عنف عابر للهويات

US-gun

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
خيري منصور:

حين كتب المفكر الفرنسي ميشيل فوكو عن تاريخ التعذيب في الغرب وخصوصاً الفصل الخاص بتعذيب المسيو دميان أثار القشعريرة لدى معظم من قرأوا الكتاب، ويكفي أن نتذكر كيف ربطت أطراف دميان بعدة خيول كانت تمزق جسده تحت رعاية طبية، للحرص على إبقائه حياً لأن الموت يحرره من الألم .

ولم يكن المركيز دوساد الذي ينسب إليه الشذوذ النفسي المسمى في معاجم علم النفس السادية من آسيا أو أمريكا اللاتينية، فقد كان أوروبياً، وكذلك العنف الذي قدمت عنه موسوعات في أوروبا والولايات المتحدة، بدءاً من قتلة الأطفال والنساء حتى  من يغتصبون الموتى وهياكلهم العظمية وهم المصابون بمرض “النكروفيليا” .

وأحداث العنف في أمريكا تحديداً ومنها ما بدأ يتكرر بين وقت وآخر كقتل عشرات الأطفال في المدارس ليست طارئة، ما يؤكد أن العنف والإرهاب لا جغرافيا محددة لهما وأنهما عابران للقارات والثقافات والحدود .

وقد عولجت هذه الظاهرة في الغرب من قبل علماء نفس واجتماع، وثمة فلاسفة كرسوا أطروحاتهم لهذه الظاهرة منهم الفيلسوف الأمريكي “ماركيوز” الذي أصدر كتاباً بعنوان “الحب والحضارة” قال فيه إن تاريخ الحضارة في الغرب هو تاريخ القمع والكبت، لهذا ينفجر المكبوت والمتراكم والمزمن بين وقت وآخر ليحصد أبرياء منهم نساء وأطفال .

والإحصاءات المتداولة في أمريكا عن العنف الذكوري ضد النساء والأطفال تعتبر كارثية كما يقول علماء الاجتماع . لهذا فالعنف لا هوية له كما يريد اليمين المتطرف في الغرب بحيث يجعله مقترناً بالشرق وتحديداً بالعرب والمسلمين .

وحين بكى الرئيس أوباما وهو ينعى للشعب الأمريكي الضحايا أطفال تلك المذبحة التي قام بها أحد الشواذ والمرضى النفسيين، كان الموقف يتجاوز الاعتذار إلى نقد الذات والاعتراف بأن العنف في أشد صوره بشاعة ليس خارج المدار الأمريكي إن لم يكن في الصميم منه .

وبالطبع فإن معظم المعالجات النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة الكونية تبدأ من التربويات، فهي جذر البلاء ولا يمكن أن يتوصل المعالجون إلى نتائج مقبولة ولو في الحد الأدنى إن لم يفحصوا ويراجعوا مناهج تعليمية وثقافية تبثها الميديا التجارية القائمة على عنصر الإثارة والتوتير .

فأفلام الرعب و”الأكشن” المبالغ فيها، إضافة إلى سلاسل من روايات بوليسية تشحذ نزعة العدوان هي مكونات أساسية، لذلك الفرد الذي يفقد الرشد ويرى في الآخرين أعداءً لمجرد أنهم آخرون .

وقد لا نبالغ إذا قلنا إن العنف خارج مدار الغرب الأوروبي والأمريكي هو بشكل ما من نتاج الميديا خصوصاً بعد أن تعولمت، وأسوأ ما يمارسه الغرب عبر وسائل إعلامه خصوصاً اليميني والعرقي المتطرف منها هو “جغرفة” الإرهاب والتعامل معه كما لو كان حكراً على آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، لهذا يجدر بهؤلاء بدلاً من الإسقاطات والافتراءات على الآخرين أن يراجعوا جذور العنف في بيئاتهم وأدبياتهم والأساليب التي يحرفون بها خيال الأطفال باتجاه سلبي .

وقاتل الأطفال الأمريكي أو السادي الفرنسي أو مغتصب الموتى البريطاني لم يقرأوا كتب القارات المتهمة بإنتاج العنف، ولم يرضعوا ثقافة الشرق على اختلاف مرجعياتها، وإذا لم تواجه الحضارة الأورو – أمريكية أسباب العنف تربوياً وإعلامياً واستشراقياً أيضاً فإن مثل هذه المذابح للأطفال والنساء سوف تبقى تتكرر موسمياً .

والبكاء حتى لو كان من إمبراطور ليس اعتذاراً كافياً، إذ لا بد من اعتذار أكثر جدية ومعرفية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.