هل يمكن للصين أن تقود حلًا دبلوماسيًا للصراع في السودان؟

موقع الخنادق-

زينب عقيل:

نجحت الصين في إجلاء الآلاف من مواطنيها ومواطني دول أخرى في المراحل الأولى من الصراع، في حين فشلت بقية دول العالم في القيام بذلك. كان هذا ممكنًا بسبب الميزة الدبلوماسية للصين وقوتها الاقتصادية الناعمة، لجعل الأطراف المتنازعة تحفظ أمن الصينيين وشركائهم.

يرجع تاريخ العلاقات الاقتصادية الفعلية بين السودان والصين إلى سبيعينيات القرن العشرين في فترة النشاط الصناعي المكثف في السودان وخاصة في مجالات التعدين والتنقيب عن النفط. أما على المستوى السياسي، فقد التزمت الصين في خطابها بمبدأ السيادة، في مقابل التدخّل الغربي، الذي طالما انتقد السودان في مجالات حقوق الإنسان، والممارسات السياسية. عام 1993، أدرجت الولايات المتحدة السودان على أنها دولة راعية للإرهاب. وبالنسبة للصين كان ذلك فرصة لتوسّع الاستثمارات في قطاع النفط السوداني، وبقي عمر البشير حليفًا مهمًا لبكين، التي تعهدت بدعمه في مواجهة مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.

نهج الانتظار والترقب

بعد الإطاحة بعمر البشير أصبح النفوذ الصيني محدودًا. خاصة أنّ الأنظمة المتعاقبة، استولت على السلطة من خلال تعهدات او أطر سياسية للأطراف الإقليمية همشت الصين في عمليات صنع القرار. وعلى الرغم من أنها احتفظت بوجود اقتصادي واستثماري كبير، إلا أنها غابت عن كافة المشهد السياسي وحتى جهود السلام (2019). ومع التركيز على استثماراتها، حافظت بكين على نهج الانتظار والترقب، وبقيت الصين ثاني أكبر شريك تجاري بعد الإمارات، حيث تشارك حوالي 130 شركة صينية بنشاط في مجال الاستثمار في السودان. وتشارك هذه الشركات بنشاط في صناعات التعدين الواسعة في السودان من الذهب والكروميت والرخام من بين المعادن الأساسية الأخرى. وقد قدرت هذه الاستثمارات بأكثر من 100 مليون دولار ومن المتوقع أن تستمر.

وبين عامي 2011 و2018، منحت بكين ما يقدر بنحو 143 مليون دولار فقط للخرطوم كجزء من مشروع مبادرة الحزام والطريق الكبير، وهو رقم يتناقض بشكل صارخ مع استثمار الصين في السودان قبل عام 2011، والذي بلغ 6 مليارات دولار بين عامي 2003 و2010.

هل يمكن لبكين أن تقود حلًا دبلوماسيًا للصراع؟

بالطبع ستتشابك هذه الاستثمارات من العمق مع اقتصاديات الصراع السوداني. حيث تحتاج أطراف النفوذ والصراع إلى امتلاك حصص مسيطرة في بعض شركات الطاقة والمعادن الأساسية. وهو ما يفعله تمامًا حميدتي وقائد الجيش كأحد روافد التمويل لمؤسستيهما.

في أعقاب الإطاحة بالبشير عام 2019، عاد الجيش إلى الظهور في عام 2021 وأطاح بالحكومة التي يقودها المدنيون في إطار ما يسمى بمجلس السيادة، الذي تلقى دعمًا هائلًا من الغرب وأجهزته المالية الدولية ولاسيما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وليس خافيًا أنها جهات مثبطة لأي استقرار، كما أثبتت التجارب المتكررة. وهي تميل إلى التسبب في المزيد من المشاكل في سياق مشحون سياسيًا ومجزّأ فصائليًا مثل السودان، وهذا ما أشار إليه الباحث السوداني المقيم في كامبريدج شاراث سرينيفاسان في كتابه “عندما يقتل السلام السياسة”، ولكن مع ادعاء حسن النية لعروض السلام النيوليبرالية. واليوم نشهد مبادرات ومحادثات فاشلة من جدة إلى أديس أبابا، تتميز أنها برعاية أمريكية. وبأنها لم تحمل حلولًا جدية.

من الناحية النظرية، يتم طرح هذا السؤال: هل يمكن لبكين أن تستخدم هذا النفوذ أيضًا للضغط في إنهاء الصراع؟ بالنظر إلى انعدام الثقة الذي لا يزال قائمًا بين الجنرالين ضد المبادرات الأمريكية – العربية. إذ انسحب الوفد الممثل للجيش من قمة جدة، ولم يحضر الطرفان في قمة إيغاد؟ خاصة أنّ الصين تملك رأس مال سياسي واقتصادي قوي للعمل مع الاتحاد الافريقي، جعل الاتحاد أكثر استجابة للصين من واشنطن. وبكين تشترك مع الاتحاد الإفريقي في رؤية “الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية”، والتي تشكل امتدادًا خطابيًا لسياسة صنع السلام الصينية القائمة على مبدأ عدم التدخل.

السودان مستنقع سياسي وأمني معقد

الواقع أن السودان هو مستنقع سياسي معقد للغاية في وسط جيوسياسي يمتد من البحر الأحمر إلى منطقة الساحل والقرن الإفريقي، ولكل واحد من هؤلاء شبكة إقليمية يتمّ حلّ مشاكلها من خلال إدارة التناقضات. على سبيل المثال، كانت تشاد، الجارة الغربية للسودان، هشة تاريخيًا وتسيطر عليها الميليشيات. من ناحية أخرى، تتعافى إثيوبيا على الجبهة الشرقية ببطء من صراع مسلح استمر عامين مع الجماعات الانفصالية التيغراي، بينما ينفذ جنوب السودان بشق الأنفس اتفاق سلام هش . ويمكن لجميع هذه الدول أن تنفجر في حرب إقليمية أو داخلية. وهو الأمر الذي يتعارض مع سياسة الصين الخارجية للاستثمار الاقتصادي.

إلى ذلك، ثمة دينامية سياسية تديرها الدول الخليجية من شأنها أن تحدّ من تدخّل الصين. فالسعودية والإمارات يُنظر إليها على أنها تؤيّد توطيد قوات الدعم السريع لأسباب اقتصادية وأمنية، كما كان الخليج عاملًا أساسيًا ورائدًا في الإطاحة بعمر البشير حليف الصين.

فهل يمكن للصين أن تحقق رؤيتها للسلام دون أن تدخل المستنقع؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.