سوريا وطوفان الأقصى: تدفع ثمن دعمها للمقاومة في فلسطين ولبنان

موقع الخنادق-

عبير بسّام:

مؤسف هو تعامل الإعلام مع قصف سلاح الجو الإسرائيلي مطار دمشق الدولي على أنه سلسلة في تعداد متكرر، ودون فهم عميق للموقفين الرسمي والشعبي السوري ليس من طوفان الأقصى فحسب، بل من المقاومات العربية في العراق ولبنان وفلسطين، ضد كل الإحتلالات.

 

باتت محاولات تهميش الدور السوري تُظهر حقداً دفيناً على الدولة السورية، أو أن هناك جهلاً في طرق تعامل الدول مع الأحداث هناك. وينسى هؤلاء أن سوريا دولة وليست حزباً أو حركة او تجمعاً، وأن سوريا الدولة لا تستطيع أن تأخذ المواقف التي تأخذها الأحزاب والمقاومات والتجمعات.

 

منذ الأيام الأولى لإنطلاق طوفان الأقصى في السابع من شهر تشرين الأول/اكتوبر، لملمت سوريا جراحها بعد العملية الإرهابية التي نفذّها إرهابيو إدلب المدعومون من تركيا وقطر، بمسيرة مفخخة ضربت الكلية الحربية في حمص في السادس من اكتوبر خلال حفل تخريج فوج جديد من الضباط، واستشهد العديد من أهاليهم وأصدقائهم المدنيين من مختلف الفئات العمرية. وما إن دفنت سوريا شهداءها، وهي التي كانت تحضر للإحتفال بالذكرى الخمسين لحرب تشرين التحريرية، حتى انخرط التلفزيون الرسمي السوري، في عملية البث المباشر لأخبار العمليات البطولية التي بدأها أبطال كتائب القسام.

 

يًقدّر السوريون كتائب القسام، لا سيما المقاوم الشيخ الشهيد عزالدين القسام، الذي انتقل من مدينته اللاذقية ليقاتل في صفوف المقاومة الفلسطينية، وانخرط في القتال في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1935، واستشهد على يد الإنكليز في 20 من الشهر نفسه. ومع جنازة تشييع القسام إلى مثواه الأخير في حيفا انطلقت الثورة الفلسطينية الكبرى. فسوريا وأهلها يعرفون دور القسام في تاريخ الثورات وخاصة ثورات العام 1936 والتي امتدت على طول بلاد الشام والعراق ومصر بعد ذلك. بل أن السوريين شعروا أن تأريخ انطلاق عملية طوفان الأقصى كان في شكل من أشكاله ثأراً لهم في المصاب الذي أصابهم في مجزرة الكلية الحربية في حمص.

 

وما أن بدأ التلفزيون الوطني السوري وقنوات الإخبارية وسما والدراما السورية وغيرها بنقل وقائع الأحداث في فلسطين وغزة بالذات، حتى اتضح أن سوريا حكومة وشعبا هي مع فلسطين حتى العظم. وتظهر الموقف خلال الكلمة التي ألقاها الرئيس بشار الأسد في القمة العربية الإسلامية الطارئة في جدة، والتي جاءت بعد سلسلة المجازر، التي ارتكبها العدو الصهيوني.

 

نبّه الرئيس الأسد إلى أهمية النظر إلى الصراع من منطلق استراتيجي، يلحظ أن العداء الإسرائيلي لا يتعلق بغزة وحدها، بل يتعلق بالقضية الفلسطينية أساساً، وأنها قضية أرض مغتصبة وشعب محتل، ولفت إلى أن السلام مع هذا الكيان المارق لم يسترجع حقوق الفلسطينيين، ولم يستعد الأراضي التي احتلت في العام 1967، وبالتالي فإن اتفاقيات السلام والتطبيع لا تستطيع أن تصمد أمام إرادة الشعب الفلسطيني في العدالة، والحرية، وتحرير الأرض، والإنسان. وقد أعلن الرئيس الأسد عن دعم الدولة السورية حكومة وشعباً لما يريده الشعب الفلسطيني ولقضية فلسطين بجميع الإمكانيات.

 

سوريا دولة لا تعمل برد الفعل، وإنما بالفعل، ومنذ حرب السادس من حرب تشرين التحريرية في العام 1973، عانت من الحصار الإقتصادي الذي فُرض عليها، ووضعت الدولة خططها المستقبلية، وحددت مواقفها المبدئية، فدعمت حركات التحرر والمقاومة حول العالم وخاصة في لبنان وفلسطين، ودعمت الثورة الإسلامية في إيران، ووقفت إلى جانبها خلال حربها مع العراق، ورغم ان سوريا غير قادرة في هذه المرحلة التاريخية، وهي تخوض حرباً مع الإرهابيين والمسلحين، على التدخل المباشر في معركة طوفان الأقصى، لكنها لم تتوقف عن دعم المقاومات في جميع المراحل، وليس على المستوى السياسي فقط، بل على المستوى العسكري أيضا.

 

علينا أن نضع في الحسبان أن سوريا تواجه ثلاث جبهات. الأولى في الشرق، وتحتلها القوات الأميركية والإرهابية الكردية وتقوم بسرقة ثروات سوريا الباطنية وقمحها، مما يجعلها تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة. والثانية في الشمال الغربي، الذي تحتله تركيا وتدعم جبهة النصرة الإرهابية. والثالثة هي جبهة الجنوب والتي يحاول من خلالها الثلاثي الصهيوني والأميركي وتنظيم داعش الوهابي إعادة الفوضى إلى جنوب سوريا وتقسيمها ابتداءاً من هناك. ومع ذلك فقد قامت المقاومة بتوجيه ضربات ضد الاحتلال في فلسطين انطلاقاً من الجولان، وجاء الرد على مخازن السلاح السورية في ريف درعا الجنوبي الغربي المحاذي لوادي اليرموك، واستشهد أربعة من جنودها.

 

إن سوريا تعرف ماذا يعني أن تفتح المقاومات الجبهات ابتداءاً من أراضيها، أو أن تقصف المقاومة العراقية القواعد الأميركية في شمال شرقي سوريا في الحسكة ودير الزور. وهذه الجبهات لا يمكن أن تٌفتح إلا بموافقة القيادة السورية، وأن الزيارات التي قامت بها الدبلوماسية الإيرانية إلى دمشق لم تكن من أجل المشاورات ووقف القتال في غزة فقط، ولكن من أجل دعم الغزاويين لتصل خواتيم الأمور إلى ما يحقق إرادة المقاومة. وعلى الرغم من موقف بعض فصائل المقاومة الفلسطينية من الحرب على سوريا، وما حدث خلال الحرب، فإن السوريين قيادة وشعباً، وهذا ما يمكن قراءته عبر الموقف الرسمي السوري وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد جدوا في ضربات المقاومين، أيّاً كانت الجهة التي تسددها، أملاً في المستقبل وبداية التحرر من جميع الاحتلالات.

 

إن صواريخ “بركان” التي استهدفت القواعد الإسرائيلية في جنوب لبنان قامت المقاومة بتطويرها في معامل وزارة الدفاع السورية وفق تقارير إعلامية، وهنا يمكننا أن نعي هذا العمل التسلسلي التاريخي والملتزم بقضايا المقاومة، والذي هو حالة مستمرة وليست آنية، وقد دفعت فيها سوريا منذ العام 2011 وحتى اليوم ثمناً باهظاً.

 

تعتبر سوريا أن خيار دعم المقاومات بالسلاح خياراً استراتيجياً، ومنذ أن فتحت مخازنها في البقاع للمقاومة اللبنانية لا سيما خلال عدوان تموز 1993، ومن ثم عدوان نيسان 1996، ما تزال مستمرة في هذا الدعم، إما من خلال تمرير السلاح أو تزويدها بالمقاومة بعد العام 2006. واليوم إذا أردنا أن نعي أسباب قصف مطار دمشق الدولي، فهو قصف انتقامي ورداً على الدعم العسكري السوري للمقاومة، ومحاولة صهيونية يائسة من أجل ضرب معامل وزارة الدفاع السورية.

 

في الحقيقة، إن سوريا غير قادرة على فتح جبهة رابعة للقتال مع العدو الصهيوني اليوم، ولكنها تشارك بطريقة غير مباشرة، حيث تحملت قصف مطاراتها من أجل المقاومة، وتتحمل تبعات القصف على المواقع العسكرية انتقاماً من مواقفها المبدئية ورفضها التطبيع والسلام مع الكيان المؤقت، وهي التي عانت من الإرهاب، وعاشت في العام 2011 أقذر إرهاب بدعم أمريكي وغربي وعربي لا محدود، ذلك لأن الرئيس الأسد رفض المطالب الغربية، وأولها وقف دعم المقاومات في العراق ولبنان وفلسطين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.