هل يُسرّع تفجير الضاحية الجديد معركة القلمون؟

da7ye-bomb-jan2

موقع النشرة الإخباري –

ناجي س. البستاني :

على الرغم من انّه لا يزال بَاكراً (وربّما غير مُنصف أيضاً) الخوض في تحليل وقائع وتداعيات التفجير الإرهابي الجديد الذي استهدف الضاحية، وتحديداً منطقة حارة حريك فيها، في الوقت الذي لم تُدفن فيه بعد جثامين الشهداء، ولم يخرج كل الجرحى من المستشفيات، إلا أنّه من الممكن تسجيل سلسلة من الإستنتاجات السريعة، وهي:
أوّلاً: لقد ثبت أنّ انتحارياً كان داخل السيارة المفخّخة، بغضّ النظر إذا ما كان يريد الوصول إلى المكتب السياسي لـ”حزب الله” في المنطقة – كما تردّد، أو إلى أيّ هدف آخر، أكان مدنياً أو حزبياً. وبالتالي، صار واقع التدرّج من مرحلة إطلاق بضعة صواريخ على الضاحية عن بُعد، أو وضع عبوة ناسفة ضد موكب لعناصر من “الحزب”، إلى مرحلة العمليّات الإنتحاريّة الدمويّة، ثابتاً بعد تنفيذ أكثر من عمليّة تفجير إنتحاريّة. وهذا يعني ارتفاع نسبة المخاطر الأمنيّة، وتضاؤل القدرة على وقف هذا النوع من الهجمات الإرهابيّة، حتى في حال تطبيق إجراءات وقائية في غاية التشدّد. والسبب أنّه بإمكان أيّ انتحاري الإقتراب من أيّ نقطة تفتيش مزدحمة بالمواطنين، وتفجير نفسه بكل بساطة!

ثانياً: إنّ الهدف من العمليّة توجيه ضربة جديدة لـ”حزب الله” ولبيئته الحاضنة، عبر إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشريّة، نظراً إلى توقيت التفجير الذي جاء في وقت الذروة المسائية، أي عند خروج الناس من أعمالهم ووجودهم على الطرقات في طريق العودة إلى المنازل. وبالتالي إنّ حجم العبوة المُتواضع نسبياً، لا يعود إلى نيّة مُسبقة لدى الإرهابيّين بتخفيف الأضرار والخسائر، بل على الأرجح إلى صعوبة الخليّة المنفّذة في تأمين قدر أكبر من المواد المتفجّرة.

ثالثاً: إنّ “حزب الله” الذي يمارس جُهداً جبّاراً لتبرير سقوط العديد من مقاتليه في المعارك داخل سوريا، يَشعر بضغط معنوي كبير نتيجة الفشل في توفير الحماية للبيئة الحاضنة له. ومن شأن الإنفجار الجديد في الضاحية أن يدفعه إلى إتخاذ قرارات متشدّدة لتوفير الحماية للمدنيّين، في ظلّ تنامي المخاطر مع دخول الإنتحاريّين على خط المواجهة. وبعد أن تسبّبت حواجز الأمن الذاتي بإرهاق الضاحية إقتصادياً نتيجة زحمة السير ومعاناة المرور على الحواجز، وكذلك بمشاكل عدّة بين بعض الأهالي والعناصر المُنتشرة على هذه الحواجز، طلب “الحزب” المساعدة من الجيش اللبناني الذي أقام مجموعة من نقاط التفتيش الثابتة، من دون أن ينجح في إزالة الخطر بشكل كامل. واليوم، صار “حزب الله” أكثر قناعة من أيّ وقت مضى، بأنّ حماية الضاحية وغيرها من مناطق إمتداده الشعبي، لا يكون بالحواجز الأمنية الذاتية ولا بحواجز الجيش اللبناني فحسب، بل بمهاجمة معاقل التفخيخ والتي تتمثّل -بحسب وجهة نظره- بقرى وبلدات القلمون الواقعة تحت سيطرة المعارضة السوريّة المسلّحة. وهذا الأمر سيؤدي إلى تسريع قرار مُهاجمة هذه المنطقة، بعد أن كان حلول فصل الشتاء، مع ما يحمله من صقيع وثلوج، قد جمّد العمليات الأمنيّة إلى حد بعيد.

رابعاً: كان لافتاً تركيز وسائل الإعلام التابعة لـ”حزب الله” على أنّ مسار السيارة المُفخّخة بدأ من عرسال، حيث أوردت في غضون ساعات قليلة من الإنفجار أسماء المالكين المُتَتالين للسيارة المُفخّخة، وحدّدت مسارها من هذه المنطقة البقاعية إلى الضاحية. وتقاطعت هذه المعلومات مع تقارير إعلاميّة تحدّثت عن سرقة السيارة من مالكها الأخير، في مقابل معلومات أخرى تحدّثت عن تسليمها طوعاً إلى خليّة إرهابيّة. وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن صحّة كل هذه الأخبار والروايات، الأكيد أنّ الحملة الإعلامية التي كانت بدأت منذ مدّة على عرسال والقلمون ستبلغ الذروة في المستقبل القريب. وهذا الأمر يفتح الباب واسعاً أمام إحتمال إعادة وضع خطة الهجوم على القلمون على نار حامية، وذلك بهدف قطع التواصل بين المناطق الحدودية السورية وعرسال. وهنا تذكير أنّ الجيش السوري، مدعوماً من وحدات من اللجان الشعبيّة ومن “حزب الله”، كان نفّذ منذ بضعة أسابيع، هجمات عدّة على قرى مختلفة في منطقة القلمون، بهدف تشديد الخناق على وحدات المعارضة السوريّة المسلّحة هناك، وبهدف إغلاق أكبر عدد ممكن من معابر التهريب الحدوديّة بين عرسال والداخل السوري، والتي يعتبرها “الحزب” ممرّاً لجزء كبير من العبوات المُفخّخة إلى الداخل اللبناني. وتزامن ذلك مع تشديد الجيش اللبناني إجراءاته الإحترازية على الحدود، لمنع فرار المسلّحين السوريّين إلى لبنان.

وفي الختام، الأكيد أنّ “الحزب” يرغب وبشدّة بوقف الهجمات الدمويّة الي تطال بيئته الحاضنة، خصوصًا وأنّه يعلم أنّ كل المعطيات الحالية تدلّ على نيّة خصومه بزيادة وتيرة هذه الهجمات، وأنّه يُدرك أنّ تنفيذ هذه العمليّات يتمّ عبر خلايا أمنيّة صغيرة غير مترابطة ويصعب كشفها كلّها. وهو لن يتردّد بالتالي في لعب ورقة معركة القلمون في المستقبل القريب، إنطلاقاً من هذا الهدف، بعد فشل الإجراءات الإحترازية السابقة، نتيجة دخول الإنتحاريّين على الخط. لكن حتى إذا سلّمنا جدلاً أنّ الهجوم على منطقة القلمون سيتمّ قريباً، وأنّ نتيجته ستكون لصالح الجيش السوري و”الحزب”، وأنّه لن يكون له إرتدادات مدمّرة على الإستقرار الداخلي والأمن المذهبي في لبنان، فإنّ لا شيء يضمن توقف الهجمات الإنتحاريّة الإنتقامية. وتجربة العراق، وبعده سوريا، أثبتت أنّه كلّما كان الطرف المُقابل مهزوماً ويائساً على مستوى تحقيق أهدافه، كان يلجأ إلى مزيد من العمليّات الإنتحاريّة عبر أي مصدر وعن أيّ طريق. ولبنان مليء بالمخيّمات المسلّحة الخارجة عن سلطة الدولة، وبالبقع الأمنيّة غير المراقبة جيّداً، وكذلك بالأشخاص اللبنانيّين وغير اللبنانيّين المُستعدّين للموت، إنتقاماً من دعم “حزب الله” للنظام السوري، ولمشاركته في القتال هناك. وهذه الحقائق لا تُبشّر بالخير بالنسبة إلى أمن وإستقرار لبنان على الإطلاق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.