مستقبل المواجهة على جبهة الشمال بعد انتهاء العدوان على غزّة

موقع العهد الإخباري-

شارل أبي نادر:

أصبح واضحًا أن مناورة حزب الله اليوم ضدّ “إسرائيل” مرتبطة بشكل كامل بعدوان الأخيرة على غزّة، وفور توقف هذا العدوان، يوقف حزب الله تدخله المباشر عسكريًا وميدانيًا على الجبهة الجنوبية، وتعود معادلات الاشتباك التي كانت سارية على حدود فلسطين مع لبنان كما كانت قبل طوفان الأقصى. وفي حال تجاوزتها “إسرائيل”، سيكون لحزب الله موقف واضح ردًا على ذلك، كان دائمًا يعتمده في تلك الحالات.

هذه الاستراتيجية التي يعتمدها حزب الله حاليًا- ربط تدخله جنوبًا بالحرب على غزّة- ثابتة ومؤكدة في كلّ قرارات وتصريحات الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله.

من جهة أخرى، فإنّ التعليق المنتظر لأعمال حزب الله العسكرية فور انتهاء الحرب على غزّة، والعودة إلى معادلات الاشتباك السارية، لن يمنعه من أن يتجاوب مع أي مبادرة سياسية وإقليمية أو غربية، لإطلاق تفاوض غير مباشر بين الدولة اللبنانية وبين كيان الاحتلال، لمعالجة عدة ملفات حدودية بين الطرفين، يطالب لبنان فيها دائمًا، ومنها انسحاب “إسرائيل” من أراضي لبنان المحتلة في مزارع شبعا وفي تلال كفرشوبا، وتسوية الوضع القانوني والجغرافي لـ١٣ نقطة حدودية ما يزال لبنان يتحفّظ عليها من ضمن خط انسحاب “إسرائيل” من لبنان استنادًا للقرار ٤٢٥، والذي رُسم في العام ٢٠٠٠ بإشراف مجلس الأمن وقوات الأمم المتحدة.

هذا لناحية موقف الدولة اللبنانية وموقف حزب الله ولكن، ماذا عن موقف “إسرائيل”؟

من الواضح أنه سيكون لـ”إسرائيل” مقاربة مختلفة للاشتباك بينها وبين حزب الله فور إنهائها عدوانها على غزّة، حيث ترى أن نقاطًا وخطوطًا وقواعد ومعادلات لهذا الاشتباك والمواجهة مع لبنان ومع حزب الله، والتي كانت معتمدة قبل طوفان الأقصى، لم تعد مناسبة أو صالحة بعده، وأسباب هذا الموقف الإسرائيلي المنتظر، يمكن تحديدها بالآتي:

أولًا – على خلفية طوفان الأقصى

من غير المنطقي ألّا تربط “إسرائيل” مستوى أي مواجهة مستقبلًا مع حزب الله مع ما حصل لوحداتها العسكرية ولمستوطنيها في غلاف غزّة في أثناء العملية المذكورة، وبمعزل عن قرار الحزب في تنفيذ أو في عدم تنفيذ عملية اختراق للحدود في عمق الجليل المحتل مشابهة للطوفان، فإنّ مسؤولي الكيان وقادته لن يخاطروا بتاتًا بعد اليوم بربط أمن شمال فلسطين المحتلة بقرار حزب الله في الدخول أو بعدم الدخول، حيث عند هؤلاء قناعة بأنّ للأخير قدرة غير بسيطة على النجاح في أي عملية اختراق يقررها، وهذه القناعة كانت قبل عملية طوفان الأقصى، لتتعزز اليوم بعدها بنسبة مرتفعة جدًا.

ثانيًا – حول قدرات حزب الله وأسلحته

أيضًا، وبعد أن كشف حزب الله عن مستوى معين من قدراته العسكرية وأسلحته النوعية، مثل الطائرات الانقضاضية وصواريخ بركان وفلق وكورنت المتطورة والماس (الموجهة بكاميرا ذاتية مع الصاروخ) وغيرها من الأسلحة “المناسبة”، من المنطقي أن ترى “إسرائيل” أيضًا أن حزب الله يملك قدرات نوعية أخرى لم يكشف عليها، وهذا الأمر استنادًا إلى استراتيجية الغموض التي يتبعها دائمًا في مواجهتها، وهي تعرف جيّدًا هذه الاستراتيجية.

وعلى أساس هذه المعرفة عند “إسرائيل” باستراتيجية حزب الله هذه، لن تخاطر بترك أي مواجهة منتظرة مستقبلًا بينها وبينه، عرضة لتدخله بأسلحة جديدة وغير مجربة سابقًا، والتي سيكون لديها حتمًا ميزات وإمكانات أعلى من تلك التي كشف عنها.

من هنا، ومع خشية “إسرائيل” من طوفان شمالي مشابه لطوفان الأقصى الجنوبي، ومع خوفها أيضًا ممّا يمكن أن يمتلكه حزب الله من أسلحة ومن قدرات، ومع استبعاد استعدادها للدخول في مواجهة أوسع من القائمة حاليًا على جبهتها الشمالية لأسباب كثيرة معروفة، ومع استبعاد قبولها أيضًا بالعودة إلى القواعد والمعادلات التي كانت سارية مع لبنان قبل عدوانها على غزّة، من الطبيعي أنها سوف تسعى للتوصل إلى وضعية مختلفة عن السابق، على مستوى المواجهة مع لبنان وعلى مستوى الاشتباك مع حزب الله، وبالتالي لن يكون أمامها إلا الانسحاب من المناطق المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومن النقاط الحدودية التي يتحفّظ عليها لبنان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.