قراءة في خلفيات استفزاز العدو للجيش اللبناني والدور المرسوم لليونيفيل

موقع العهد الإخباري-

إيهاب شوقي:

في نهاية آب/أغسطس الماضي، صوّت مجلس الأمن الدولي لصالح قرار يجّدد من خلاله ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، بتأييد 13 عضوًا وامتناع روسيا والصين عن التصويت.

هذا القرار الذي حمل رقم 2695 شدد على صيغة تعد مطلبًا صهيونيًا أمريكيًا رئيسيًا، وهو أن بعثة حفظ السلام في الجنوب اللبناني “لا تحتاج إلى إذنٍ مسبق أو تصريح للقيام بالمهام المنوطة بها، وأن اليونيفيل مخولة بإجراء عملياتها بشكل مستقل، مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية”.

واللافت أن السفيرة الإماراتية “لانا زكي نسيبة” ألقت بيانا وكأنها ترتدي الكيباه (الطاقية اليهودية)، حيث زعمت: “الواقع هو أن التوترات على الخط الأزرق قد بلغت مستويات لم تُشهد منذ حرب عام 2006. وخلال العام الماضي… أقام حزب الله ثكنات عسكرية وأبراج مراقبة خرسانية، وأجرى تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية، ومنع اليونيفيل من حرية التحرك، وهاجم بصفاقة قوات حفظ السلام… هذا الى جانب تعمده إطالة أزمات لبنان التي لا تعد ولا تحصى، وعرقل التحقيقات المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت الكارثي، وشل المؤسسات الرئيسية للدولة. وتُنذر هذه الأعمال الاستفزازية بتصعيدٍ خطير في منطقتنا”.

وإمعانًا في التصهين، تقدمت دولة الإمارات بمقترح إضافة لغة للقرار، تعزز استقلالية عمل اليونيفيل، وتشدد على مسؤولية الحكومة اللبنانية في تيسير حرية حركة “القوة” إلى “جميع المواقع ذات الاهتمام” في كافة مناطق عملياتها دون عوائق، وانتقدت تردد مجلس الأمن في ذكر حزب الله، باعتباره “يقوض قدرة يونيفيل على تنفيذ ولايتها” حسب تعبيرها.

ومنذ التصويت على هذا القرار برعاية أمريكية بريطانية وواجهة إماراتية، كثرت الحوادث في المناطق الحدودية وتصاعدت الاستفزازات الصهيونية للجيش اللبناني.

ومؤخرًا ومن بين الاحتكاكات، أوضحت قيادة الجيش اللبناني في بيان أنّه “بتاريخ 23 / 9 / 2023 ما بين الساعة 11.00 والساعة 12.00، أقدمت عناصر من العدو الإسرائيلي على خرق خط الانسحاب وإطلاق قنابل دخانية باتجاه دورية للجيش اللبناني أثناء مواكبة جرافة تقوم بإزالة ساتر ترابي أقامه العدو الإسرائيلي شمال خط الانسحاب (الخط الأزرق المتحفظ عليه) في منطقة بسطرة – الجنوب، وقد ردت عناصر الدورية على الاعتداء بإطلاق قنابل مسيلة للدموع باتجاه عناصر العدو، ما أجبرهم على الانسحاب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وتلقف الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي، الحادث ليعلق عليه بأن “قوة اليونيفيل موجودة على الأرض لتهدئة الوضع، وتتواصل قيادتها مع الأطراف لتخفيف التوترات ومنع سوء الفهم”.

هنا نحن بصدد مقاربة صهيو – أمريكية مفادها تصعيد الأمور لحافة الهاوية مع الجيش اللبناني لخدمة أحد هدفين أو كلاهما وفقًا للرغبات الصهيو – أمريكية وهما:

1- إما الوقيعة بين الجيش اللبناني وحزب الله باعتبار تواجد المقاومة يشكل مصدرًا لاستفزاز العدو وهو ما يجلب الاشتباكات مع الجيش اللبناني وبالتالي على الجيش مواجهة المقاومة.

2- وإما الوصول لحافة الهاوية كي تتمكن قوة اليونيفيل من شغل المنطقة بالكامل والسيطرة عليها كإجراء لمنع نشوب الحرب بين لبنان والعدو الإسرائيلي.

وهدف الصهاينة من ذلك هو تمكين “استراتيجيته الردعية” بسبب الخوف الشديد من المقاومة وليس احتكاكًا وتصعيدًا يعبر عن فائض قوة واستدراج للمقاومة.

وهناك شواهد عديدة على هذا الرعب الصهيوني، ولعل التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول “اليونيفيل”، والذي نُشر في 13 تموز/يوليو ويغطي الفترة من 21 شباط/فبراير إلى 20 حزيران/يونيو قد أبرز هذا الخوف الصهيوني بين سطوره.

وقد علق ماثيو ليفيت، زميل فرومر-ويكسلر” في معهد واشنطن، ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” التابع للمعهد، على الفقرة 12 بالتقرير بتعليق لافت حيث قال: “وفقاً للمادة 12 من التقرير: استمر الجيش الإسرائيلي في دخول المجال الجوي اللبناني منتهكاً القرار 1701 والسيادة اللبنانية… وسجلت اليونيفيل 131 انتهاكاً للمجال الجوي (هذا الربيع)، بإجمالي 187 ساعة. ويعكس هذا العدد تراجعاً في التحليقات الجوية الإسرائيلية لتبلغ أدنى مستوياتها منذ أن بدأت الأمم المتحدة في الإبلاغ عن هذه الأرقام، بانخفاض من 390 ساعة في ربيع عام 2022 و 1298 ساعة في ربيع عام 2020 – وهو اتجاه ينبع من بصمة الدفاع الجوي المتزايدة لحزب الله وتكيف سلاح الجو الإسرائيلي مع هذا التهديد”.

ولعل توصية ماثيو ليفيت تعبر عن حقيقة السياسة الصهيو – أمريكية والنوايا التي تقود هذه التصعيدات الأخيرة، حيث يقول نصًا: “وبغض النظر عن الصياغة المعتمدة في قرارات مجلس الأمن، فإن استقلالية “اليونيفيل” وحرية حركتها على الأرض يتم إقرارها في نهاية المطاف من قبل قادة “اليونيفيل”، الذين رضخوا حتى الآن لإكراه حزب الله وتواطؤ لبنان معه. ونظرًا للوضع المتفجر على طول “الخط الأزرق”، يجب على “اليونيفيل” الآن استخدام صلاحياتها المتجددة للتصدي لاستفزازات حزب الله في الجنوب. ويتمثل خط دفاعها الأول في هذه المعركة بإعداد تقارير صادقة ومفصلة” حسب تعبيره.

نحن أمام مؤامرة مكشوفة مفادها التصعيد المتعمد لتقييد المقاومة ومراقبتها للحدود وتحركاتها وكذلك تقييد حرية الجيش اللبناني في بسط السيادة، وهو جزء من سياسة الحصار العامة وخلق الفتنن.

الثابت هنا هو أنها سياسة تعبر عن خوف العدو ورغبته في وجود عازل عن المقاومة يتمثل في اليونيفيل، وليست سياسة معبرة عن قوة صهيونية، والثابت أيضًا أن دولًا مثل الإمارات قد أصبحت متحدثًا رسميًا عن العدو الصهيوني وهو ما يمكن ترجمته أيضًا على أرض الواقع بأن أي تحركات فتنوية تخدم أهداف العدو قد تكون الإمارات أحد داعميها ومموليها.

إلا أن الثابت الأكبر هو وعي المقاومة وفطنتها في قراءة الأوضاع وما بين السطور وتفويت الفرص على الفتن، وجهوزيتها لمواجهة أي سيناريوهات والتعامل معها بالأسلوب الملائم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.