روسيا وإيران والبحر الأحمر

صحيفة البعث السورية-

هيفاء علي:

أشار الخبير الاقتصادي الأمريكي مايكل هدسون إلى العلاقة القوية بين الجغرافيا السياسية والاقتصاد وتطرّق إلى القضايا السياسية والاقتصادية الساخنة التي تشهدها الساحة العالمية في الوقت الراهن.

في البداية تحدّث عن الهزيمة في أوكرانيا، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة هي التي تقول: إن الوضع في أوكرانيا وصل إلى طريق مسدود، ما يعني أنها خسرت الحرب في أوكرانيا، وأنه يمكن لروسيا أن تستمر في الاستيلاء على أكبر قدر تريده من الأراضي. ومن الواضح أن روسيا قد قالت بالفعل: لقد قمنا بالفعل بتهيئة الظروف من أجل سلام أمتنا، وبطبيعة الحال، يمكننا التفاوض في أي وقت، وشروطنا بسيطة، القضاء على النازية، وسوف نضمن عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي أبداً، وسنجعل المناطق الناطقة بالروسية وشبه جزيرة القرم جزءاً من روسيا.

لذلك، عندما ترغب أوكرانيا في التفاوض، أي أن تقول نعم لشروطنا، سنكون سعداء للقيام بذلك، وفي الوقت نفسه، تخسر الولايات المتحدة المعركة في جميع أنحاء العالم، وهي تخسر المعركة الاقتصادية ضد روسيا والصين، حيث تعمل روسيا على زيادة إنتاجها الصناعي، وليس فقط العسكري، بل أيضاً في إنتاج الطائرات والسيارات. والصين تنمو، لكن الولايات المتحدة لا تنمو، والأهم من ذلك تغرق أوروبا في الكساد الناجم عن انهيار، أو بالأحرى، تدمير الصناعة الألمانية في أعقاب العقوبات المفروضة على روسيا، وكذلك العقوبات التي تصرّ الولايات المتحدة على أن تفرضها أوروبا على الصين، حيث أبلغت الولايات المتحدة أوروبا أنه لا يمكنها التجارة إلا معها ومع حلفائها في الناتو.

لذا فإن الجمود الذي تتحدّث عنه أميركا يعني في الواقع أنها تعمل على خفض عدد حلفائها في أوروبا، وهي تخسر العالم الثالث، وما يحدث في أوكرانيا، حيث يقاتلون حتى آخر أوكراني، يشبه الآن معركة مماثلة تجري في الشرق الأوسط، حيث يبدو أن هناك جموداً مماثلاً، الأمر الذي دفع الأغلبية العالمية والجنوب العالمي إلى التفكير في السعي نحو عالم متعدّد الأقطاب.

وأضاف هدسون: أعتقد أن الأميركيين قد أدركوا بالفعل أنهم سيخسرون الحرب في أوكرانيا، والمشكلة، عندما تساءلت صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست، أنه إذا خسرت الحرب في أوكرانيا، فكيف سيفوز بايدن بالانتخابات في تشرين الثاني؟ لافتاً إلى أنه اجتمع موظفو العلاقات العامة من الحزب الديمقراطي وقرّروا أن ما سيقولونه للأمريكيين هو أن الأمر لا يهم حقاً في أوكرانيا. لا يهم لأننا لسنا في حاجة إلى الفوز في أوكرانيا لأن أمريكا تستطيع القتال باستخدام نوع ما من القوة الناعمة، ولدينا طرق أخرى للسيطرة على العالم وإبقاء أمريكا أولاً، حتى في الوقت الذي نعمل فيه على تقليص التصنيع في اقتصادنا، وحتى لو كنا أكبر مدينين في العالم، فسوف نكون قادرين على الهيمنة، وحملة العلاقات العامة الجديدة للحزب الديمقراطي تسمّى “القوة الناعمة”.

ومن ثم تحدّث هدسون عن الوضع في اليمن، وأزمة البحر الأحمر المستمرة، والعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، والهجوم الوحشي على الشعب الفلسطيني الذي وصف بحق بأنه إبادة جماعية، إذ تبدو “الولايات المتحدة، عاجزة تماماً عن إقناع حليفتها “بضبط النفس” في غزة، مشيراً إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كان بإمكانهم فعل ذلك قبل 20 عاماً، أي في عهد جورج دبليو. فقد اقترح بوش في عام 1991 تخفيض المساعدات الأميركية لتحفيز عملية أوسلو، لكن هذا لم يسفر عن إنشاء الدولتين. و”إسرائيل” ليست الحليف الوحيد الذي أثبت أنه قادر تماماً على مقاومة الولايات المتحدة، وفي الوقت الراهن، تلحق “إسرائيل” الضرر بقوتها الناعمة، وبالتالي بالقوة الناعمة الأميركية، وهذه هي الكذبة الكبرى التي تحاول أمريكا ترويجها.

فقبل خمسين عاماً، هبطت حاملة الطائرات الأمريكية في الشرق الأوسط، وكتبت صحيفة نيويورك تايمز الجملة نفسها: “إسرائيل” هي حاملة طائراتنا. وبالنسبة للولايات المتحدة، تعدّ “إسرائيل” بمنزلة أوكرانيا الأميركية في الشرق الأوسط. والولايات المتحدة هي التي تدفع “إسرائيل” لاستفزاز لبنان أولاً، ثم إيران، ودفعهما إلى القيام بشيء لتبرير هجوم أميركي واسع النطاق، من خلال محاولة أن تفعل بإيران ما فعلته هيلاري كلينتون بليبيا، بتدميرها بالكامل وتدمير وقتل وتشتيت سكانها، والاستيلاء على احتياطيات الذهب، وتثبيت داعش كفيلق أجنبي في أكبر قدر ممكن من ليبيا، والاستيلاء على احتياطيات النفط الليبي. وهناك جهود علاقات عامة ضخمة لإقناع الشعب الأمريكي بأن إيران هي العدو الأكبر.

وقد أعلن الجيش الأمريكي وبترايوس والمحافظون الجدد منذ البداية أن العراق وسورية هما مجرّد بروفة للوصول إلى إيران، وبالتالي فإن السياسة الأميركية تقود إلى حرب من المرجّح أن تكون أكثر كارثية بالنسبة للولايات المتحدة من الحرب في أوكرانيا.

هنا أوضح هدسون أن الولايات المتحدة تتبنى بشكل أساسي التكتيك الوحيد الذي يمكنها استخدامه بالفعل، ولا يمكنها استخدام تكتيك القول: “نحن اقتصاد متنامٍ وأنتم تريدون التجارة معنا، وليس الصين وروسيا، لأن هذين البلدين ينموان بشكل أسرع من الولايات المتحدة”. وليس لديهم في الواقع ما يقدمونه سوى القدرة على تعطيل التجارة الخارجية والأنظمة النقدية والمالية الأجنبية، والموافقة على وقف تعطيلها إذا سمحت الدول الأخرى ببساطة للولايات المتحدة باتخاذ القرارات الأحادية القطب.

علاوة على ذلك، تتمتع الدول الأوراسية بميزة كبيرة على الولايات المتحدة وأوروبا، فقد قامت الولايات المتحدة وأوروبا بشكل أساسي بخصخصة نظام البنية التحتية العامة بالكامل. ومنذ خصخصتها، أصبحت تشكّل الآن احتكاراتٍ طبيعية، لكن الصين وروسيا والدول الآسيوية احتفظت بالبنية التحتية الأساسية، النقل والتعليم والرعاية الصحية والاتصالات، باعتبارها خدمات عامة. ولا يقتصر الأمر على أن إدارتها أكثر كفاءة، بل إنها لا تتحمل التكاليف المالية والعائدات المفروضة على الاحتكارات التي تلقي بثقلها على البنية الأساسية المخصخصة. لذا فإن تكلفة الإنتاج في العالم غير النيوليبرالي، التي يمكن تسميتها اليوم العالم المتجه نحو الاشتراكية، هي أكثر كفاءة بكثير من تكلفة الإنتاج في الغرب المالي النيوليبرالي بحيث يمكن رؤية الجذب المغناطيسي من إفريقيا وأمريكا الجنوبية. ويصادف أنهم أيضاً الموردون الرائدون للمواد الخام في العالم. لذا، إذا لم يكن لدى الولايات المتحدة وأوروبا المواد الخام، ولم تنتجا النفط الخاص بهما، باستثناء أن الأوروبيين سيضطرون إلى دفع علاوات ضخمة للمنتجين الأمريكيين، فإن أوروبا ستبدو إلى حد كبير مثل لاتفيا ما بعد الاتحاد السوفييتي وأستونيا، وسوف يهاجر السكان. وفي الجوهر، يمكن للولايات المتحدة أن تحاول وقف هذا التطوّر من خلال بدء حرب نفطية جديدة في الشرق الأوسط.

وأشار هدسون إلى خشية الديمقراطيين من خسارة الانتخابات، ومن أن يقوم دونالد ترامب بتنظيف دولة مكتب التحقيقات الفيدرالي البوليسية والتخلص من وكالة المخابرات المركزية، وهذا هو في الأساس ما قام بالتسجيل من أجل القيام به مع الدولة العميقة. لذا فإن الدولة العميقة تخشى أن يكون هذا هو الحال، ليس أن الولايات المتحدة تعاني من الركود، بل من أن تكون هي نفسها، تتراجع إلى الوراء، مع العلم أن الدولة العميقة مستعدة لتدمير الاقتصاد الأمريكي، حيث هدف الحزب الديمقراطي، منذ كلينتون، إلى تدمير الاقتصاد الأمريكي للاستفادة من سيطرة الـ1% على الـ99% وهو مستعدّ لاستخدام الحرب العسكرية للقتال، ولتكثيف جهوده في الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا، وربما في بحر الصين، من أجل الاستفزاز بطريقة أو بأخرى، والقول في جوهر الأمر: “حسناً، نحن ذاهبون إلى الحرب، فمن منّا يريد أن يعيش في عالم لا نتحكم فيه؟.

فالمعركة السياسية من الآن حتى تشرين الثاني هي ما إذا كان يمكن للشارع الأمريكي أن يصدّق حقاً أن إدارة بايدن تساعد الاقتصاد، ولا تدافع عن وكالة المخابرات المركزية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ودولة الأمن القومي، والمجمع الصناعي العسكري، والأدوية، والعقارات، ووول ستريت، على حساب مصلحة الأمريكيين، عن طريق التراجع عن التصنيع؟ حسب هدسون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.