” اٌوكوس” ماذا تريد باريس بديلاً عنها ؟

قناة العهد العراقية-

محمد صالح صدقيان*:

أتابع بأهتمام ما ستؤول إليه الأزمة الحاصلة بين باريس وواشنطن علی خلفية معاهدة ” اٌوكوس ” الأمنية بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا .

مرّد هذا الاهتمام هو يقيني أن هذه الازمة ليست طبيعية وانها من العيار الثقيل . ويقيني ايضا أن معركة الكبار تنعكس في اكثر الاحيان علی ” عيال الله ” المسترخين في منطقة الشرق الاوسط ؛ و أن شرر هذه المعارك حتی وان كانت دبلوماسية يصيبنا شئنا أم ابينا .

كان من الطبيعي ان اتصل مع صديقي الدبلوماسي لاعرف منه خفايا هذه الازمة ؛ وهل انها مرشحة للتصعيد ؛ ام انها ستقف عند حد معين ؟ . لم اجده مهتما كثيرا عندما قال لي ان التطورات التي تحدث حاليا طبيعية ومتوقعة والاوروبيون يعرفون ذلك جيدا . هم يعرفون ان مركبهم لا يسير في مياه هادئة . ويعرفون ايضا ان حلف شمال الاطلسي لم يعد الاطار الذي يَقيهم من التهديدات المحتملة ؛ كما انهم يعرفون ضرورة تشكيل الجيش الاوروبي الذي يستطيع الدفاع عن مصالحهم . لكنهم – يضيف – صديقي انهم لا يستطيعون الاعلان عن ذلك لان المطرقة الامريكية لازالت اقوی من سندانهم ! .

قلت له ان الفرنسيين منزعجون جدا من معاهدة ” اٌوكوس ” . وصفوها بوصفات غير دبلوماسية . فمرة ” خيانة ” وأخری ” طعنة في الظهر ” وثالثة ” قرار وحشي ” . قال لي : ما لكَ وهذه التصريحات ؟ انهم يبحثون عن البديل . عن صفقة اخری تعوضهم عن صفقة الغواصات التي عقدوها مع استراليا في العام 2016 ما داموا غير راغبين بالتعاون مع الولايات المتحدة في بحر الصين ؛ وغير مستعدين الوقوف في معسكر لمواجهة الصين .

عندما كان صديقي يتحدث طافت بي ذاكرتي للمفاوضات النووية التي جرت بين ايران والولايات المتحدة قبل التوصل للاتفاق النووي في يوليو تموز 2015 . الجانب الامريكي اقترح علی طهران إشراك الفرنسيين في المباحثات وقالوا ان اي اتفاق ربما يفشل دون اشراك باريس . الافضل ان يساهموا في الاتفاق ويأكلوا من خيراته حتی يٌكتب له النجاح . تذكرت ايضا اجتماعا اقيم في باريس للفعاليات التجارية والاقتصادية الفرنسية مع محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني آنذاك . انتقدوه لان ايران ابرمت عقدا مع شركة بوينغ الامريكية لشراء 100 طائرة مدنية بعد عقد مماثل ابرمته مع شركة ايرباص الاوروبية . ظريف قال لهم بوضوح ان عقد البوينغ كان عربونا حتی تنجح صفقة الايرباص !.

عرضت ما كنت افكر به علی صديقي . قال هنا مربض الفرس . فرنسا تريد ان تحصل علی منافع ولا تريد ان تخرج مثل الشعرة من العجين من معاهدة ” اٌوكوس ” . تريد حصة من الكعكة . والشرق الاوسط حصة مريحة لباريس . علاقاتها جيدة مع حليفتها الفرانكفونية لبنان . غير متحسسة من سوريا بشار الاسد ؛ يسيل لعابها علی المساهمة في اعمار العراق ؛ لم تساهم في الجيوش التي احتلت العراق عام 2003 .

لم تنسحب من الاتفاق النووي مع ايران وان كانت لم تنفذ الاتفاق النووي لكنها لم تقطع ” شعرة معاوية ” مع طهران . لازال شارع ” نوفل لوشاتو ” الذي استقبل الامام الخميني عام 1979 يتوسط العاصمة طهران . ولازالت شركة توتال الفرنسية تنظر بعين مفتوحة علی مشاريع الغاز والنفط الايرانية بعد سنوات المقاطعة ، الرئيس الفرنسي ماكرون نقل لنظيره الايراني ابراهيم رئيسي رغبته في اعادة صياغة العلاقات الثنائية . الاخير قبلها ؛ فكانت اولی بوادرها تشكيل الحكومة اللبنانية . الدول الخليجية الحليفة للولايات المتحدة لا يغامرها الشك من الدور الاوروبي ولا تری ممانعة في التعامل معه.

هل هذا كل ما في الامر ؟ صديقي قال ان هذا جزء من لعبة الكبار وهناك اجزاء اخری لا يمكن رؤيتها لانها تتداخل بتعقيد في المصالح . وهنا يجب ان نتفهم لماذا قبلت باريس اعادة سفيرها لواشنطن بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين ماكرون وبايدن .

كتبت الاسبوع الماضي عن ” اٌوكوس ” وقلت يجب ان تستعد دول الشرق الاوسط لاستحققات سياسية مهمة . واقول الان ان الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالشرق الاوسط اللهم الا اذا كان ذلك يهدد المصالح الحيوية الامريكية .

نحن مستعدون ، يقول الفرنسيون ، ماذا يمكن ان نقول لهم ؟

*مدير المركز العربي للدراسات الايرانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.