حرب 2023 لا تشبه حرب 2006 ونظيراتها… تقدير موقف

موقع قناة الميادين-

عمرو علان:

خلقت كتائب القسام في المنطقة، بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واقعاً إستراتيجياً مختلفاً كلياً يفرض على كل الأطراف الخروج بتقدير موقف جديد يأخذ بالحسبان الحقائق المستجدة.

مع انكشاف حجم الإنجاز العسكري الكبير الذي حققته كتائب الشهيد عز الدين القسام صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ظهر جلياً أن العدو الإسرائيلي وداعميه الغربيين، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، سيتعاطون مع معركة طوفان الأقصى بطريقة مختلفة نوعياً عن باقي المعارك والجولات القتالية التي وقعت بعد حرب 1973، بما في ذلك حرب تموز 2006 ضد لبنان.

طوفان الأقصى هدمت إلى غير رجعة نظرية التساكن التي كان العدو قد أسَّس عليها إستراتيجية “جز العشب” لمواجهة جبهتي قطاع غزة وجنوبي لبنان، والتي امتدَّت لنحو 17 عاماً متواصلة. هذا الأمر له انعكاسات مباشرة، ليس على جبهة قطاع غزة وكتائب القسام فحسب، بل على جبهة جنوب لبنان وحزب الله أيضاً، بحسب هذا المقال، كما سيأتي.

لقد أثبتت طوفان الأقصى فشل نظرية التساكن، إذ تمكنت كتائب القسام من التحول إلى تهديد عسكري جدي قادر على المبادرة وغير مسيطر عليه، ذلك برغم كل الإجراءات الأمنية والعسكرية التي اتبعها العدو طيلة السنوات الماضية، ما حدى بالعدو إلى التخلي عن نظرية التساكن والتفكير بطريقة مختلفة.

ويظهر بوضوح أسلوب تعاطي العدو المغاير مع هذه الحرب في عدة أوجه، منها على سبيل المثال لا الحصر:

– استعداده لتحمل خسائر في الأرواح والعتاد تفوق بأضعاف ما كان يمكن أن يطيقه في جولات سابقة، فقد دُمِّر له حتى اللحظة مئات الآليات كلياً أو جزئياً بين دبَّابات وناقلات جند وعربات عسكرية أخرى، ووصل عدد قتلى جنوده إلى قرابة 500 قتيل بحسب اعترافاته، علماً أن تقديرات المقاومة تتخطى هذا العدد بكثير بين جبهتي جنوب وشمال فلسطين المحتلة، وهي خسائر تحاكي حرب 1967، التي يقدَّر بأن عدد قتلى جنوده فيها كان بين 776 و983 جندياً.

– حجم القصف الجنوني الذي يقوم به، ومستوى التدمير الممنهج الذي طال أغلب البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، إضافة إلى حجم المجازر غير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني التي ترقى إلى مستوى جريمة إبادة جماعية موصوفة. ولا تأتي هذه المجازر الفظيعة والتدمير الهائل في إطار الحقد والانتقام فحسب، بل إنها تكتيكات إجرامية مقصودة تعكس نظرة العدو المختلفة إلى الحرب الراهنة وأهدافها.

– شبه إجماع قياداته السياسية والعسكرية على أن هذه الحرب هي حرب وجود، ووصفها بحرب الاستقلال الثانية، وتأييد جبهة العدو الداخلية الواسع للحرب ودعم استمرارها، بحسب استطلاعات الرأي، برغم مرور أكثر من 60 يوماً على بدء القتال، وحجم الخسائر الكبيرة للعدو، وتعريض حياة أسراه لدى المقاومة للخطر من جراء استمرار المعارك.

تفيد هذه المعطيات بأنَّ العدو ماضٍ إلى النهاية في سبيل تحقيق أهدافه بالقضاء كلياً على المقاومة في غزة، وصولاً إلى تهجير سكان القطاع أو تحويله إلى منطقة غير قابلة للحياة على أقل تقدير، في إشارة جلية إلى أنه تخلَّى عن نظرية التساكن التي ثبت عقمها لمصلحة حروب كسر العظم والحروب المفتوحة.

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فقد بات واضحاً أنها منسجمة تماماً مع أهداف العدو، بل إنها من يقود المعارك الراهنة عملياً، ومَن بيدها وقف الحرب أو استمرارها. ظهر ذلك من خلال الحضور المتكرر لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي، ولا سيما اجتماع مجلس الحرب الأخير الذي حضره، والذي استأنف في إثره العدو عدوانه بطريقة أكثر عنفاً ووحشيةً بعد دقائق فقط من مغادرة بلينكن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ناهيك بالجسر الجوي الأميركي لإمداد العدوّ بالذخيرة والعتاد العسكري الذي لم تشهد له المنطقة مثيلاً منذ حرب 1973، وحشده أساطيله البحرية في المتوسط بوضعية قتالية هجومية.

وما تصريحاته عن القلق من ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين الفلسطينيين أو تحديده سقفاً زمنياً للعدو من أجل إنهاء عمليته العسكرية سوى ذرٍّ للرماد في العيون وعملية مراوغة لامتصاص قدر من النقمة العالمية على هول المجازر في قطاع غزة.

وبناءً عليه، يصير التعامل مع الحرب الراهنة بالضوابط والأدوات نفسها التي كانت صالحة للتعامل مع الحروب السابقة خطأً من الناحية العملية وتقدير موقف غير دقيق، فالعدو بعد تخليه عن نظرية التساكن لمصلحة إستراتيجية حروب كسر العظم لا يسعى لاجتثاث المقاومة من قطاع غزة فحسب، بل إن تصريحاته الأخيرة عن تغيير الوضع الأمني على حدود فلسطين المحتلة الشمالية مع لبنان تؤخذ على محمل الجد، وليس من باب التهويل الإعلامي، كما كانت سابقاً.

وباقي فصائل المقاومة في الإقليم، لا سيما حزب الله في الجبهة اللبنانية، معنيّة بعدم فقدان زمام المبادرة الذي امتلكته كتائب القسام صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر، إذ بات من المرجَّح أن جبهة جنوبي لبنان على جدول أعمال العدو بعد الانتهاء من جبهة قطاع غزة، وهذا ما يفسّر عودة الدوائر الدولية إلى الحديث عن القرار 1701، وعن انسحاب قوات حزب الله إلى ما بعد الليطاني.

لقد خلقت كتائب القسام في المنطقة، بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واقعاً إستراتيجياً مختلفاً كلياً يفرض على كل الأطراف الخروج بتقدير موقف جديد يأخذ بالحسبان الحقائق المستجدة، وإلا كيف يصح القول إن “ما قبل 7 تشرين الأول ليس كما بعده”؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.