مدمرو الثقة بالإنجازات الوطنية

islamic-resistance

موقع إنباء الإخباري ـ
دانيال المقدسي:

قرأت عشرات المقالات خلال أسبوع تتبارى فيما بينها على إخراج التاريخ من أدراج الصحف والمكتبات وصفحات الانترنت، لتضعه على طاولة التشريح ثم تقوم بالعرض والتحليل فيما يخص أداء المقاومة خلال ثلاثين عاماً.
جرى التفكير في عشرات الجمل قبل صياغتها لصناعة سجادة يفترشها القارئ ويجلس عليها متنعما بالتنظير لتاريخ المقاومة الإسلامية في لبنان وما قامت به على مدى عقود ثلاثة.
حُبِكت الأفكار والحروف مُظهرة هدف نشوء حزب الله، وأدائه ومقاومته للاحتلال، ثم تأييد الشعوب العربية والإسلامية له، ثم “نكسته” أو “خطيئته” في 2005، وموقفه الشديد من “إهداء نصر تموز” إلى سوريا.
وبعد “النكسة” و”الإخفاق” كان الوقوع في “جريمة 7أيار”، وما بعد الجريمة، الطغيان و”الاستعلاء” و”الفرعنة”، إلى أن يصل مؤرخو الصحافة اللبنانية وحابكو الإعلام إلى الشق المرتبط بالخروج عن الإنسانية والبعد عن “الله” ليصبح الحزب حزب “اللات” عندما كانت بواريده ورجاله يتوجهون إلى سوريا لخوض معركة مع “النظام”. ومن ثم تنبري المقالات لتسجيل عدد “الضحايا” التي يمنى بها هذا الحزب، وتأثير ذلك على “بيئته الداخلية” وعلى لبنان.
ويخرج الخيط عن مسار الدرزة عندما تنظِّر الصحف للإرهاب على أنه “دب” أو “مارد” أيقظه حزب الله، واستجلبه إلى لبنان الوادع ذي الشجرة المستحية التي ما داس كرامتها أحد.
يبدو أن من يستعرض التاريخ وفق رؤيته وهو يقف على شفا حفرة من التعاسة يعيش عدة مشكلات تتجلى في النهاية بشيء من عدم الثقة بالمقاومة من جهة أو بالعدائية لها من جهة أخرى، كآخر دواء يفكر في ابتلاعه قبيل الانتحار.
وأمامنا في هذه الحال ثلاثة أصناف من الكتّاب: كاتب يتبنى خيارات المقاومة ببعدها الاستراتيجي وهو ينتقدها في بعض التكتيكات التي من الممكن أن يكون فيها تعدد وجهات النظر، فكان يبدي رأيه في كل مرة ويثبت أنه مع الخيارات الاستراتيجية للعمل المقاوم. وكاتب آخر كان من اللحظة الأولى صاحب رأي يخالف عمل المقاومة برأيه بل ويتبنى خطاب عدو الوطن في كثير من الأحيان.
ولست بصدد الحديث عن هذين الجنسين هنا. وكاتب آخر أوهمنا أنه يتبنى العمل الوطني ولكنه يناقش المقاومة بخياراتها الاستراتيجية منها والتكتيكية. أي أنه يعيش أزمة ثقة بها وربما أزمة “نفاق” أو “نفوق” الرؤية لديه.
عشرات المقالات تريد أن تقول عن طريق كتّاب من النوع الثالث إن المقاومة كانت صائبة ثم تدهورت والآن هي في الحضيض. في البداية وعندما ينظر أحدهم برؤية استراتيجية إلى عمل المقاومة فإما أن يقر أنها غيرت معالم لبنان من كيان رازح تحت الاحتلال إلى كيان سمح له ولأمثاله بتعلم اللغة العربية واستخدامها في أجندات أجنبية، فلا يناقش في الأسلوب الذي يمكن إثبات أنه الأنقى كذلك منذ نشأة المقاومات في العالم. وبالتالي يبني على هذه المقاومة ثقة تخوله التأني قبيل الحكم عليها في الخطوات اللاحقة من أداء دورها والقيام بواجبها. وإما أن يراوح مكانه ويناقش في الاستراتيجية نفسها سواء كانت في مقاومة الصهاينة أو مقاومة التكفيريين.
أما أن يدعي خيار المقاومة ويحيك ضدها خيوط المؤامرات فما الاسم الذي يطلق على هذا الأداء؟ العجز الذي يغزو فكر الكثير من إعلاميي اليوم ويتجلى في كتاباتهم نابع عن سوء المطالعة واقتصار القراءة على الإعلام والسياسة، في حين أنه في زمن الحرب تدخل إلى مكتبة المطالع خطوط جديدة من المطبوعات، تتمثل بالثقافة العسكرية والثقافة الأمنية فضلا عن الثقافة الوطنية.
فالإعلامي الذي لا يمتلك ثقافة الحد الأدنى من مواجهات التحديات ولا الحد الأدنى من ثقافة “إدارة الحروب”، أو “كيف يعمل العدو”، أو “كيف يتم اختراق المجتمعات” ،أو “كيف تدمر منظومة” أو “أساليب التخفي في أرض الخصم” أو “العمل في أرض عدائية” أو التحرك خلف خطوط العدو” أو “كيف تعرف أن عدوك سينقض” أو “لحظة أخذ المبادرة”، أو “كيف تستفيد من الحد الأدنى من إمكاناتك”، أو “كيف تستفيد من عدوك”، أو “نقاط الضعف لدى الخصم” أو “اليد التي تتألم” أو “السيطرة بالنار” أو “السيطرة من دون نار”… لا يبدو أنه سينصف المقاومة التي هزمت أعتى جيش في شرق المتوسط، ولا يبدو أيضا أنه خرج من نير الاحتلال الإسرائيلي، رغم خروج الاحتلال من أرضه، إنه لا يزال يعيش الاحتلال في داخله. هو لم يصدق نفسه ولا مقاومته أنها انتصرت على الإسرائيلي. يبدو أن الوقت لديه متأخر أو ما شابه.
ومن الطبيعي بعدئذ أن يستعين لنفسه بتاريخ قريب يثبت من خلاله أننا لا زلنا في زمن الاحتلال الإسرائيلي فلا قدرة لنا على تحمل عدو آخر كالإرهاب وتداعياته.
إن المآزق المتولدة عن هذا النوع من الكتاب في لبنان تزيد في خطورتها عن جنس الاحتلال الجغرافي للعدو الإسرائيلي وتزيد في تدميرها وتخريبها للمنجزات الوطنية والتاريخية عما يفعله الإرهابيون التكفيريون. يكفي أنه ينحر في كل يوم الثقة بالمنجزات الوطنية للبنان ويكاد ينتحر هو أيضا من فرط ما يعيش.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.