«تقرير» غسان سلامة ـــ شمعون بيريز: حزب الله غيّر وجهته!

huzbullsh 46

صدر «التقرير» الأخير لـ«مجموعة الأزمات الدولية» ICG بعنوان جاذب حول تحوّل نشاط حزب الله الى الجبهة السورية، تاركاً الجبهة الإسرائيلية. «تقرير» هو أشبه بتعليق سياسي خال من أي عناصر مهنية للعمل الميداني، مع دسّ طائفي ـــ مذهبي فاضح. هل هذا ما أراده غسان سلامة وشمعون بيريز وشلومو بن عامي؟

وسط «زحمة» التقارير الغربية التي تتناول الأزمة السورية وحزب الله والدراسات الميدانية التي تمسح تحرّكات المجموعات السلفية المقاتلة هناك بعتادها وعديدها، أطلّت «مجموعة الأزمات الدولية» بـ«تقرير »من نوع آخر. ما صدر أخيراً عن المؤسسة ذات التمويل الحكومي ـــ النفطي الدولي، بعنوان «حزب الله يغيّر وجهته شرقاً الى سوريا»، هو مقال رأي أو تحليل أكثر منه تقريراً. لكن المؤسسة «غير الحكومية» (٤٩٪ من تمويلها من حكومات غربية كما هو معلن على موقعها) أصرّت على أن تعدّه «تقريراً» يصبّ في خانة هدفها الأكبر، أي «حلّ النزاعات وتسويتها».

«تقرير الشرق الأوسط رقم ١٥٣» الصادر في ٢٧ أيار ٢٠١٤ والمؤلف من ٢٨ صفحة اتخذ نظرياً شكل التقرير الميداني الجدّي، ووُقّع «بيروت ـــ بروكسل» كما توقّع معظم تقارير «مجموعة الأزمات» المعدّة من الخارج بذكر عاصمة بلد المنشأ ومقرّ المجموعة في العاصمة البلجيكية.

لكن مع الانتقال الى مضمونه، يتبيّن أنه مكتوب على طريقة أعمدة الرأي في صحف البروباغندا السياسية، مع خلوّه من كافّة العناصر التقنية التي تعتمدها عادة المؤسسات الدولية في إعداد تقاريرها. وحول الشكل والمضمون يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

ـــ أولاً، لا يتضمن تقرير «مجموعة الأزمات الدولية» أي معلومة جديدة يمكن الإعلام استخدامها أو أي قارئ الاستفادة منها. بل يكتفي بسرد (غير محدد التواريخ) لانتقال حزب الله الى القتال على الأراضي السورية. ورغم أنه يهدف إلى القول إن حزب الله نقل قواته إلى سوريا، لا يأتي التقرير على ذكر أبرز عملين عسكريين تصادم فيهما حزب الله والجيش الإسرائيلي، عقب مشاركة الحزب في سوريا، وهما عبوة اللبونة (آب 2013) والغارة الإسرائيلية على موقع للحزب في جنتا البقاعية (شباط 2014) ورد الحزب بتفجير عبوة ناسفة بدورية إسرائيلية في مزارع شبعا، إضافة إلى وقوع عمليات في الجولان نسبها مسؤولون إسرائيليون ووسائل إعلام إلى حزب الله.

اعتمد التقرير على مصادر مجهولة: مناصر للحزب وناشط سوري وسائق تاكسي

ـــ ثانياً، غياب أي رقم أو تقدير نسبي أو إحصاء موثوق لتفسير فكرة التقرير الأساسية، وهي أن «حزب الله استثمر كل طاقاته في الدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد» و«انشغل عن محور تركيزه الأصلي المتمثل في محاربة إسرائيل». هل يعني ذلك أن الجبهة اللبنانية الجنوبية خالية من مقاتلي حزب الله؟ ما هو العدد التقريبي لمقاتلي الحزب الذين يشاركون في الحرب على سوريا؟ كم استشهد منهم؟ ماذا عن الباقين؟ ما درجة استعداد الحزب لردّ هجوم إسرائيلي الآن وهو «منشغل» في حربه في سوريا؟ لا أجوبة في التقرير ولا تقديرات حتى.

ـــ ثالثاً، غياب أي معلومة ميدانية من سوريا عن قوات حزب الله هناك (أين يتمركزون؟ كيف ينتشرون؟ من أين انسحبوا؟).

ـــ رابعاً، اعتمد التقرير بكامله على كلام مصادر مجهولة مثل: «يقول صحافي مقرّب من حزب الله»، «يقول مناصر لحزب الله»، «يشرح شيخ من طرابلس»، «ساكن في ضاحية بيروت»، «ناشط سوري»، «سائق تاكسي»، «امرأة من سكّان الضواحي السنيّة والمسيحية»، «مسؤول أمني رفيع»… والأسوأ من التكتّم على هوية هؤلاء (بلا سبب وجيه في معظم الأحيان) هو أن التقرير اتّخذ منهم عيّنة كافية لبناء خلاصته السياسية عليها. ومعدّو التقرير يذكرون في الهوامش أن كلام المذكورين في التقرير ورد ضمن مقابلات أجرتها معهم المؤسسة. ومن بين المصادر المجهولة تلك، يذكر التقرير «مصدراً رفيعاً في حزب الله»على طريقة معظم الصحافيين الغربيين أو الخليجيين الذين يستخدمون ذاك «المصدر الرفيع» في كل مرة يريدون أن يمرروا فيها فكرة عن الحزب في سياق معاد له. وتقرير «مجموعة الأزمات» نقل أحياناً كلام «مسؤول حزب الله» المجهول ذاك عن موقع إخباري لبناني أو عربي نشره تحت خانة المجهول أيضاً!

ـــ خامساً، استخدام عبارات عمومية وملتبسة يتفاداها معدّو التقارير الفعلية ويكثر منها كتّاب الرأي والكلام الفضفاض، مثل «كثير من اللبنانيين» أو «عدد كبير من السوريين»… ما هو العدد الفعلي؟ النسبة؟ التقدير القائم على أرقام وإحصاءات؟ لا يوجد.

بعد الأخطاء المهنية في الشكل تأتي خطايا المضمون. في فقرة بعنوان «غطرسة؟» يعدّد التقرير ما يرتكبه حزب الله في حق المجتمع اللبناني من أخطاء تؤكد المعتقد السائد بأن «الشيعة هم محميّون أكثر من باقي الفئات، إذ إن الحزب لا يسمح للقوى الامنية التابعة للدولة بالدخول الى بعض المناطق التي يسيطر عليها، ويمنع السلطات القضائية من ملاحقة الشيعة وتوقيفهم». الشيعة؟ أي إن السجون اللبنانية خالية من أي موقوف شيعي؟ ما هي المناطق التي لا يسمح حزب الله للقوى الأمنية بالدخول إليها كما ذكر؟ وما أسبابه؟ لا جواب.

ركّز التقرير على الوجه الميليشيوي لحزب الله وعلى كونه فزّاعة تبثّ الهلع في نفوس المواطنين. وعلى هذا قدّم التقرير «دلائله» و«شهوده»، فنقل عن «سائق أجرة» قوله إنه «لا يذهب الى الضاحية أبداً» لأنه في يوم تعرّض لحادث سير هناك و«الشخص المسؤول عن الحادث أهانني وهددني وانصرف. ولم أستطع فعل أي شيء حيال ذلك».

شهادة «دقيقة ومعبّرة» تلتها أخرى مؤثرة على لسان «سيدة» A women (كذا وردت، مع خطئها) تروي أن سيارة صدمت ابنها في «حيّ شيعي» ولم ترفع شكوى ضده وتخلّت عن حقها، إذ تقول إنها «لا تستطيع أن تتقاتل مع شيعي». وللأمانة ذكر التقرير أن ذلك الكلام جاء في «مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع سكّان أحياء سنيّة ومسيحية في تشرين الثاني عام ٢٠١٣».

إذاً، هو حزب الله ذو التصرفات البلطجية إضافة الى قتاله المذهبي في سوريا وتحوّله عن صراعه الأساسي مع إسرائيل وغطرسة الشيعة في لبنان، «ما سيُحدث فيه تحوّلاً لا يقلّ عن التحوّل الذي سيحدثه انخراطه في الصراع برمّته». تأتي خلاصة «التقرير»، التي بدورها لا تسمّي الأشياء بأسمائها، «ما هو هذا التحوّل الذي سيصيب حزب الله وعلى أي صعيد؟»، لا جواب.

بغض النظر عن الموقف السياسي الذي يحمله التقرير في طيّاته، خلا عمل المؤسسة الدولية من كلّ العناصر المهنية للعمل الميداني، واكتفى بنقل بعض ما يدور على ألسنة سياسيين ومعلّقين صحافيين، ثم طعّمه بكلام طائفي ـــ مذهبي مبتذل لا يفهم ما سبب دسّه في السياق. لكن، التدقيق في أسماء بعض أعضاء المؤسسة وكبار مستشاريها قد يزيل الشكوك حول هدف «التقرير» ومضمونه.

تركي الفيصل وافرام وشلومو بن عامي

تقول «مجموعة الأزمات الدولية» عن نفسها، بثقة، على موقعها الإلكتروني إن «ما يميّزها عن غيرها من المنظمات العاملة في تحليل ومنع وتسوية النزاعات هو الجمع بين التحليل المستند إلى العمل الميداني، والتوصيات الحصيفة بشأن السياسات». التقرير الأخير هو دليل واضح على هذا التميّز!

وفي تعريفها عن نفسها، تعتدّ «مجموعة الأزمات» بكونها «المصدر العالمي الأول، المستقل والحيادي، للتحليلات والمشورة التي تقدمها للحكومات والمنظمات الدولية». هاتان «الاستقلالية والحيادية» اللتان تترافقان مع تمويل من ١٩ حكومة، من بينها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وتركيا وبريطانيا… ومن شركات نفط مثل «بريتيش بيتروليوم» و«ستات أويل» و«إيكسون موبيل»… وعدد كبير من الشركات والمتموّلين المعلنين والسريين.

يذكر أن الوزير اللبناني السابق غسان سلامة يشغل حالياً منصب نائب رئيس «مجموعة الأزمات الدولية»، ويظهر اسم نعمت افرام (رجل الأعمال الكسرواني والرئيس السابق لجمعية الصناعيين اللبنانيين؟) على لائحة الداعمين للمؤسسة والى جانبهما: شمعون بيريز (الرئيس الإسرائيلي)، وهو أحد كبار مستشاري المؤسسة، كما رئيس الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل وشلومو بن عامي (وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي ١٩٩٩ــ ٢٠٠١ ووزير الخارجية الإسرائيلي السابق ٢٠٠٠ ــ ٢٠٠١) وستانلي فيشر (حاكم مصرف إسرائيل ٢٠٠٥ ــ ٢٠١٣).

أما من الأعضاء الحاليين في المؤسسة فيبرز ناحوم بارنيا، أحد أشرس الصحافيين الإسرائيليين في العداء للفلسطينيين والعرب، إضافة الى مسؤولين سابقين في وزارة الخارجية الأميركية وقادة سابقين في «حلف شمالي الأطلسي».

 

صحيفة الأخبار اللبنانية – صباح أيوب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.