كيف يُقارب القانون استقالة نواب الحاكم الأربعة إن حصلت؟

موقع العهد الإخباري-

فاطمة سلامة:

في 31 تموز المقبل تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد توليه سُدّة الحاكمية عام 1993. نحو 30 عامًا قضاها سلامة في البنك المركزي تعرّض خلالها لانتقادات واسعة على طريقة إدارته السلطة النقدية. كما وُجّهت إليه دعاوى قضائية بالجملة بتهم رشاوى وتبييض أموال والى ما هنالك. أسئلة كثيرة تُطرح اليوم عن محطّة ما بعد انتهاء ولاية سلامة. المادة 25 من قانون “النقد والتسليف” تنصّ على أنّه: “بحال شغور منصب الحاكم يتولّى النائب الأول مهام الحاكم ريثما يُعيّن حاكم جديد”.

 

هذا ما يقوله القانون، لكن على أرض الواقع ثمّة تطور جديد حصل الخميس تمثل في بيان مفاجئ لنواب حاكم مصرف لبنان الأربعة: وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان حمل تلويحًا ضمنيًا بالاستقالة. ماذا يعني ذلك؟ يعني بكل بساطة شغورًا في سدّة الحاكمية دون ملء الفراغ، ما يعني حُكمًا فتح البلاد على المجهول. فكيف يُقارب الدستور والقانون استقالة نواب الحاكم الأربعة إن حصلت؟ وهل باستطاعة حكومة تصريف الأعمال قبولها؟.

 

سليمان: نحن أمام عملية معقدة جدًا وسابقة لم تحصل

 

الرئيس السابق للمجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان يقرأ في التطورات الحاصلة على خط البنك المركزي فيقول لموقع “العهد” الإخباري: “نحن أمام عملية معقدة جدًا وسابقة لم تحصل لا في لبنان ولا بأي دولة في العالم”. يُحاول سليمان تقريب المشهد “الضبابي” فيشير أولًا الى أنّه ليس بإمكان حكومة تصريف الأعمال من الناحية القانونية تعيين حاكم للبنك المركزي أو قبول استقالة النواب. وفق سليمان، تعيين الحاكم ليس أمرًا عاديًا فالمركز يبدو بمثابة أهم موقع في الدولة، ولكن في المقابل ثمّة مبدأ “استمرارية المرفق العام”. من مهام حكومة تصريف الأعمال العمل من أجل استمرارية هذا المرفق، ومصرف لبنان من أهم المرافق العامة لأنه مرفق مالي تتعلّق به مالية الدولة.

 

يوضح سليمان أنّ اجتهادات مختلفة تبرز في هذا السياق، اجتهادات تقارب السؤال الآتي: هل يمكن تغليب مرفق استمرارية القطاع العام بتعيين حاكم أو قبول استقالة النواب؟ ولنسلّم جدلًا أنّه جرى قبول استقالة النواب فهذا معناه أنه سيصار الى تعيين بديل عنهم، وهنا ثمّة اجتهادات متضاربة مدارها السؤال الآتي: هل يمكن إعطاء حكومة تصريف الأعمال هذه الصلاحية أم لا؟ في الإجابة عن هذا التساؤل تبرز اجتهادات مختلفة وسط الارتباك الناجم عن حكومة تصريف الأعمال على اعتبار أن الدستور يسمح باستمرارية هذا النوع من الحكومات (تصريف الأعمال) لأسبوع أو أسبوعين أو شهر على أبعد تقدير لتعيين حكومة أصيلة بكامل الصلاحيات الدستورية. وهنا يأسف سليمان لـ”الشذوذ” الحاصل، فكل الاستحقاقات في لبنان تخرج عن مسارها الطبيعي اذ لا تتشكّل حكومة ضمن المهلة الدستورية المقبولة ولا يتم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن مهلة يحدّدها الدستور. لذلك، نحن في أوضاع “شاذة” جدًا ما يفتح المجال لاجتهادات دستورية مع العلم أنّ القضية في الأصل سياسية أكثر مما هي دستورية.

 

يشدّد سليمان على أننا أمام مشكلة في حال استقال نواب الحاكم اذ لا يمكن للحكومة أن تقبل استقالتهم أو تبت بها. وبموجب الدستور يفترض أن يتولى مهام حاكم مصرف لبنان النائب الأول. وبحسب سليمان، اذا سلّمنا جدلًا أنّ الحكومة قبلت استقالتهم وعيّنت حاكمًا ونوابًا أربعة، فإنّ النواب المعينين ليس بإمكانهم أن يمارسوا مهامهم الا بعد أداء قسَم اليمين أمام رئيس الجمهورية. هذا القسَم يمثّل صلاحية مُرفقة بشخص رئيس الجمهورية ولا يمكن للحكومة أن تمارسها عنه. يُعيد سليمان التأكيد “نحن أمام عملية معقّدة جدًا بسبب الخلافات السياسية وعدم أخذ المصلحة الوطنية العليا بعين الاعتبار والتهافت على تحقيق المصالح الشخصية ما أوصل الدولة الى الواقع الحالي”.

 

أمام هذا الواقع الذي يشكّل سابقة نحن بحاجة الى اجتهادات، وفق سليمان، فكيف تتم هذه الاجتهادات؟ يجيب المتحدّث عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّ  الاجتهاد يتم بناء على نصوص الدستور والمبادئ الدستورية المعتمدة في كل دول العالم، واستمرارية المرافق العامة تُشكّل مبدأ دستوريًا لأنه اذا شُلّت هذه المرافق لن يعود هناك دولة. وهنا يوضح سليمان أنه في السابق كان يُناط بالمجلس الدستوري تفسير الدستور، وعندما جرى تعديل الدستور بموجب اتفاق الطائف انتُزعت هذه الصلاحية من المجلس الدستوري وأصبح كل فريق يجتهد كما يريد وبات لمجلس النواب الحق في الاجتهاد وتفسير الدستور.

 

لكنّ مجلس النواب اليوم معطّل ومنقسم بين أطراف سياسية متصارعة فيما بينها، وعليه يرى سليمان أنه من الضروري إدخال تعديلات على الدستور بهدف ضبط أداء السلطة السياسية وإعادة صلاحية الاجتهاد الى المجلس الدستوري. وفق قناعات سليمان، لو اجتهد المجلس في ظل الصراعات القائمة لا يمكن الخروج من الأزمة التي هي سياسية قبل كل شيء ما ينعكس سلبًا على الدستور والأوضاع الدستورية.

 

يمين: ليس في محله

 

المحامي والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين يرى أنّ بيان نواب الحاكم “ليس في محله” الواقعي والقانوني. بالنسبة اليه، هو بيان سياسي اذ ليس من مهمة النواب الأربعة تقييم واقع المؤسسات الدستورية بل عليهم القيام بواجباتهم القانونية كعاملين في إحدى المؤسسات في المصرف المركزي وهو مصرف الدولة اللبنانية ومؤسسة وطنية ذات طابع عام ومرفق عام. وعليه، يشدّد يمين على أنّ على النواب الأربعة الاستمرار في القيام بواجباتهم ولا يجوز لهم الضغط لاتخاذ قرارات غير دستورية وغير قانونية.

 

وفي حديث لـ”العهد” يُذكّر يمين أنه بحسب قانون “النقد والتسليف” ” يتولى النائب الأول مهام الحاكم عند الشغور في الحاكمية” ولا يجوز ترك المنصب كي لا يتم تعطيل استمرارية المرفق العام. وبحسب المتحدّث لا تُعتبر الاستقالة نافذة الا بعد قبولها من الحكومة ولا يجوز للحكومة أن تقبل استقالة النائب الأول للحاكم لأنّ ذلك يؤدي الى شغور وفراغ في الحاكمية علمًا أنه لا يجوز لحكومة تصريف الأعمال تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان لأنّ التعيين هو عمل “تصرفي” بامتياز وهذه المهمة يجب أن تُترك للعهد الجديد والحكومة المقبلة. وهنا يُذكّر يمين بما ذكره سليمان لجهة عدم جواز مباشرة الحاكم المعيّن أو النواب لأعمالهم إلا بعد تأدية اليمين القانونية والدستورية أمام رئيس الجمهورية، وهذه الصلاحية لصيقة برئيس الجمهورية وهي صلاحية الاستماع ليمين مصرف لبنان. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه حتى ولو عيّنت حكومة تصريف الأعمال حاكمًا جديدًا لا يستطيع مباشرة أعماله طالما لا يوجد رئيس للجمهورية ليؤدي أمامه اليمين القانونية.

 

يعود يمين ويؤكّد أنه حتى ولو استقال النواب يجب أن لا تُقبل استقالتهم منعًا  للفراغ الكلي في الحاكمية وهذا يرتّب مسؤوليات قانونية. وفي حال افترضنا جدلًا أن مثل هذا السيناريو وقع لا بد من اللجوء الى قضاء العجلة لتعيين حارس قضائي ليتولى إدارة المرفق تحت عنوان تدبير مؤقت لحفظ الحقوق ومنع الضرر.

 

مصدر دستوري: الاستقالة حق ولكن..

 

ما يقوله سليمان ويمين يُقاربه من زاوية مختلفة مصدر دستوري مطّلع على ما يحصل في ساحة مصرف لبنان فيشير بداية الى أنّ الاستقالة حق؛ فكل موظّف لديه هذا الحق، وهذه الاستقالة تُرفض خلال شهرين، واذا لم تُرفض تُعتبر مقبولة فيكون بإمكان الموظفين عندها ترك المنصب. لكنّ المصدر الذي يستبعد في حديث لـ”العهد” أن تصل الأمور الى هذا الحد يرى في بيان النواب الأربعة تهديدًا ليس إلّا لأنّ أيًا من القوى السياسية ليس بإمكانها تحمل تبعات الكارثة التي ستحصل في حال نفّذ النواب الأربعة وعيدهم.

 

مصدر في مصرف لبنان: ثمّة مخاوف من المدة القصيرة

 

أمام تطورات الساعات الأخيرة، يضع مصدر في مصرف لبنان بيان النواب في خانة المخاوف من المرحلة القصيرة والصعبة التي سيتسلّمون فيها زمام المسؤوليات بعد انتهاء ولاية حاكم البنك المركزي. وفق قناعاتهم، فإنّ الحُكم على مدى 6 سنوات يكون فعالًا أكثر لجهة معالجة الأزمات، اذ ثمّة مخاوف لأن حجم الدعاوى والفراغ الموجود في البلد يجعل مواجهة التحديات كبيرة. وهنا لا يُخفي المصدر أن بإمكان النواب العمل لكن المسؤوليات كبيرة جدًا والوضع مأساوي ما يحتّم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وتعيين حاكم بنك مركزي جديد.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.