انقلاب الغابون.. خطوة على طريق تعزيز «حزام الانقلابات»

صحيفة الوطن السورية-

عبد المنعم علي عيسى:

صباح الأربعاء 30 آب المنصرم، وبعد دقائق من الإعلان عن فوز علي بونغو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها الغابون بولاية هي الثالثة لهذا الأخير، خرج ضباط في الجيش ليعلنوا عن استيلائهم على السلطة بصفتهم «ممثلين لجميع القوات الأمنية والدفاعية» كما ذكر البيان الصادر عنهم، قبيل أن يقرروا أيضاً في بيانهم آنف الذكر «إلغاء نتائج الانتخابات» و«إغلاق الحدود».

لا تختلف «السيرة السياسية» للغابون منذ استقلالها عن نظيراتها في «أكواس»، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التي ربطتها فرنسا عبر «الفرنكوفونية» ذات الظاهر «الثقافي»، والباطن الذي يرمي إلى مد «الشرايين» و«الأوردة» ذهاباً وإياباً بين باريس وعواصم تلك الدول بما يضمن الاستئثار بـ«الزبدة» التي تشكل خلاصة «خض الحليب» الذي غالباً ما كان يسيح في أرجاء دول «أكواس»، والقارة عموماً، من دون وجود القدرة، لدى أنظمة هذه الأخيرة، على تصنيعه وإنتاج مشتقاته، لكن زاد، في حالة الغابون، على الحالات السابقة أن باريس استندت في مد جسورها إلى أسرة بونغو «المطواعة» التي ما انفكت تسيطر على السلطة في الغابون لمدة تقترب من نصف قرن.

تعاني الغابون، التي تمتد مساحتها على 268 ألف كيلومتر مربع، يعيش عليها نحو مليونين ونصف المليون من السكان، مشكلات أمنية وتعثراً في عملية النهوض شأنها في ذلك شأن باقي دول «أوكواس» الخمس عشرة، بل شأنها في ذلك شأن معظم دول الاتحاد الإفريقي البالغ عديدهم 54 دولة، لكن الفعلين، أي مشاكل الأمن وتعثر النهوض، في الحالة الأولى التي نقصد بها دول «أوكواس»، يعودان في جذورهما إلى أداء منظومات الحكم القائمة فيها التي استطاعت فرنسا من خلالها أن تكون «الخصم والحكم» في آن واحد، فمنظومات الحكم، فتحت أبواب بلدانها على مصاريعها للنفوذ الفرنسي الذي راح يتحكم بأدق تفاصيل الأمن والاقتصاد وصولاً للثقافة التي غالباً ما استطاع الفرنسيون من خلالها السيطرة على «النخب» التي تنتجها الأجيال، فتساعد من هو «جدير بالثقة» للوصول إلى سدة السلطة، أما «المشكوك» فيهم فتعمل على استيعابهم في منظومات «معارضة» تخاط أزياؤها في معامل باريس، بل إن هذه الأخيرة غالباً ما تكون مقراً لها، كما هو الحال للمعارضة الغابونية التي لم تكن في يوم من الأيام قادرة على تهديد حكم أسرة بونغو ولا هي قادرة على إدارة البلاد، الأمر الذي جعل من «الجيش» وسيلة التغيير الوحيدة الممكنة.

كان انقلاب الغابون، يوم الجمعة الماضي، هو سابع انقلاب عسكري يحصل في القارة الإفريقية خلال ثلاث سنوات، انقلابان في مالي 2020 و2021 وانقلاب في غينيا 2021 ثم انقلابان في بوركينا فاسو خلال عام 2022 والسادس كان في النيجر أواخر شهر تموز الماضي، الأمر الذي يشير إلى معطيات عدة، تتداخل فيها العوامل الداخلية مع نظيرتها الخارجية بطريقة يصبح من الصعب معها فصل إحديهما عن الأخرى، أو أن الربط بين الاثنتين يصبح لزوم ما يلزم لتسديد القراءة باتجاهاتها الصحيحة، وفي ذاك يمكن القول إن العوامل الداخلية، تشير إلى وصول الكيانات الإفريقية إلى حال من الانسداد ناجم عن وصول أنظمة برلمانية للحكم وهي في جوهرها لا تمثل القوى الاجتماعية والاقتصادية الغالبة في البلاد، حتى وصلت إلى درجات معيقة على طريق تطورها، والعوامل الخارجية ناتجة عن تبلور مزاج شعبي عام كاره لـ«الفرنسي» وخصوصاً «الأوروبي الغربي» بشكل عام، والمزاج إياه يربط بين فعل «الكره» السابق مع نظير له باتجاه كل «النخب الوطنية» الحاكمة التي يرى فيها «ظلالاً» فحسب لهؤلاء.

ربيع هذا العام قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجولة إفريقية شملت دولاً عدة كان من بينها الغابون، وفي تلك الزيارة تعهد بتعزيز قواعده المتبقية في إفريقيا في السنغال وساحل العاج والغابون «بشكل مشترك مع جيوش تلك الدول» ما يشير إلى توجس فرنسي مفاده أن هذي الأخيرة التي تمثل أداة التغيير الوحيدة خارج الأطر المصنعة فرنسياً عبر ثنائية «منظومة الحكم – المعارضة» باتت تمثل الخطر الداهم على مصالح بلاده لاعتبارات عدة، من بينها أن عناصرها، أي عناصر تلك الجيوش، باتت تعيش حالاً من التململ، سوف يدفع بها نحو انزياحات ستكون أقرب من خلالها للتراصف مع القوى المجتمعية والاقتصادية التي راحت تنظر للعلاقة مع فرنسا بشكل مغاير، لما كان حاصلاً خلال العقود الخمسة الماضية، وأقرب أيضاً لمزاج شعبي عام راح هو الآخر ينظر بعين الريبة لكل المشاريع والأفكار التي «تشع» من باريس مستهدفة «ظلام» القارة الإفريقية، والمؤكد هو أن هذه التحولات، تحولات القوى المجتمعية والمزاج الشعبي، ساعد، أو سارع فيها فعلياً التمدد الصيني والروسي اللذان راحا يبنيان مع القارة نمطاً جديداً من العلاقات لا تشبه كثيراً تلك القائمة مع فرنسا خصوصاً والأوروبيين بشكل عام.

لا يبدو أن تعهدات ماكرون قد آتت أكلها، إذ لم يمض على جولته التي أطلق من خلالها تلك التعهدات أكثر من ستة أشهر حتى شهد «الحزام» الفرنسي انقطاعاً في حلقتين مهمتين، الأولى في النيجر والثانية في الغابون، ولربما كان الأهم من ذلك هو أن احتمالات أن يشهد ذلك «الحزام» عينه انقطاعات أخرى تبقى قائمة، هذا إن لم تكن مرجحة، ولربما العين الآن هي على الكاميرون التي تتشارك مع «الحلقات» السابقة أوضاعها كلها، لكن تزيد عليها أن الرئيس بول بيا قد دخل مرحلة عمرية حرجة بعد أن بلغ عامه الرابع والتسعين، قضى منها في السلطة نحو 41 عاماً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.