موسكو في بغداد.. ما هي الدلالات؟

موقع العهد الإخباري-

عادل الجبوري:

حظيت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للعراق قبل أيام قلائل باهتمام كبير من قبل الأوساط السياسية العراقية وغير العراقية، ارتبطت بجملة أسباب وعوامل، من بينها الثقل والتأثير الكبير الذي تتمتع به روسيا على الصعيد العالمي سواء في هذه المرحلة أو خلال المراحل التاريخية المختلفة.

والعامل الآخر يتمثل بطبيعة العلاقات التي ربطت بين بغداد وموسكو في الماضي والحاضر، تلك العلاقات التي تشعبت بين الجوانب والمجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. وما يؤكد ذلك هو حجم الحضور الفاعل للشركات النفطية الروسية في سوق النفط العراقي خلال الأعوام الخمس عشرة الماضية رغم المحاولات والمساعي المحمومة للولايات المتحدة الأميركية لإبعاد غريمتها التقليدية روسيا عن مسرح العراق والمنطقة وابقائها معزولة ومنكفئة كما كانت لسنوات بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

والعامل الآخر المرتبط بأهمية زيارة الوزير لافروف لبغداد هو أن روسيا باتت لاعبًا مؤثرًا في منطقة غرب آسيا، لا سيما وأنها كانت طرفًا أساسيًا في منع إسقاط الدولة السورية مثلما خططت واشنطن وعواصم عالمية وإقليمية قبل اثني عشر عاما، فضلًا عن ذلك فإن الحرب الروسية الأوكرانية بكل اسقاطاتها وتداعياتها لا بد أن تكون حاضرة مع كل حراك سياسي ودبلوماسي واقتصادي.

إلى جانب ذلك، فإن زيارة الوزير الروسي جاءت متزامنة مع تحرك عراقي على أعلى المستويات لتعزيز سياسة العراق الخارجية والعمل على إخراجه من دائرة الهيمنة والنفوذ الأميركي بأبعاده وجوانبه المختلفة.

ولا شك أن تلك الزيارة لم تكن بعيدة عن أجواء زيارات مسؤولين كبار آخرين خلال الآونة الأخيرة، مثل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ووزير الخارجية المغربي ناصر بورتيبة، ومنسق البيت الأبيض الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكورك.

وبحسب أوساط ومصادر رسمية وغير رسمية بحث لافروف مع كبار المسؤولين العراقيين المعنيين سبل تفعيل وتعزيز عمل شركات النفط الروسية بعد انسحاب العديد من الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط العراقي خلال العامين الماضيين.

ويرى باحثون ومتخصصون بالشؤون الاقتصادية أن هناك توجهات من قبل روسيا لتعزيز التعاون مع العراق في مجال الغاز والنفط والطاقة، خصوصًا وأن روسيا لديها التأثير الكبير في سوق الغاز العالمية، علمًا أنها أبدت استعدادها لدعم الطاقة في العراق في مجال الغاز ليكون الى جانب النفط، أحد المصادر الرئيسية للدخل القومي للبلاد.

أما الملف الآخر الذي تم بحثه من قبل الوزير لافروف مع المسؤولين العراقيين فهو ملف التسليح، الذي يعود الى ما قبل حوالي عشرة أعوام أو أكثر، في سياق جهود العراق ومساعيه لتنويع مصادر تسليح المؤسسة العسكرية، وعدم الاقتصار على احادية التوجه في هذا الجانب.

ولعل مثل ذلك التوجه يعني فيما يعنيه إحدى أبرز الخطوات للخروج من دائرة الهيمنة الاميركية، وقد لوحظ خلال الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي بين عامي 2014 و 2017، زودت روسيا العراق بطائرات سوخوي المقاتلة التي كان لها أثر ودور مهم في تسريع تحقيق النصر على “داعش”، ومعالجة التلكوء والمماطلة الاميركية في مقاتلة ذلك التنظيم.

فضلا عن ذلك، فإن الدور الاستخباراتي والاستشاري الروسي في الحرب ضد الارهاب الداعشي التكفيري كان محوريا، من خلال غرفة التنسيق الاستخباري الرباعي التي انشئت في عام 2015 من قبل كل من العراق وروسيا وايران وسوريا، وهو ما أشار اليه الوزير في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره العراقي فؤاد حسين.

ويقول خبراء امنيون وعسكريون، إن العراق اعتاد على التسليح الروسي منذ فترات طويلة، لكن بعد عام 2003 تحول الى التسليح الامريكي بسبب الظروف التي افرزها الاحتلال الاميركي للبلاد بعد الاطاحة بنظام صدام، ويؤكدون أن “التسليح الاميركي كلف العراق مبالغ مالية كبيرة، بالاضافة الى ان السلاح والمعدات العسكرية واللوجستية الامريكية تحتاج الى صيانة بأكثر من كلفة الشراء، كما ان واشنطن لا تسلم العراق معدات التسليح والذخائر بكمية تسد حاجته”.

ورغم انه قد لا يخطئ البعض بقولهم ان روسيا المنشغلة في العملية العسكرية في اوكرانيا تسعى الى حشد المزيد من الحلفاء الى جانبها، ومن بينهم العراق، لما يمتلكه من امكانيات ومميزات جغرافية في منطقة الشرق الاوسط، إلا أنها ما زالت وستبقى طرفًا دوليًا فاعلًا ومؤثرا في مجمل المعادلات الدولية، وربما تكون العملية العسكرية في أوكرانيا قد أوضحت وكشفت الكثير من عناصر ومقومات قوتها وتأثيرها وحضورها.

وهي بقدر ما تحتاج الى العراق في اطار التحشيد وكسب الحلفاء، فإن الأخير يحتاج اليها في اطار سياساته الانفتاحية على محيطه الاقليمية وعلى الفضاء الأوروبي، وكذلك الآسيوي، وهو ما يغضب ويزعج واشنطن لأنه لا بد أن يفضي الى اضعاف قبضتها وتقليص نفوذها في العراق وعموم المنطقة.

وطبيعي أن ملفات الامن والاقتصاد والسياسة قد تداخلت في أجندة زيارة وزير الخارجية الروسي لبغداد، وهذا ما يعكس عمق العلاقات وتعدد وتنوع ملفاتها والاهمية القصوى التي تنطوي عليها بالنسبة لكلا الطرفين.

والنقطة المهمة الاخرى في زيارة لافروف، تمثلت في انها جاءت للتمهيد والتهيئة لزيارة مرتقبة من المزمع ان يقوم بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لروسيا خلال الفترة المقبلة، في سياق حراكه الاقليمي والدولي، الذي شمل حتى الان المانيا وفرنسا وايران والسعودية والكويت والاردن وقطر والامارات، ومن المرتقب ان يشمل الولايات المتحدة الاميركية ومصر والصين وباكستان ودول اخرى، وفق مبدأ “حرص العراق على إدامة العلاقات مع الأصدقاء، وتحرك الحكومة في مجال العلاقات الخارجية من منطلق المصالح المتبادلة والشراكات المستدامة”، كما اشار الى ذلك السوداني خلال لقائه عميد الدبلوماسية الروسية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.