163 يوماً على العدوان: تماسك جبهة المقاومة وانقسام جبهة العدو

جريدة البناء اللبنانية-

حسن حردان:

بدأت حكومة العدو الصهيوني برئاسة بنيامين نتنياهو عدوانها على قطاع غزة في 7 تشرين الأول 2023 مستندة إلى جبهة صهيونية موحدة في شنّ الحرب معززة بتشكيل مجلس الحرب، من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمها حركة حماس، وكان الرهان في ان تكون الخطوة الأولى في تحقيق هذا الهدف الصهيوني تفكيك الجبهة الداخلية للمقاومة وتأليب بيئتها الشعبية ضدها.. وفي هذا الإطار عمد جيش الاحتلال إلى تنفيذ خطة ممنهجة استهدفت خلق واقع شديد الصعوبة من المعاناة الإنسانية، قوامها:
أولاً، تدمير الأبنية والمنازل وتشريد سكانها في العراء.
ثانيا، ارتكاب المجازر بحق المواطنين العزل على نحو غير مسبوق في تاريخ الحروب الاستعمارية.
ثالثاّ، تدمير البنى التحتية لا سيما شبكات المياه والكهرباء والاتصالات.
رابعاً، منع وصول الغذاء والمياه والدواء والوقود.
أيّ بعبارة مختصرة تدمير موارد الحياة وحجب كلّ ما من شأنه ان يؤمّن مصادر العيش والحياة الإنسانية.. معتقداً ان ذلك سيؤدي إلى دفع الناس للانقلاب ضدّ مقاومتهم وتحميلها المسؤولية عما أصابهم من معاناة واتهامها بالتهوّر في تنفيذ هجوم 7 تشرين الأول وعدم التحسّب للنتائج.. وانه لولا هذا الهجوم لما حصل ما حصل من تدمير ومجازر ومعاناة إنسانية تندرج في إطار حرب الإبادة الجماعية.
غير انّ هذه الخطة الصهيونية أخفقت إخفاقاً مدوياً في تحقيق هدفها، فهي إلى جانب فشلها العسكري في تحقيق أيّ إنجاز، فشلت في النيل من صمود وثبات الشعب الفلسطيني والتفافه حول مقاومته، ولم تنجح محاولات جيش الاحتلال المتواصلة في تفكيك اللحمة الوطنية الفلسطينية والتماسك الشعبي الذي يدعم موقف المقاومين في ميدان القتال، لا سيما أنّ المقاومة، كما يقول قادتها، وضعت في حسابها قيام العدو بمثل هذه الجرائم الانتقامية لردّ الاعتبار لجيش العدو المهزوم في 7 تشرين الأول، ومحاولة التخلص من المقاومة وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني… ولهذا حضّرت المقاومة واستعدّت لمعركة طويلة النفس ضدّ جيش الاحتلال، وهي راهنت على صمود وثبات وتحمّل شعبها للمعاناة، وان تكون هذه المعركة من المعارك المفصلية التي ستتمكن فيها المقاومة من الصمود وإحباط أهداف العدوان وتحقيق انتصار غير مسبوق لمصلحة القضية الفلسطينية، يحدث تغييراً في مسار الصراع العربي الصهيوني برمته بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة…
وفي هذا السياق راهنت المقاومة على النجاح في التصدي لجيش الاحتلال واستنزافه وإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوفه، وإحباط أهدافه وإيصال القادة الصهاينة والمستوطنين الى مرحلة تتصدّع فيها وحدتهم، وتنقسم وتتفتت جبهتهم الداخلية، وتتضاءل قدرتهم عل تحمّل الاستمرار في خوض حرب استنزاف طويلة النفس.. وهذا ما بدأت تؤكده الأحداث والتطورات داخل الكيان الصهيوني، وذلك نتيجة:
1 ـ نجاح المقاومة في استدراج جيش العدو إلى مستنقع غزة وإيقاع جنوده ومدرّعاته في كمائن المقاومين المحكمة والقاتلة وتوجيه الضربات المتتالية لهم والتي أدّت إلى قتل وجرح أعداد كبيرة من جنود العدو وتدمير دباباتهم وآلياتهم المصفحة.. فيما قوى محور المقاومة زادت من استنزاف كيان الاحتلال وجيشه من خلال انخراطها في المعركة، مما ادّى إلى توليد حالة من الإحباط واليأس، داخل صفوف جيش الاحتلال واستطراداً في أوساط غالبية الرأي العام الصهيوني، من إمكانية تحقيق النصر ضدّ المقاومة، وعدم القدرة على تحمّل استمرار سقوط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى من الضباط والجنود.. والذي يُقدّر حسب المصادر الإسرائيلية بنحو 15 ألف قتيل، وعشرات آلاف الجرحى.. إضافة إلى تدمير أكثر من ألف ومائة دبابة ومدرّعة، في أكبر خسارة يتعرّض لها جيش العدو في تاريخ حروبه.
2 ـ نجاح المقاومة في شن حرب نفسية أسهمت في إضعاف تماسك معنويات جيش الاحتلال ومجتمع المستوطنين خلف مجلسهم الحربي، وذلك من خلال:
ـ نشر الفيديوات الدورية التي تظهر للصهاينة قوة هجمات المقاومة وتدمير واحتراق دبابات جيش الاحتلال بمن فيها من جنود، وتفجير الأبنية بمن فيها من قوات صهيونية.. وتكشف كذب مزاعم قادة العدو عن إنجازات عسكرية حققها جيشهم.. وعن حجم القتلى في صفوفه.
ـ استخدام ورقة الأسرى الصهاينة ومن يُقتل منهم برصاص وقصف جيش الاحتلال، وكشف عجزه عن تحريرهم او استعادتهم أحياء، والقول لعائلاتهم انّ عودتهم أحياء إنما يتحقق فقط عبر عقد صفقة مع المقاومة تقضي بوقف النار وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وفك الحصار، وإطلاق الأسرى الفلسطينيين من سجون العدو.
3 ـ تفجير الصراعات بين المسؤولين الصهاينة حول المسؤولية عن الفشل في 7 أكتوبر وإخفاق جيش الاحتلال في غزة، وحول الأولويات، هل تكون للعمل على إطلاق الأسرى ودفع ثمن ذلك، او لاستمرار العملية العسكرية التي لم تنجح في تحقيق أهدافها في القضاء على المقاومة ولا بتحرير الأسرى.
4 ـ كسب تأييد وتضامن شعوب العالم إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته، وإدانة الجرائم الصهيونية، وإسقاط الدعاية الصهيونية التي طالما صوّرت «إسرائيل» كضحية، وبالتالي إحباط الخطة الإسرائيلية الأميركية لمحو وتصفية قضية فلسطين.. وبالتالي تحوّلت القضية الفلسطينية إلى قضية عالمية بعدما كادت تطمس من أذهان وعقول الأجيال الجديدة.. وهو ما عكسته وتعكسه التظاهرات التي عمّت وتعمّ العواصم والمدن الأميركية الأوروبية وغيرها من الدول، الأمر الذي ولّد ضغطاً متزايداً على حكومات الدول الغربية الداعمة لكيان الاحتلال وأجبرها على تعديل خطابها والمطالبة بوضع حدّ لحرب الإبادة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة..
هذه النتائج التي تحققت حتى الآن، وبعد 163 يوماً على العدوان الصهيوني، هي التي أجبرت حكومة العدو، تحت الضغط الداخلي الإسرائيلي، ودول العالم، على الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة مع المقاومة للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، وهو ما جعل المقاومة في موقف قوي في هذه المفاوضات.
لذلك فإنّ المفاوضات الجارية حالياً في الدوحة، إنما تتمّ في ظلّ استمرار الفشل العسكري الإسرائيلي وانقسام الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وضغوط متزايدة على حكومة نتنياهو من داخل مجلس الحرب، والشريك الأميركي، ومن عائلات الأسرى ومؤيدهم لإعطاء الأولوية لإطلاق الأسرى حتى ولو كان ثمن ذلك القبول بوقف النار والانسحاب من غزة، فيما جبهة المقاومة تتسم بالتماسك والوحدة رغم اشتداد المعاناة الإنسانية، معززة بإنجازات المقاومة في الميدان ودعم ومساندة قوى محور المقاومة وشعوب العالم…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.