هل تحظر قمة فيينا الطائرات المسيرة؟

صحيفة البعث السورية-

سمر سامي السمارة:

نتيجة للتحليل غير الدقيق للبيانات من قبل مشغلي الطائرات بدون طيار، لقي آلاف المدنيين الأبرياء في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن وليبيا وسورية وغزة وغيرها من البلدان حتفهم.

يُظهر واقع الحال، أن تغيير طريقة خوض الحروب الوحشية أمر بالغ الصعوبة، لكنه ليس مستحيلاً، فقد أدت الجهود العالمية الهادفة إلى تنظيم أو تقييد أو إزالة أسلحة معينة إلى وضع العديد من المعاهدات والصكوك المتعددة الأطراف، منها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، واتفاقية الأسلحة البيولوجية والكيميائية، واتفاقية مكافحة الألغام الأرضية المضادة للأفراد، واتفاقية الذخائر العنقودية.

ومع ذلك، من الواضح أن الدول التي تريد الاستمرار في استخدام هذه الأسلحة لن تحذو حذو الغالبية العظمى من دول العالم، ولن توقع على تلك المعاهدات، فقد رفضت الولايات المتحدة، والدول الثماني الأخرى المسلحة نووياً التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية.

وبالمثل، رفضت الولايات المتحدة، و15 دولة أخرى التوقيع على حظر استخدام القنابل العنقودية، كما رفضت الولايات المتحدة، ومعها 31 دولة أخرى التوقيع على معاهدة حظر الألغام الأرضية.

ومع ذلك، فإن الدول “المارقة” التي تروج للحرب، مثل الولايات المتحدة، والتي ترفض التوقيع على المعاهدات التي تريدها غالبية دول العالم، لم تتمكن من ثني أصحاب الضمائر والمسؤولية الاجتماعية عن محاولة إعادة إدارات هذه البلدان إلى صوابهم للحفاظ على الجنس البشري.

من المؤكد، أن النشطاء على دراية بأنهم يواجهون صانعوا الأسلحة الأثرياء، وأصحاب الشركات التي تقدم الدعم للسياسيين في الدول التي تشن الحروب، من خلال التمويل وتقديم التبرعات لحملاتهم الانتخابية.

مبادرة في فيينا

في مواجهة هذه الصعوبات، يعتزم المشاركون في القمة الدولية من أجل السلام التي ستقام في فينا في 10 حزايران الحالي، إطلاق مبادرة “حظر فئة محددة من الأسلحة”.

وقد تبين أن الطائرات بدون طيار، هي من أكثر أسلحة الحرب المفضلة في القرن الحادي والعشرين، بحيث يمكن للمشغلين البشريين من خلال هذه الطائرات الآلية، مراقبة الكاميرات الموجودة على متن الطائرة وهم على بعد عشرات الآلاف من الأميال.

في الحقيقة، تُظهر التقارير أنه نتيجة تحليل البيانات غير الدقيقة من قبل مشغلي الطائرات بدون طيار، لقي الآلاف من المدنيين الأبرياء حتفهم بواسطة صواريخ هيلفاير، وغيرها من الذخائر التي أطلقها مشغلوا الطائرات بدون طيار.

ولم تستثني هذه الطائرات المدنيين الأبرياء الذين كانوا يحضرون حفلات الزفاف ومراسم العزاء، حتى أولئك الذين يأتون لمساعدة ضحايا الضربة الأولى بطائرة بدون طيار قتلوا فيما يسمى بـ “الضربة المزدوجة”.

في السنوات الأخيرة، حذت القوات العسكرية في العديد من دول العالم حذو الولايات المتحدة في استخدام الطائرات بدون طيار المميتة، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة استخدمت طائرات بدون طيار في أفغانستان والعراق، وقتلت الآلاف من المواطنين الأبرياء في تلك الدول.

للمفارقة، تَعد الطائرات بدون طيار، بالنسبة للقوات العسكرية، طريقة آمنة وسهلة لقتل الأعداء، حتى أنه يمكن اعتبار الضحايا من المدنيين الأبرياء “أضرار جانبية” ونادراً ما يتم إجراء تحقيق حول المعلومات الاستخباراتية التي أدت إلى مقتل المدنيين. حتى أنه في حال تم إجراء تحقيق عن طريق الصدفة، فسيتم منح مشغلي الطائرات بدون طيار، ومحللي الاستخبارات مسؤولية اغتيال المدنيين الأبرياء خارج نطاق القضاء.

في هذا الصدد، كانت إحدى أكثر الأمثلة شيوعاً على قتل المدنيين الأبرياء بواسطة طائرات بدون طيار في مدينة كابول في شهر آب عام 2021، وذلك أثناء انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، فبعد تتبع سيارة بيضاء لساعات كان محللوا الاستخبارات يعتقدون أنها سيارة تابعة لتنظيم “داعش” ومليئة بالمتفجرات، أطلق مشغل طائرة أمريكية بدون طيار صاروخ هيلفاير على السيارة أثناء دخولها منزل صفير. لكن في نفس اللحظة، خرج سبعة أطفال صغار متسابقين إلى السيارة لركوب المسافة المتبقية داخل المجمع.

وصف كبار العسكريين الأمريكيين في البداية مقتل مجهولين بأنه ضربة “صحيحة” بطائرة بدون طيار، ولكن عندما حققت وسائل الإعلام في من قُتل في غارة الطائرة بدون طيار، اتضح أن سائق السيارة كان زيماري أحمدي، وهو موظف في منظمة التغذية والتعليم الدولية، وهي منظمة إغاثة مقرها كاليفورنيا، وكان يقوم بعمل روتيني يومي لتسليم المواد إلى مواقع مختلفة في كابول.

عندما كان زيماري يصل إلى المنزل كل يوم، كان أطفاله يسارعون للقاء والدهم وركوب السيارة إلى حيث سيتوقف. قُتل ثلاثة بالغين وسبعة أطفال فيما تم تأكيده لاحقاً على أنه هجوم “مؤسف” على مدنيين أبرياء، ومع ذلك لم يتم توجيه اللوم أو معاقبة أي عسكري لارتكاب الخطأ الذي أودى بحياة عشرة أشخاص أبرياء.

على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، كانت القصص التي ترويها العائلات التي فقدت أحباء أبرياء بسبب الغارات التي تشنها الولايات المتحدة بطائرات بدون طيار من على بعد مئات إن لم يكن آلاف الأميال في أفغانستان وباكستان واليمن وغزة متشابهة.

بالرغم من عدد الضحايا الكبير، ترى الإدارة الأمريكية أن قتل المدنيين الأبرياء أسهل وأكثر أماناً من وضع أفراد قواتها على الأرض لإجراء تقييمات في الموقع.

من المؤسف، أنه لن يتوقف عدد الضحايا حتى يتوقف نظام الأسلحة هذا، كما ستزداد المخاطر مع تولي الذكاء الاصطناعي المزيد والمزيد من قرارات الاستهداف والإطلاق.

ومع ذلك، يرى محللون أن مسودة المعاهدة هي الخطوة الأولى في المعركة الشاقة لكبح جماح حرب الطائرات بدون طيار المؤتمتة والمسلحة بشكل متزايد، وتحقيقاً لهذه الغاية، ستقدم الحملة الدولية لحظر الطائرات بدون طيار هذا البيان في فيينا في حزيران وستنقله في النهاية إلى الأمم المتحدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.