نوري المالكي وأحداث العراق .. في الميزان

nouri-maleki4

موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبير:

عملية الاستقراء تعني ببساطة بناء مقولات عقلية، أي مفاهيم وأحكام على مدركات حسية أي بيانات. من أشهر العمليات الاستقرائية الرائعة قوانين مندل الشهيرة في الوراثة حيث حصد بيانات نبات البازلاء، وقد استوعب كل التطورات اللاحقة في علم الوراثة بما فيها الوراثة الجزيئية استوعب استقراءات مندل.

وللوصول إلى أحكام صادقة لا تكفي مصداقية البيانات، بل يجب أن يكون هناك تمييز دقيق بين المفاهيم تعكس طبيعة الظاهرة إذا ما كان الأمر متعلقاً بظاهرة ملموسة، وهو ما يعني وجوب مراعاة الدقة في استخدام المصطلحات. فيجب التفريق على سبيل المثال بين من أتى على الدبابة الأمريكية مثل أحمد الجلبي ومن أتى في الظلال مثل كل من كانوا خارج العراق نتيجة ممارسات صدام حسين ضدهم سواء كانت على حق أم تعسفية. نوري المالكي لم يأتِ على ظهر الدبابة الأمريكية مثل أحمد الجلبي، بل أتى في ظل الاحتلال أي بعد سقوط نظام صدام. وهناك فرق بين الوضعين.

بالنظر في خلفية نوري المالكي التعليمية فهو خريج كلية أصول الدين في بغداد، وحصل على ماجستير في اللغة العربية من جامعة صلاح الدين في أربيل. عندما أصدر صدام حسين قرارا بحظر حزب الدعوة، ومن ثم تجريم منتسبيه، وما أسهل أن تصل العقوبة في عهد صدام إلى الإعدام، فقد صدر عليه حكما بالإعدام. عندها فرّ المالكي والعديد من منتسبي حزب الدعوة إلى سوريا. وبقي في سوريا إلى 1982، حيث ذهب إلى إيران. إنقسم حزب الدعوة إلى جناحين في اتجاه الحرب العراقية الإيرانية. جناح مؤيد لإيران وانضم إلى الجيش الإيراني في محاربة الجيش العراقي خلال حرب الخليج الأولى. والجناح الثاني رفض المشاركة في الحرب. كان المالكي من الجناح الثاني الذي رفض الانضمام إلى الجيش الإيراني في مقاتلة الجيش العراقي خلال حرب الخليج الأولى، ورجع إلى منفاه في سوريا إلى أن سقط نظام صدام حسين فعاد إلى العراق.

المالكي كما نرى رجل بسيط غير متمرس في دهاليز السياسة، فهو رجل دعوة، يعني شيخ، وقد وقع نتيجة لذك في أخطا كبيرة، مثل تغليب الجانب الأيديولوجي على الجانب السياسي، وقد رأينا هذا في مواقف مثل موقفه من قانون اجتثاث البعث. فحزب البعث الذي جلس في حكم العراق ما يزيد عن الثلاثة عقود قد بنى طبقة من المنتفعين أحدهم من آوى صدام حسين والذي قام بالتبليغ عنه للحصول على الجائزة المخصصة لذلك.
ومن أخطائه عدم احتواء ميليشيات الصحوات – وهي سنية – في الجيش العراقي، فكان أن ظهر كأن له موقفاً من أهل السنة. كما أن ملاحظته عن الحرب بأنه يرى أنها تتحول إلى حرب سنية شيعية، وهي ملاحظة عفوية وقالها في تصريحه بنوع من الاستغراب! وأخذت ملاحظته على أنها تصريح منه بحرب طائفية. مع أن المحاولات تجري على قدم وساق لبناء الخلافة الفتنوية لإعادة السيناريو العثماني الصفوي! ومن أخطائه أيضا عدم استيعاب طارق الهاشمي، وتقديمه لأردوغان كورقة لتعزيز الفتنة الطائفية.
لكن في المقابل نرى الرجل يحاول جاهداً المحافظة على وحدة العراق. وقف في وجه كردستان العراق لمنع انفصالها، ورفض تبعية كركوك لكردستان العراق. وهو يعلم أن إيران قوة إقليمية وهو يسير على حبل مشدود بين طرفين متناقضين، الولايات المتحدة وإيران. فكسب الجمهورية الإسلامية الى جانبه في مواجهة الشرذمة التي تريدها أطراف كثيرة للعراق. لذا أول شي عمله رئيس وزراء ما يسمى بإقليم كردستان العراق هو السفر إلى طهران لجس النبض، في الوقت الذي أعلن رئيس الإقليم أن الأمور لن تعود إلى ما قبل حوادث الموصل. وسيطر على آبار نفط كركوك وبدأ يصدر النفط إلى إسرائيل!

الرجل نظيف على ما يبدو ولا نزكي على الله أحداً، هذا ما تقوله بياناته. وهو يسعى للمحافظة على وحدة العراق، وإن كان ينقصه البعد الاستراتيجي. لذا هو بحاجة إلى طاقم خبراء مثل طاقم المقاومة الإسلامية في لبنان. وفي هذا السياق لا يمكن مقارنة المالكي وحزبه بتنظيم داعش وثوار قطع الرؤوس وهمجيتهم، ولا يمكن أن يقارن بخيانة الأحزاب الكردية التي جعلت من كردستان العراق مرتعاً للموساد الإسرائيلي.

الولايات المتحدة لا تريده، وجولة كيرى الأخيرة تدل على ذلك من خلال الالتفاف على نتائج الانتخابات الأخيرة والتي حصد فيها نوري المالكي حجماً كبيراً من أصوات السنة.
في الانتخابات السابقة أيضا، كان دفع السعودية باتجاه أياد علاوي من القائمة العراقية باعتبارها تمثل السنة، مع أن علاوي نفسه شيعي! ثم قيل إن الكتلة التي لها أكبر عدد من المقاعد هي التي تشكل الحكومة، باعتبار أن الكتلة العراقية بزعامة علاوي هي التي حصلت على الأصوات.
لكن من قال بهذا المبدأ في العملية الديمقراطية؟!
في الانتخابات الألمانية في عام 1969 كانت نتيجة الانتخابات أن لا حزب يستطيع بمفرده تشكيل الحكومة. وكان حزب التجمع المسيحي (الديمقراطي والاشتراكي) أكبر عدد من المقاعد وهو 250 مقعدا بنسبة 48,3%، يليه الحزب الاشتراكي 237 مقعدا بنسبة 45,7% ثم حزب الأحرار 31 مقدا بنسبة 6%. فقام فيللي براندت واتفق مع الأحرار بقيادة فالتر شيل وأصبح براندت هو المستشار الألماني. أكبر كتلة نيابية وكل هذه الاختراعات هي للالتفاف حول الديمقراطية. وكيري اليوم يلف في جولة يريد حكومة وحدة وطنية! وهي طريقة للالتفاف على الديمقراطية! فالذي يحكم حسب النظم الديمقراطية البرلمانية هو الفريق الذي يستطيع أن يؤمن النصاب في البرلمان للتصويت على الحكومة، وليس الذي يحصل على أكبر نسبة مقاعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.