مسيرةٌ قادتها شهداء

موقع العهد الإخباري-

ليلى عماشا:

في ذكرى الشهداء القادة، يستعيد الناس حكاية الأرض والمقاومة، مرحلة بعد مرحلة، وانتصارًا تلو انتصار.
بكثير من الحبّ يتوقفون أمام صورة الشيخ راغب وسيرته، أمام العمامة الثورية التي قاتلت المحتلّ يوم قيل “العين لا تقاوم المخرز” ويوم تحوّلت بيوت القرى إلى متاريس تقاوم وتبذل وتضحّي وتنتصر. يعودون إلى ما سُجّل من صوته وخطبه ويصغون اليه وكأنّهم يسمعونه للمرة الأولى، وعلى متن صوته يعودون إلى الثمانينيات، بين حنين لأيام كانت رغم الغربة فيها زاد القتال، وكان فم التنين مطبقًا على الأرض، وكان التفوّق العسكري الصهيوني بارزًا بحيث يظنّه الرائي نهائيًا وأبديا، وحيث كان عتاد المقاتل بضع طلقات ويقينًا.

ثم ينتقلون إلى السيّد عباس. يشمّون عبق عمامته المجاهدة التي وعدت المستضعفين أن “سنخدمكم بأشفار عيوننا” ويتلمسون صدق الوعد الذي كلّما مرّ عليه الزمن اشتدّ وضوحًا وازدادت دلالته. يحدّقون في حدّة عينيه المقاتلتين الصارمتين، ينظرون إلى ألق صوته الواثق بالمسيرة المقاومة، العارف بمقدّراتها، الموقن بنصرها. يحتمون بلهجته الممزوجة بلون تراب البقاع الأبيّ والتي حنّت على الجنوب حدّ الشهادة.

ثم يمضون بأرواحهم كلّها صوب الحاج رضوان. ينحنون بكلّهم قبلة على ترابه. يستعيدون اليوم الذي فيه عام بعد عام، يعود الخبر الذي أزاح اللثام عن اسم “الحاج” إلى عناوين الوجع الأولى، ينفتح الجرح وينزف كأنّ ليل١١-١٢ شباط موسمه، وهل جرح بعمق العماد يندمل بالوقتِ ويصير ندبة تتوه بين ما تلاها من جراح الأحداث!
١٥ عامًا مرّت ولم تزل أمسًا موحِشًا سبق سطوعًا ليس يغيب. منذ ذلك الصبح، والأمّة التي وجب أن تعرفه لأجلها وليس لأجله تفتقده، تتحسّس مواضع خطوه، وتدلّ على مفترقات النّصر بأن من هنا مرّ عماد.

في كفرسوسة-الشام دوّى الانفجار الذي رفعه شهيدًا، وفي كلّ قلب ولا سيّما حين تحين الذكرى ألف دويّ ينفجر، والحزن الذي يغمر الوجوه براقًا بالعزّة يحدّث عمّا لشهيد هذه الأمّة من أثر في القلوب، لا يزول.

جميلًا كان، كحروف في آية تبشّر المؤمنين بالنّصر الجميل، كشعاعٍ من شمس تشرق على بردِ المستضعفين في الأرض، كبسمة المقاتلين المتعبة بعد تطهير أرض الميدان من دنس العدا، كالدفء السيّال من وجه الشهيد الأخير قُبيل العبور، كأمانٍ لا يكفّ ولا يتعب، كصوتِ الأولياء وكرائحة الشوق في حكايا أهل العسكر عن أولى الطلقات ولون الراية وطعم الماء خلف الدّشم.

يتذكّر الناس عمادًا الذي بالشهادة عُرف القليل القليل من آثاره. يدخلون غار حكايته خاشعين، ويجدون في كلّ نظرة يلقونها بداخله قصّة جديدة عن القائد الذي عاش بيننا فيما كانت تبحث عنه وتتتّبعه كلّ مخابرات العالم المعادي للإنسانية، وعن مهندس الانتصارات وحامل أسرارها الذي عاش سرًّا ملثّمًا كلّما ظنّ المرء أنه عرفه، وجد أنّ ما لم يُعرف يزداد ويكثر.

في يوم ذكرى استشهاده، تتحوّل منصات التواصل إلى معرض ناطق عن حكاياه وصوره (مع الإشارة إلى أن منصّة “فايسبوك” تحظر عادة للحسابات التي تنشر صوره): تراه شابًا فتيًّا بعينين توغلان بالعزّة الثورية، وتراه متحدّثًا في جيش من شهداء عن الروحية التي هي الأصل، وترى الغصّة التي زفّته إلى أمّته شهيدًا وعرّفتنا باسمه وصورته.
من قربٍ كأنّه الصلة الوثيقة بين أهل البيت الواحد، ينظر أهل المقاومة حول القادة الشهداء، ويتفرّج العالم على المشهد الساحر الذي يحكي حكاية المقاومة، حكاية المسيرة التي قادتها شهداء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.