معادلة الميدان السورية تطيح مجلس التعاون الخليجيّ

rouhani - iran

ليلة الأول من حزيران، المقبل على الثاني منه، سينام أمير الكويت في طهران ضيفاً على الرئيس الإيراني ويلتقي كبار المسؤولين والقيادة الإيرانية العليا، ما سيعني ليس تسوية الخلاف التاريخي بين البلدين حول الجرف القاري المشترك فحسب، على ما ترغب الكويت من الزيارة، بل بداية النهاية للهدف الأساسي الذي لأجله شكل مجلس التعاون الخليجي، بحسب ما يقرأ متابعون مهتمون بما يحصل على مستوى العلاقات الخليجية ـ الإيرانية والعلاقات الثنائية بين دول المجلس.

نقول هذا ليس اعتباطاً، ولا من فراغ، بل إنّ كلّ الوقائع المتسارعة في المنطقة، وعلى خلفية تحوّلات الميدان السوري التي تشي بانقلاب موازين القوى لغير مصلحة الذين حاربوا إيران طوال ثلاثة عقود من الزمان، وشكلوا مجلس التعاون الخليجي على قاعدة مواجهة «الخطر الإيراني». واليوم يكابرون في استمرار الحرب على سورية على رغم تساقط جميع الأقنعة.

فزيارة الأمير صباح الأحمد الصباح هي الأولى له إلى الجمهورية الإسلامية منذ توليه الإمارة بعد وفاة الأمير جابر الأحمد الصباح الذي زار إيران في إطار حضور مؤتمر القمة الإسلامي عام 1997، على رغم انتظار الإيرانيين لها نحو عقدين من الزمان، وهذا الحدث بحدّ ذاته ذو دلالات مهمة جداً.

فالمتابعون الجيدون للعلاقات الثنائية الكويتية ـ الإيرانية، لا تزال كلمات وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي، وزير رفسنجاني، ترنّ في آذانهم. ومضى على ذلك أكثر من ستة عشر عاماً حين كان يقول لسفراء الكويت المتتالين: كلّما نقول لكم أين أصبحت زيارة الأمير ترسلون لنا وزيراً!

توقيت الزيارة نفسه يشي بأمور أكثر أهمية لا يعرفها إلاّ الرّاسخون في متابعة تحوّلات الموقف الخليجي من أمور عدة مهمة في المنطقة، ليس الموقف من إيران الجمهورية الإسلامية النووية سوى الأبرز من بين قضايا لا تقلّ أهمية.

نبدأ بالموقف من إيران:

يقول ديبلوماسي كويتي عريق إنّ الخليجيين عامة والكويتيين بشكل أخصّ يتحدثون دوماً عن خطرين إيرانيين، الأول التشيّع والثاني «الإيرانوـ فوبيا»، أي الخوف من النفوذ الإيراني!

الأول، في رأيه، صناعة خليجية بامتياز، غير موفقة، قامت على وهم صنعوه هم ثمّ صدقوه، والثاني مستورد من «إسرائيل» لأهداف باتت معروفة للرأي العام الخليجي، وسقطت مع تطورات الأوضاع المتسارعة على أكثر من صعيد.

زيارة أمير الكويت إلى طهران في بداية حزيران المقبل ستعني في ما تعني:

أولاً، سحب هذين الخطرين الموهومين من التداول في المحادثات والمناقشات على مستوى الكويت إيران، وكذلك وضع مسافة معلنة واضحة مع أيّ طرف خليجي لا يزال يكابر في مثل هذا الوهم المصطنع.

ثانياً، ولا يقلّ هذا أهمية عن الأول، إعلان كويتي صريح بأنّ الحرب العراقية التي فرضت على إيران في ثمانينات القرن الماضي، وبدعم خليجي وكويتي صريح وفاضح، وكان من تداعياتها الأهمّ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، تنتهي اليوم رسمياً مع وصول أمير الكويت الحالي إلى طهران.

أما على مستوى المسألة السورية:

يضيف الديبلوماسي الكويتي نفسه قائلاً إنّ كلّ ما اتخذ من قرارات ضدّ سورية تحديداً، وكلّ ما يتعلق بمحور المقاومة ثانياً، إنما صدر من عاصمة خليجية كبرى لم يكن أغلب أعضاء مجلس التعاون راضين عنها فضلاً عن أن يكونوا متماهين معها، والزيارة المرتقبة ستضع حداً لهذه الازدواجية.

بناء عليه أيضاً، إنّ تحوّلاً مهمّاً سيظهر في الأفق، وبشكل متسارع، حول العلاقة مع سورية وأطراف محور المقاومة ليس من جانب الدولة الكويتية فحسب، بل وكذلك من جانب غالبية مجلس التعاون الخليجي.

على مستوى الوضع الخليجي نفسه:

إنّ المطلعين على كثير من خبايا وخفايا الخلافات الحادة والجوهرية بين غالبية أعضاء المجلس الخليجي، وتلك الدولة الخليجية الكبرى، ستكون محلّ مناقشة جدية وعميقة في هذه الزيارة التاريخية.

ويعتقدون أنّ الزيارة ستكشف للإيرانيين الآتي:

أولاً: إن ما حاولته الكويت من رأب صدع داخلي بين أعضاء المجلس وتلك الدولة الخليجية الكبرى، وكان آخره إعادة مصالحة «بوس خشوم» بين قطر وتلك الدولة وحليفاتها، وصل إلى نهاياته ولم يعد ناجعاً.

ثانياً: إنّ العلاقة البينية التي تنام على مؤامرة إسقاط نظام خليجي على يد نظام خليجي آخر من خلال محاولة انقلاب مفضوحة وفاشلة، ثم تستيقظ على دعوة لوحدة خليجية كاملة تريد محو الخصوصيات لم يعد في إمكانها الاستمرار لا بالطريقة ولا بالأسس التي قام عليها المجلس…

لذلك فإنّ دعوات ضمّ الأردن والمغرب، أو تشكيل مجلس تعاون أمني موسع لمواجهة أخطار موهومة قديمة أو مستحدثة لا يعدو كونه اجتراراً فشل الماضي وحرب طواحين هواء احترفها البعض مكابرة وهرباً إلى الأمام.

في المختصر المفيد، ما جرى في العالم العربي من تحوّلات خطيرة منذ عام 2010، لا سيما بعد اندلاع الحرب الكونية على سورية، إنما يصل اليوم إلى واحدة من أهمّ محطاته هي إسدال الستار على مجلس التعاون الخليجي.

أخيراً وليس آخراً، لاحظوا أن الزيارة الأميرية إلى طهران تمّ توقيتها مع الاستحقاق الرئاسي السوري، ما يؤكد مرة أخرى وأخيرة هذه المرة أن كثراً قرروا التنصّل منها، وأنّ معادلات الردع الميدانية لمحور المقاومة على الأرض السورية بدأت تأتي أكلها، وأول الغيث الخط البياني المؤدّي إلى انحلال مجلس التعاون الخليجي عملياً.

محمد صادق الحسيني – صحيفة البناء اللبنانية

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.