ما بعد القصير: إرتدادات تُصيب لبنان

Qusayr-view1

صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
جوني منير:

ما من شك ان سقوط القصير في قبضة الجيش السوري النظامي مدعوماً من وحدات النخبة في حزب الله حقق نقاطاً ثمينة جداً لصالح النظام الذي يخوض معركة البقاء على قيد الحياة منذ حوالى السنتين واربعة اشهر.

النقطة الأولى وتتعلّق بدحر المجموعات المعارضة ولا سيما تلك التي تحمل عقيدة دينية والمعروف عنها قدرتها القتالية العالية كونها تقاتل حتى الموت، وذلك في حركة استعد لها الجميع جيداً وسلّطت وسائل الاعلام العربية والعالمية اضواءها عليها، ما منح الجيش السوري دفعاً معنوياً الى جانب الانجاز العسكري الذي تحقق خصوصاً اذ كانت الفترة السابقة شهدت فشلاً في استعادة كامل مدينة حلب وكان قد سبق “انجاز” القصير انجاز آخر يتعلّق بريف دمشق، ما ادى الى صرف النظر عن “معركة دمشق”.

والنقطة الثانية تتعلّق بالتوقيت الممتاز لاستثمار هذا الانتصار سياسياً ولا سيما وانه يسبق مؤتمر جنيف -2، وحيث من الثابت ان التوازنات على الارض تفرض نفسها عادة دخل غرف التفاوض.

أمّا النقطة الثالثة فتتعلّق بالاهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة على مستوى التواصل السوري الداخلي، لا سيما لناحية تأمين طريق التواصل بين العاصمة دمشق والمناطق السورية الساحلية حيث الخزّان البشري الداعم للنظام.

والنقطة الرابعة ولها علاقة بالضربة القاسية التي تلقاها المعارضون ما سيؤدي الى ضعضعة ولو مؤقتة في صفوفهم في اطار رمي مسؤولية الهزيمة على احد الاطراف المعارضة وهو ما ظهر مع البيان الصادر والذي اشار الى تعزيزات عسكرية وذخائر لم تصل ابداً الى ساحة المعركة. ولا بد من الاشارة الى الاستنتاج الذي أورده المحللون العسكريون الاسرائيليون بأنّ الفصائل المعارضة لن تتمكن خلال الاشهر المقبلة من القيام بهجمات على مواقع الجيش السوري النظامي.

تبقى النقطة الخامسة، وهي الاهم لا سيما بالنسبة للبنانيين نظراً لتأثيرها المباشر عليهم، وتتعلّق بنجاح حزب الله في ربط مناطق الساحل السوري بالبقاع الشمالي من خلال مساحة جغرافية اصبحت آمنة مع ما يعني ذلك من تأمين خطوط نقل السلاح والذخائر من خلال البحر السوري او حتى مطار اللاذقية، إضافة الى خلق واقع جغرافي جديد يمكن ان يشكل خارطة جغرافية جاهزة ازاء اي صورة قد تذهب اليها المنطقة لاحقاً.

وذلك يعني ايضاً وبطبيعة الحال إغلاق أحد الممرّات الآمنة لدعم المجموعات التي تقاتل النظام، مع ما كان يمثل من نفاذ ممتاز الى العمق السوري انطلاقاً من منطقة عرسال البقاعية.

ولم يعد خافياً ان ضباطاً في المخابرات الفرنسية كانوا قد تواجدوا على الاراضي اللبنانية منذ اندلاع الاحداث في سوريا في مهمة تأمين الدعم للمعارضين السوريين قبل ان يغادروا لبنان بعد سقوط حي بابا عمرو في حمص في يد الجيش السوري. وقد أشرف هؤلاء الضباط بشكل خاص على ممرّ عرسال- القصير بالتنسيق مع احد الاجهزة الرسمية اللبنانية.

وانطلاقاً مما سبق فإنه لا بد من التحسّب لارتدادات “سقوط” القصير وفق الاحتمالات التالية:

أولاً: رغم الظروف الصعبة التي تمرّ بها تركيا والتي تؤدي الى انشغالها عن الوضع السوري إلّا ان العواصم الغربية ستسعى الى التحضير “لثأر” ما يمكن ان يعوّض ولو معنوياً النتائج السلبية لسقوط القصير ما يسمح بتعديل التوازنات قبيل مؤتمر جنيف – 2.

وتشير بعض الأوساط الدبلوماسية المعنية الى ان العواصم الغربية ما تزال تحتفظ ببعض الاوراق العسكرية القوية كمثل وجود اختراقات داخل الجيش السوري يمكن استعمالها في اطار الاستهداف الأمني. ونعطي مثلاً على ذلك ما حصل في بداية معركة القصير حيث انقلب بعض العناصر في الجيش السوري واطلقوا النار على عناصر النخبة في حزب الله ما أدى الى مقتل العديد منهم برصاص في الظهر قبل ان يعاد تصحيح الوضع.

ثانياً: ستسعى العواصم الغربية الى توظيف “ممتاز” للعناصر المتطرفة في الوضع السوري وهي ستعمل على اعادة تنظيمهم خصوصاً في منطقة حلب اضافة الى المناطق التي ما تزال تحت سيطرتهم في حمص. وبذلك تسعى هذه الدول الى ارهاق وحدات النخبة في الجيش السوري والتي كان قد جرى اعادة تنظيمها، والقضاء على هذه المجموعات المتطرّفة ومنعها من العودة الى بلادها، لا سيما وان العديد منها جاء من بلاد اوروبية.

وفي هذا الاطار تكشف مصادر مطلعة عن تنسيق مكثف تقوم به هذه الدول مع اجهزة الدول المحيطة بسوريا لا سيما لبنان، لقطع طريق العودة على اي من هذه الكوادر المتطرّفة.

وعلم في هذا الاطار ان السلطات الفرنسية تبدي خوفاً كبيراً من تعرّضها لعمليات ارهابية في لبنان إن على مستوى بعثتها الديبلوماسية او على مستوى قواتها الموجودة في جنوب لبنان، وهي ابلغت بشكل عاجل وسرّي جميع موظفيها “من دون الرعايا” بعدم التجوّل إلّا في حالات الضرورة وهو ما يفسّر التزام السفير الفرنسي مقرّ السفارة باستمرار. ويعود الخوف الفرنسي الى سببين، الاول وجود تيارات متطرّفة منتشرة بقوة على الساحة اللبنانية اخيراً. والثاني الخشية من موقف فرنسا تجاه حزب الله مع ما يعني ذلك من احتمال استغلاله من اجهزة مخابرات لزيادة التوتير بين باريس والحزب.

ثالثاً: تصاعد العمليات الامنية والتي تأتي في اطار المواجهة السنية – الشيعية في لبنان مع وجود توقعات بحصول تفجيرات حساسة.والأبرز في هذا الاطار ادخال العامل السوري بشكل اقوى وهو ما ظهر خلال الاشتباكات الاخيرة في طرابلس وهو ما أدى الى تفلّت الشارع من سيطرة القيادات السياسية ما اضطر النائب كبّارة الى الالتحاق بالشارع وسط وجود تحضيرات تشير الى ان القتال لن يتوقف قريباً.

إضافة الى العامل السوري في لبنان، فلقد سجّل ايضاً دخول العامل الفلسطيني ولو من خلال حالات محدّدة حيث كشفت بعض المعلومات ان الجيش ألقى القبض على احد مطلقي الصواريخ باتجاه مار مخايل والذي ينتمي الى التابعية الفلسطينية وحيث تستمرّ التحقيقات معه لكشف كامل الملابسات والخلفيات.

لكنّ الجانب الأخطر والأبرز هو ما ظهر مع القصف الذي طال المناطق السكنية في عرسال وهو ما ادى الى فتح ابواب الاستنتاج حول هدف هذه “الرسائل الحمراء” وما اذا كان سيعني نقل ساحة المعركة الى هذه المنطقة مع ما يعني ذلك من اختلاط الحابل بالنابل ونتائج سلبية قد تطال هذه المنطقة بالذات.فلا شك ان لبنان بات في عين العاصفة ولو ان الانفجار الواسع والشامل في لبنان يبقى ممنوعاً، أقلّه حتى الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.