فوزي أيوب.. وحلم فلسطين!

fawzi - ayoub - huzbullah

“أخبرنا عن القدس التي زرتها، عن جنين التي عرفتها، عن رام الله والخليل.. أخبرنا عن صافي والرفيع والريحان وسجد، عن التحرير ورفاقك الذين سبقوك.. أخبرنا عن اليتامى والفقراء الذين كفلتهم.. فما نامت عيناك حتى ينامون.. أخبرنا عن كل من أتى إليك بحاجة ولم يذهب خائباً.. أخبرنا عن كل شاب أخذت بيده نحو الهداية والصلاح.. عن سهراتك وجلساتك التي لا ملل فيها.. عن ابتسامتك التي ما فارقتك فكانت هي الفرج قبل أي فرج.. مشيت إلى الله بكل ما لديك.. فأحبك.. وها أنت بين يديه.. كن لنا شفيعاً.. وعدني أن أراك بعهد الأربعين..”، كلمات أحد الشباب الذين “رباهم” القائد في “حزب الله” الحاج فوزي أيوب، الذي استشهد في سوريا يوم الأحد الماضي في 25 أيار.

حدّد هدفه قائلاً “هدفي في هذه الدنيا حماية المظلوم”، حين وقف أمام القاضي الإسرائيلي عقب اعتقاله في مدينة الخليل حيث مارس بحقه الإسرائيلي حرباً نفسية من دون أن يمسّه جسدياً بسبب جنسيته الكندية. إلا أن الاعتقال الأول لأيوب كان في رومانيا في العام 1988 على خلفية اتهامه بعزمه على خطف طائرة عراقية في بوخارست ليعود بعد إطلاق سراحه إلى تورنتو، حيث حصل على الجنسية الكندية، وديربورن الأميركية في ولاية ميتشيغن، وأوروبا ومن بعدها إلى لبنان، حسبما أفادت قناة “سي بي سي” الكندية.

وقد أفادت صحيفة “ناشيونال بوست” بأن أيوب، الذي وصفته بـ “الإرهابي المخضرم”، عاد إلى لبنان في العام 2000، ومنه انتقل إلى فلسطين المحتلّة بجواز سفر أميركي مزوّر يحمل اسم “فرانك بوتشي” حيث اعتقل في تموز العام 2002 ليطلق سراحه في عملية تبادل الأسرى في العام 2004.

وقد أكد الجيش الإسرائيلي عقب اعتقال أيوب، أنه “دخل إلى إسرائيل للتخطيط لاعتداءات ضد الإسرائيليين”، مشيراً إلى أن الشهيد أيوب “شارك في عمليات وأنشطة لحزب الله، وهو مسؤول عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين. ومهمته في إسرائيل تدل على مرحلة جديدة في جهود حزب الله لنشر الإرهاب داخل إسرائيل”.

على موقع مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركي “أف بي أي”، تظهر صورة لفوزي أيوب مع معلومات مفصلة عن شكله الخارجي مع التعليق التالي: “اتهم فوزي محمد أيوب، حى شرق ميتشيغان، في 5 أيلول العام 2009 باستخدام جواز سفر أميركي للدخول إلى إسرائيل والقيام بعملية تفجير بالنيابة عن تنظيم حزب الله الإرهابي”.

موقع إسرائيلي اعترف بدور لأيوب، الذي مكث في منطقة يهودا والسامرة، في مساعدة المنظمات الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى لتنفيذ عمليات برعاية “حزب الله” ضد إسرائيل.
أما صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فقد أشارت إلى أن أيوب “كان متهماً بتدريب المقاتلين الفلسطينيين على التخطيط للعمليات والهجوم”. فيما نقلت “هآرتس” الإسرائيلية الخبر عن وكالة “رويترز”، التي نشرت تقريراً، كما وكالة “فرانس برس”، عن سيرة أيوب.

وفي كتاب “الحرب السرية مع إيران” للكاتب والمحقق الإسرائيلي رونن برغمان، ذُكر اسم فوزي أيوب أيضاً في إطار العلاقة بين “الخلايا في أميركا الشمالية” و”حزب الله” وقربه من الشهيد القائد في “حزب الله” عماد مغنية، مشيراً إلى أن “أيوب، الذي وصل إلى كندا في العام 1992 وكان حينها يبلغ من العمر 28 عاماً، هو” أحد الناشطين في الحزب وقد تحوّل إلى رسول بين الشبكات هناك”.

أبو عبّاس، ابن عين قانا الجنوبية، سطّر ملاحم في الجهاد ضد العدو الإسرائيلي وتدريب الشباب الفلسطيني المقاوم فظهرت بصماته واضحة في معركة جنين، أكان لناحية الأسلوب في زرع العبوات أو التقنيات العسكرية في القتال، بحسب اعتراف الإسرائيليين. وهو من أركان انتفاضة الأقصى بعدما تحوّلت إلى انتفاضة مسلّحة بوجه العدو الذي حاصر مبنى المقاطعة في الخليل في حزيران من العام 2002، فألقت قواته القبض على أيوب بعد نفاذ ذخيرته.

أحد “أكثر المطلوبين” الدوليين، كان أول الناجين من أخطر الكمائن الإسرائيلية “كمين نجمة داود” في جبل الرفيع، حيث استشهد نجل الأمين العام لـ “حزب الله” السيد هادي نصرالله. تاه في طريقه فكانت الصلاة إلى الكمين سبيلاً، حيث قتل 3 جنود صهاينة وأصيب في قدميه، إلا أن إصابته لم تثنه عن المشاركة في حرب تموز في العام 2006.

أصيب في العام الماضي في منطقة القصير إلا أنه ضمّد جرحه واستمرّ في القتال، وكان يعرف عنه استماتته لانتشال الجرحى والشهداء. كان من المفترض أن تكون هذه المعركة الأخيرة، للرجل الذي سجن وأصيب مرات عدّة، إلا أنه أبى أن يغادر ساحات القتال سوى شهيداً، وفي قلبه حرقة فلسطين والمسجد الأقصى الذي زاره وصلّى فيه أثناء عمله الجهادي.

يروي أحد المقربين منه كيف كان يتحدث بثقة عن أنه سيعود لزيارة القدس، “قلب الإسرائيلي ضعيف”، حسب وصف أيوب، وهو ما سيجعله يخرج من الأرض التي استوطنها. تكتّمه الشديد حول فترة عمله المقاوم في فلسطين كانت تفضحه عبرات يحاول خنقها لدى ذكر فلسطين.

في المقلب الآخر من حياة “أكثر الرجال خطورة” على الأعداء، فيض عاطفة وكرم ومحبة. فكان لكثير من الشباب مدرسةً ومرجعاً وكرسي اعتراف. “لا يرد طلباً لأحد”، يقول أحد أبناء منطقته ويخبر أنه “كان جمع مبلغاً ليشتري سيارة. وبعد فترة التقى بشاب مع خطيبته، وحين عرف أن الشاب لا يستطيع شراء سيارة أعطاه المفاتيح وقال له هذه السيارة لك”. يروي آخر أنه باع دراجته النارية وجمع أموالاً من بعض أغنياء المنطقة ليرسل امرأة كبيرة في السن إلى الحج.

من كان يبيع ممتلكاته ليحقق حاجات وأمنيات المحيطين به حقّق له الله أمنيته فهو لطالما كان يقول: “أود أن تُختم حياتي كالإمام الكاظم، فأنا تعلمت منه كظم الغيظ، أريد أن أكون مجاهداً وأسيراً وأن يفرغني الله لعبادته في الأسر وأستشهد”.

“مجاهداً.. أسيراً.. جريحاً.. شهيداً”، هذا اختصار مسيرة لأحد رجال الله الذين أرادوا فأراد.

صحيفة السفير اللبنانية – كارمن جوخدار

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.