نزاع المصالح يعصف بـ «الائتلاف السوري المعارض»

جريدة البناء اللبنانية-

رنا العفيف:

يُطرح اسم الائتلاف السوري المعارض من جديد، ولكن هذه المرّة من بوابة «النعي»… هل كان هذا الائتلاف على قيد الحياة؟ ولماذا تريد تركيا إحياءه اليوم؟
أعلن الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب وفاة الائتلاف، معتبراً أنّ هناك تهديداً مشيناً لإجبار الأعضاء على التصويت لقيادة مفروضة عليه، وقال في منشور على منصة «أكس» إنّ السوريين يلعنون جُبنه السياسي وانتهازيته، وأضاف لم يبكِ عليه أحد ولا حزن عليه أحد ولن يحضر جنازته المشؤومة أحد، فالمُرتدّ عن وطنه تحرُم الصلاة عليه بحسب تعبيره.
وكذا شارك الخطيب بياناً لنصر الحريري رئيس هيئة التفاوض السوري السابق ينقل فيه تهديد ما يُسمّى رئيس الحكومة المؤقت عبد الرحمن المصطفى واستخدامه ألفاظاً نابية لفرض هادي البحرة رئيساً جديداً للائتلاف في الانتخابات خلفاً لسالم المسلط…
أيضاً أشار الحريري إلى مجموعة مُهيمنة داخل الائتلاف تستأثر بقنوات التواصل مع الخارج، لافتاً إلى أنّ هذه المجموعة من خلال هذه السياسة، قرّرت خوض معارك تصفية الحسابات وتعزيز النفوذ ومواجهة الخصوم داخل الائتلاف، كما وجّه انتقادات لتركيا لما قال إنها ضغوط وتدخلات تُمارس باتجاه اختيار شخصيات محددة لقيادة الائتلاف…
تكشف هذه التطورات عن حجم الخلافات وانعكاساتها على الداخل، وتُضاف إليها النزاعات المزمنة بين أعضاء الائتلاف التي ربما أدّت إلى طيّ صفحاته كمؤسسة مرجعية للمعارضة السورية، ولكن المسألة في هذا المسار منذ السنوات الماضية من الحرب، الائتلاف لم يكن فاعلاً، وهو تحصيل حاصل شكل من أشكال الريعية، صحيح أنه في مرحلة من المراحل كان منبراً للخطاب السياسي، ولكنه ليس تمثيلياً إنْ صحّ التعبير، وبالتالي هو ليس على قدر كبير من الأهمية لتنظر إليه دمشق، إذ يعلم جميع المراقبين بأنّ الخطاب السياسي في سورية يقول إنّ الائتلاف واللجان المنبثقة عنه مثل اللجنة الدستورية وحتى بعض الوفود التي شاركت في اجتماعات آستانة، دمشق تقول بأنها تفاوض تركيا في المقام الأول وليس هذه التشكيلات السياسية التي تبدو أقرب إلى منابر ريعية أو «ميديائية»، لنقل إنْ أمكن التعبير إنها تمثل في بعض الأماكن أو الجزئية بعض التنظيمات المسلحة.
وبالتالي عندما يتحدث معاذ الخطيب ويقول المرتدّ عن وطنه تحرم الصلاة عليه كما وصفها بالمشؤومة ويلعن الجُبن السياسي والانتهازية التي تتمتع بها هذه المنصة، يعني بأنّ هذا الائتلاف لم يعد صالحاً بالتمام، وكلّ ما تحدث به وأيضاً خصومه يتحدثون من طرف لآخر نعتبره صحيحاً بشكل أو بآخر… لماذا؟
لأنّ هذا الائتلاف في الأساس هو تشكيل صراعات مواقع كتقييم أوّلي، بمعنى أنه صراع المصالح بين الأطراف وليس صراعات سياسية بين قوسين، صراع على الموارد، والائتلاف نفسه هو ظاهرة ريعية، وعندما كانت هناك موارد كثيرة لم يكن الصراع بادياً بالقدر الذي يبدو اليوم، ما يشي بأنّ أولويات الداعمين اختلفت ولم تعد هناك من يوليها اهتماماً حتى من الدول التي تأتلف حوله، بما في ذلك تركيا التي يظهر عليها أنها غيّرت في مقاربتها وتقديرها للائتلاف ومن كلّ المعارضة، قد يبدو هناك تغيير كبير في المقاربة التركية هذا من ناحية.
أما الناحية الآخرى التي تتعلق بما كشفه الخطيب وكذلك عبد الرحمن المصطفى في محاولة فرض كما قيل رئيس جديد لهذا الائتلاف، وهنا نتحدث عن جزئية طيّ صفحة الائتلاف كمؤسسة مرجعية تمّ الاتفاق عليه من قبل قوى إقليمية لتمثل هذه المعارضة في ذاك الحين عام 2012 واستمرت لسنوات معدودة، كانت بمثابة الوكيل عن المصالح وعن أوامر تُملى بها من قبل هذه الدول والولايات المتحدة، يفضي ذلك بأنّ هناك رسالة واضحة لتركيا متعلقة بالمصالح التركية، لأنّ الائتلاف هو جزء من السياسة الخارجية التركية، وبالتالي فإنّ المصالحة التركية السورية في هذه الجزئية، وهذه نقطة هامة لأنها ستحدث شرخاً كبيراً على الأقل، لأنّ المواجهة في داخل الائتلاف ستكون على هذا الشكل.. هل أنت تركي أم سوري؟ وقد تؤثر بشكل كبير من الناحية الأيدليوجية وأمور أخرى تمسّ هذا السياق، وبالتالي يمكن القول بأنّ النزاع على المصالح سيكون المسمار الأخير الذي يدقّ في نعش الائتلاف… هذا على الصعيد الداخلي.
أما من الناحية السياسية ربما سيتمّ توظيفه من قبل تركيا لأنّ هناك قلة باقية موجودة في الائتلاف وهم ليسوا على وفاق مع الفكرة التي طرحها معاذ الخطيب، وهي مرتبطة بما يحصل على الأقلّ دولياً تتمحور حول الاجتماعات التركية الإيرانية الروسية السورية والتقاربات وإلى ما شابه من حراك يتمّ التنسيق بجهود إيرانية روسية بخصوص إعادة فتح العلاقات بين تركيا وسورية تحت رعاية الجهود الروسية الإيرانية، وطبعاً كان واضحاً وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد عندما قال لن تعود العلاقات مع تركيا إلى طبيعتها، إلا بعد انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ووقف دعم الفصائل المسلحة، لذلك ربما تسعى تركيا من خلال هذه الرسالة إلى تقوية الائتلاف كورقة تفاوض ربما، وإعادة إحياء الائتلاف وتقديمه على أنه الممثل الأقوى للمعارضة، ولكن ربما لا تنجح بهذه الخطوة، لأنّ ما قاله الوزير المقداد يحدّد الثوابت التي تحكم الموقف بين تركيا وسورية من منظور دمشق، والجهود التي تُبذل من قِبل روسيا وإيران من أجل فتح مسار العلاقات بين البلدين، قد تكون هناك توقعات أو شيء ما يحصل في مسار السياسة يحدث على الأرض وخاصة في قضايا اللاجئين وبعض القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وما ظهر منها على خط الفرات، وإلى ما هنالك من أمور معقدة، هذه الجزئية تكمن عند صانع القرار في دمشق وربما لا يعنيها ما يحصل في هذا الخضمّ، لأنّ هذا الائتلاف ليس له وزن أو فعل حتى ولو هندست ذلك تركيا، لم يعد أحد يتذكر هذه المعارضة الخارجية في سورية.
اليوم يترقّب البعض الخطوة التركية التي تحاول نفخ الروح فيها لأنها بحاجة له كواجهة سياسية لها في المرحلة المقبلة، وربما لا تُجدي نفعاً، لأنّ هذا الائتلاف وكيل للولايات المتحدة التي تدفع به كمرشح جديد حالي على اعتبار أن له ارتباطات مع أجندات خارجية أوروبية لتبقى مسألة الخيارات الكبرى تعتمدها تركيا في إدراتها…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.