجذري، وأن الانحلال السياسي أصبح واضحاً على نحو متزايد.

وفي مواجهة أزمة إغلاق الحكومة، لم يساهم الطرفان في حل المشكلة بشكل فعال، كما أنه لا تتمثل أهدافهم في بذل الجهود لتجنب الأزمة، بل في استخدام الأزمة للانخراط في صراعات حزبية وتحقيق أجنداتهم السياسية. من التجربة التاريخية، أدت قضايا الإنفاق في إدارة دونالد ترامب وتنفيذ إدارة باراك أوباما لإصلاح الرعاية الصحية إلى إغلاق الحكومة . إن المهزلة التي تدور أحداثها في واشنطن سوف تزيد من استقطاب المؤيدين المتشددين لكلا الحزبين وتزيد من غضب الناخبين المتأرجحين. على الرغم من أن أزمة إغلاق الحكومة الحالية قد لا تؤثر بشكل مباشر على وضع الانتخابات الأمريكية عام 2024، إلا أنها لا تستطيع إخفاء اتجاه المزيد من الانقسام في المجتمع الأمريكي. وسوف يتآكل الأثر المتبقي من الحكم الذاتي والديمقراطية في الولايات المتحدة أيضاً في ظل الاستقطاب القبيح الذي يفرضه الصراع الحزبي في الولايات المتحدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.