قمة الجزائر.. حساب المكاسب والخسائر

موقع قناة الميادين-

محمد حسب الرسول:

القمة العربية أكدت تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي، في الوقت الذي لم تصحح مواقفها السابقة والمتجددة التي ظلَّت مهدداً رئيساً للأمن القومي العربي.

أنهت القمة العربية التي انعقدت في الجزائر في الأول والثاني من هذا الشهر أعمالها يوم أمس، وأصدرت إعلان الجزائر الذي تضمَّن مواقفها من 5 قضايا رئيسة توافقت عليها الأنظمة العربية التي غاب كثير من قادتها عن هذه القمة لدواعٍ واهية، ولأسباب لا تفوت على فطنة أحد.

رأى البعض أن هذه القمة حققت مكسبين؛ الأول هو تأكيدها أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، والآخر هو عدم اعتمادها التطبيع الصريح سياسة عربية لحاضر الأنظمة العربية ولمستقبلها، برغم تجديد تأييدها المبادرة العربية التي أهملها الكيان الصهيوني ولم يعرها اهتماماً منذ قمة بيروت عام 2002.

في المقابل، حققت هذه القمة كسابقاتها 5 خسائر كبيرة، نوجزها في ما يلي:

الخسارة الأولى تتصل بالقضية الفلسطينية، إذ حصر “إعلان الجزائر” حقّ الفلسطينيين بأرضهم في خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 وفي القدس الشرقية، والقمة العربية تنسف بذلك القيمة الحقيقية للمكسبين اليتيمين اللذين بدأت بهما فقرة فلسطين في إعلان الجزائر، ونسفت ركيزة رئيسة تبنى عليها المواقف العربية الأصيلة من القضية الفلسطينية.

الخسارة الثانية وردت في العنوان الثاني من “إعلان الجزائر”، الموسوم بــ”الأوضاع في الوطن العربي”. وقد أكّدت القمة في هذه الفقرة تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل، في الوقت الذي لم تصحح مواقفها السابقة والمتجددة التي ظلت مهدداً رئيساً للأمن القومي العربي، وبمفهومه الشامل، والأمثلة على تلك المواقف أكثر من أن تحصى.

ولعل موقفها المخزي من القضية الفلسطينية، ومواقفها من ليبيا وسوريا واليمن، من الأمثلة على هذه المواقف التي هددت، وما تزال، الأمن القومي العربي، فضلاً عن إغفالها الأوضاع في السودان الذي انتهك الاستعمار الغربي الجديد استقلاله وسيادته حتى بلغ به الحال أن يكتب له دستوراً ويصدّر إليه الحكام!

أما الخسارة الثالثة، فعنوانها تعزيز العمل العربي المشترك وعصرنته، إذ لم تبحث القمة في دورتها هذه أو في دوراتها السابقة أي مشروع علمي لتعزيز العمل العربي المشترك، ولم تناقش تطوير الجامعة العربية وعصرنتها في هذه القمة أو في سابقاتها، واكتفت بجعل تعزيز العمل العربي المشترك وعصرنته عنواناً فارغاً للفقرة الثالثة من “إعلان الجزائر”، على الرغم من أن الظروف العربية والدولية تفرض على القادة العرب تطوير التعاون بين بلدانهم والدخول في مشروعات تكامل تعود بالنفع على الشعوب والدول والأنظمة العربية، كما تفرض عليهم البحث عن دور ومكانة لائقة في المسرح الدولي.

الخسارة الرابعة تضمنتها الفقرة الخاصة بالعلاقات مع دول الجوار والشراكات، والتي رسمت موقفاً بالغ البؤس، وقدمت مفهوماً بالغ الفقر لنظرة القادة العرب إلى دول الجوار العربي، ولم تعرف أو تعترف بأنَّ خاصية الوصال الجغرافي والوصال الحضاري هي ما يربط بين العرب وجيرانهم، ولم تنتبه لحقيقة أن هذا الجوار يمثل عمقاً استراتيجياً للأمة العربية في الأبعاد الحضارية والاقتصادية والاجتماعية، وأنَّ ذلك يفرض على الجميع إعادة النظر في القواعد التي تأسست عليها السياسات القومية والقطرية تجاه هذا الجوار، بما يؤسس لشراكات استراتيجية تحيل المهددات إلى فرص، والفرص إلى برامج ومشروعات تكرس جواراً آمناً منتجاً في الحاضر والمستقبل.

وخامسة “الأثافي” في “إعلان الجزائر” هي عدم القراءة الصحية للأوضاع الدولية من قبل القمة والقادة العرب، إذ عميت أعين القمة عن رؤية اللحظة التاريخية التي وفرتها الظروف والأوضاع الدولية التي يُعد الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا، والحرب الباردة الصينية الأميركية، والصراع الدولي على تشكيل النظام العالمي الجديد، أبرز عناوينها.

ولعل القمة والقادة لم يسمعوا كيف وظَّف لبنان الصغير بمساحته وعدد سكانه هذه اللحظة في تحقيق انتصار سياسي جديد أعاد له حقوقه البحرية وحقه في استثمار موارده في باطن الأرض والبحار. ولو أدركت القمة وعرف القادة معنى وقيمة اللحظة التاريخية، لكان “إعلان الجزائر” البيان الأول في دفتر الثورة العربية في هذه الألفية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.