بين لبنان والكيان الإسرائيلي ميدان مملوء بالاحتمالات

صحيفة الوطن السورية-

محمد نادر العمري:

في الوقت الذي تفشل به حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة ومجلس الحرب الذي تم تشكيله بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول 2023 من تحقيق أي من أهدافها التي تم تبنيها في عدوانها المستمر على قطاع غزة منذ ما يزيد على 110 أيام، تتعالى الأصوات الإسرائيلية ضمن المستويات السياسية والعسكرية بالتلويح بعمل عسكري واسع ضد حزب اللـه في لبنان.

التلويح الإسرائيلي باستخدام القوة العسكرية ضد لبنان من شأنه أن يضع المنطقة على صفيح ساخن ويدخلها ضمن نفق مظلم من التداعيات التي يمكن أن تنجم عن أي حرب إقليمية سعت الولايات المتحدة الأميركية لعدم حصولها.

من الناحية النظرية والعقلية، فإن مؤشرات احتمال شن الكيان الإسرائيلي لعدوان جديد واسع ضد لبنان وفتح جبهة جديدة من شأنها أن تزيد من فعالية الجبهات المتعددة في المنطقة ضدها، هي ضعيفة، وذلك استناداً لمجموعة من العوامل التي نؤكد هنا أننا نستند إليها بمنطق العقل، حيث تتمثل أبرزها:

أولاً- ليس من مصلحة الكيان وحكومته ومجلس حربه ومؤسسته العسكرية أن يقوم وبشكل منفرد من دون دعم أميركي بفتح جبهة جديدة أو توسيع دائرة الاشتباك والقتال مع حزب اللـه في ظل عدم قدرة هذا الكيان على حسم عدوانه في قطاع غزة.

ثانياً- ضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية وزيادة نسبة فقدان ثقة المستوطنين بقدرات جيش كيانهم في مواجهة حزب اللـه، دفع أكثر من 80 ألف مستوطن يعيشون بالقرب من الحدود اللبنانية لإخلاء بعض المستوطنات في شمال الأراضي المحتلة، وفق صحيفة «هآرتس».

ثالثاً- تردي الأوضاع الاقتصادية الإسرائيلية والانعكاس السلبي الناجم عن العمل العدواني العسكري على قطاع غزة ولاسيما على المستوى المعيشي للمستوطنين، إذ تقدر الخسائر الإجمالية الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للاحتلال منذ بدء العدوان إلى ما يزيد على 165 مليار دولار، وارتفاع حجم البطالة إلى أكثر من 14 بالمئة، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية ما تسبب بخسائر كبيرة وصلت إلى 15 مليار دولار، إلى جانب توقف عجلة القطاع السياحي الذي تضرر، بحسب المعطيات، بنسبة 75 بالمئة أي خسارة 20 مليار دولار كانت تدر من السياحة على الخزينة الإسرائيلية سنوياً، وفقدان 75 بالمئة من السلة الغذائية التي كانت تنتجها أراضي ما يعرف بـ«كيبوتسات» غلاف غزة، فضلاً عن الشلل الذي أصاب قطاع الصناعة بعد استدعاء 300 ألف إسرائيلي للاحتياط وفرار أكثر من 400 ألف مستوطن.

رابعاً- في الوقت الذي يوجد به إجماع سياسي داخلي إسرائيلي على ضرورة ما يسمونه «إيقاف خطورة حزب الله»، إلا أن هناك انقساماً واضحاً داخل إسرائيل بين السياسيين ذاتهم من جانب وبين السياسيين والعسكريين من جانب آخر، حول آلية احتواء هذا الخطر «وفق وصفهم»، فالبعض يعتقد وجوب استخدام القوة العسكرية ضد الحزب لوقف عملياته في الشمال ولإجباره نحو التراجع لما بعد نهر الليطاني، ويستند دعاة هذا الاتجاه إلى أن حزب اللـه وبدعم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن يتوقف عن تنفيذ عملياته إلا من خلال عمل عسكري يتم استهداف قدراته الصاروخية والبنى التحتية اللبنانية ما يؤدي إلى شلل قدرات الحزب، مستغلين الاعتبارات الضاغطة اللبنانية من انقسام لبناني وتردٍ للظروف الاقتصادية وفق اعتقادهم، أما البعض الآخر أو التيار المعارض لفتح جبهة واسعة مع لبنان في هذا التوقيت يعتقدون أن حلفاء إسرائيل ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا يمكن أن يمارسوا ضغوطاً لفرض صيغة سياسية على لبنان عموماً وحزب اللـه بشكل خاص تجبره بالانصياع للمطالب الإسرائيلية، ويستند دعاة هذا التوجه إلى معطين: الأول أن إسرائيل وحدها غير قادرة على خوض معركة مع حزب اللـه بما يمتلكه من قوة متراكمة، أما المعطى الثاني فإن حلفاء تل أبيب وخاصة واشنطن وبعض العواصم الأوروبية ليس لديها قدرة على خوض معركة جديدة في ظل اعتبارات داخلية سياسية واقتصادية متعددة تعانيها هذه العواصم أو في ظل تبدلات موازين القوى على المستوى الدولي، ولكنهم يمتلكون أدوات تأثير اقتصادية وسياسية ودبلوماسية تساعدهم على ممارسة الضغوط لتحقيق المآرب الإسرائيلية.

خامساً- الرفض الأميركي المستمر من تفاقم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتحوله لحرب إقليمية، هو ما دفع واشنطن في أكثر من مناسبة للتعبير عن رفضها لتطور هذا العدوان وتحوله لحرب إقليمية، إلا في حال شن أحد أطراف قوى محور المقاومة حرباً ضد الكيان، إذ تعتبر واشنطن أن أي اشتباكات إقليمية سيضعها في مواجهة مباشرة مع إيران ومحور المقاومة من ناحية، ومع الصين وروسيا بشكل غير مباشر من ناحية أخرى، والرفض الأميركي على حصول ذلك ناجم من اعتبارات داخلية تتمثل في تراجع شعبية الرئيس الأميركي ومرشح الديمقراطيين جو بايدن لما يقرب من 39 بالمئة، وتحميله مسؤولية الجرائم التي ترتكبها تل أبيب في غزة نتيجة الدعم العسكري والسياسي المقدم من دون حدود، وانشغال حلفاء واشنطن في صراعهم مع روسيا في أوكرانيا، وعدم وجود قدرة على تحمل تبعات اشتعال جبهات جديدة في ظل استنزاف قدراتهم العسكرية والاقتصادية هناك، وهو ما برز في عدم نجاح واشنطن بتشكيل تحالف دولي كبير تحت مسمى «حارس الازدهار» لتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر وفق ادعائها.

هذه المقاربة النظرية والعقلية والواقعية لا تصح بشكل مطلق من حيث توقع توجهات وسلوك حكومة إسرائيل اليوم، وهو ما يعيدنا للجزم بأن مؤشرات احتمالات شن عدوان إسرائيلي على لبنان هي موجود وبقوة، وخاصة في ظل مظلة من المعطيات الآتية:

1- نتنياهو يعلي مصالحه الشخصية على مصالح كل المستوطنين ومصالح كيانه، وقد يذهب نحو افتعال حرب إقليمية للبقاء في السلطة عبر تصدير تصاعد أزمته الداخلية للإقليم، ولاسيما إن شعر بتحركات مريبة داخل الكيان ترتب لإزاحته من المشهد السياسي مثل احتمال حصول انقلاب سياسي حزبي أو عسكري، ولكي يجبر واشنطن للدخول في هذه المعركة.

2- تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية وما تتضمنه من شخصيات متطرفة تمارس ضغوطها لتصعيد العمل العسكري ضد قطاع غزة وجنوب لبنان وحتى ضد إيران، إذ إن أبرز الداعمين لغزو لبنان وتدمير غزة وتهجير أهالي القطاع هم من اليمين المتطرف، ويحرص نتنياهو على عدم استعدائهم بهدف البقاء في الحكومة ولاستخدامهم كفزاعة داخلية وخارجية في مواجهة منتقديه.

3- استمرار أميركا بتقديم دعمها السياسي والعسكري للكيان بهدف استكمال عدوانه على قطاع غزة.

إن تأكيد وزير دفاع الكيان يوآف غالانت في اتصاله مع نظيره الأميركي لويد أوستن، أن «إسرائيل تقترب من نقطة اتخاذ القرار في لبنان ما دام حزب اللـه يواصل هجماته في منطقة الحدود الشمالية» وفق ما سربته صحيفة «واشنطن بوست» منذ أيام، تزامناً مع قيام ما يسمى «الجيش الإسرائيلي» بمناورة تحاكي شن هجوم واسع على لبنان، إضافة إلى ما سربته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن ضباط كبار في قيادة المنطقة الشمالية، أن إسرائيل تتجه «لإنشاء معادلة جديدة مقابل حزب اللـه بالقوة العسكرية في حال إخفاق الخيارات الدبلوماسية»، فضلاً عن استمرار العبث الإسرائيلي بأمن المنطقة من خلال تجاوزه للخطوط الحمر بعد استهدافه لعدد من الضباط رفيعي المستوى والتابعين لاستخبارات الحرس الثوري في سورية، وغيرها من المواقف والتطورات، قد يقرؤها البعض بأنها مجرد مزاودات إعلامية إسرائيلية لرفع معنويات الجبهة الداخلية أو ضمن البدء بالحملات الانتخابية المبكرة أو لتحسين التموضع التفاوضي، إلا أنها في المقلب الآخر قد تقرأ لكونها انعكاساً لمدى الحقد والتطرف الذي قد يمارسه هذا الكيان وحكومته الفاشية ضد لبنان، وهو ربما السبب الذي دفع الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه لعدم الجزم بعدم تطور الاشتباك والحرب مع الكيان تاركاً الجواب للساعات والأيام والليالي التي تشهدها ساحات الميدان المملوءة بالألغام المتفجرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.