أمريكا ورجعياتها.. وفشل السياسة الإقصائية

صحيفة الديار الأردنية ـ
 يلينا نيدوغينا:
كانت التحليلات والإنعكاسات إيجابية عن زيارة الوفد الحزبي والإعلامي العربي الى الصين. وفي الخبر الذي بثّه وزارة الخارجية الصينية نقرأ عن أن الوفد الحزبي والإعلامي العربي مَثّل ثمانية بلدان عربية من بينها الاردن، وبأنه ضَمَّ “20” مسؤولاً حزبياً ورئيساً لمراكز الفكر ووسائل الإعلام العربية، للمشاركة في “الدورة الدراسية الثالثة” لأحزاب “منطقة” غربي آسيا وشمالي إفريقيا في مَجال الإعلام، وأُقيمت في ثلاث مناطق في جمهورية الصين الشعبية، بدعوة من دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

الوفد التقى المَبعوث الصيني للشرق الأوسط الرفيق “وو سيكه”، الذي شدَّد في حديثه مع الوفد على ثبات مبادئ السياسة الخارجية الصينية تجاه المنطقة العربية برمتها وحِيَال الصراعات التي تعتريها، وتمثّل هذا أولاً في دعوة وفد عربي تعدّدي الى الصين يلتزم بتيارات وأيديولوجيات مختلفة ومتضاربة ومتواجهة حيناً،  واشتمل الوفد على ممثلي أحزاب تمثل “الاخوان المسلمون” وتيارات الإسلاميين في عدد من الدول العربية، وأحزاب ليبيرالية وشيوعية ووطنية ووسطية ويسارية. لذا فإن الجانب الصيني بذل جهده لإنجاح زيارة الوفد، كما هو أمره الموصول في نضاله لإنجاح العلاقات الصينية العربية والصداقة “التقليدية” بين الصين والدول و”الشعوب” العربية بروح من “الاحترام و..الدعم” بحسب وصف “وو سيكه”.

وكان لافتاً تصريح الدبلوماسي الصيني بأن هذه الصداقة الثنائية الرابطة بين الصين والعرب “تترسّخ في قلوب الناس.. الأمر الذي يَضع أساساً متيناً ويستشرف مستقبلاً واعداً لعلاقات الصداقة الصينية العربية “في ظل الظروف الجديدة””. الى ذلك كان استخدام المسؤول الصيني الكبير لكلمات “الإنشغال الكبير” للصين “إزاء توتر الأوضاع في غزة” ومطالبتها بوقف فوري لإطلاق النار موقف لافت يؤشّر الى اهتمام الصين الكبير بما يجري على رقعة فلسطين والبلدان العربية الأخرى، فلا يمكن أن تكون الأحداث العربية غير مهمة للصين لكون صِلات الطرفين العربي والصيني عميقة الجذور وصروحه واسعة ومستقبلها مُبَشّرٌ، وفي حالة “العكس” فإن الصين ستفقد مكانتها العربية. لكن الواقع يُشير الى أن السياسة الصينية قد اجتازت “مرحلة الخطر الكبير” في العالم العربي وعادت إليه، فهذه الصين التي تختزن في ذاتها تراكمات الثقافة والحضارة الصينية العريقة ومولّداتها وتستند الى متابعات الحزب الشيوعي القائد لهذه السياسة وهدوئه واتزانه بالتعامل مع الأحداث العربية قد أسست الى مواقع أقوى للصين بين العرب الذين تطورت مَعارفهم وتعمّقت خِبراتهم السياسية في “الأحداث” الاخيرة برغم خسارة الصين في بداية هذه “الأحداث”، جرّاء التدخلات العسكرية والإقصائية الأجنبية، التي هَدَفَتْ وماتزال الى تشكل هوَّة عميقة في سبيل العلاقات العربية الصينية ذات التاريخ العريق منذ بدايات تشكيل جمهورية الصين الشعبية ونهج “ماوتسي تونغ” .

الجانب الصيني مهتم برؤية العرب ورأيهم إزاء المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني. فهذا المؤتمر كان أرسى أساساً متيناً لتطوّر أكبر للصين وإقلاع حضاري، ووضع شروطاً جديدةً لتنفيذ سياسات سيَعني نجاحها على شاكلة شعار “الحياة الرغيدة” للمواطنين الصينيين الى قفزة صينية من فوق الولايات المتحدة الامريكية، فالحلول مَحلّها ليس في مجمل الناتج القومي، بل وبالنسبة الى حياة الفرد الرغيدة بكل دقائقها وتوفير مستلزماتها لديه، وهي ظاهرة تلتقي والأماني العربية لأوسع شرائح المتعبين العرب الذين أعياهم رأس المال الأمريكي والكمبرادور والبرجوازي الجَشع العامل على تحقير حيواتهم نفسها، واستلابهم سياسياً واجتماعياً وطبقياً واقتصادياً وفي حياتهم اليومية حتى بالتعاون مع بعض القادة العرب الذين ارتهنوا بقضّهم وقضيضهم للغرب السياسي.

السياسة الصينية تلتقي أيضاً مع أماني أوسع الطبقات والفئات العربية المسحوقة بالفقر والفاقة ومختلف أشكال الحرمانات والإملاءات التي تمارسها أمريكا والرجعيات الكالحة المرتبطة بها. لذا يرى عموم العرب في نجاح أعمال المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني عاملاً مُنيراً لطريقهم التحرري اجتماعياً ووطنياً. فهذا المؤتمر العتيد سيمارس بلا شك تأثيراً هائلاً على مَصَائر العالم وناسه، تدريجياً، ومع تعاظم مكانة الصين الشعبية ستتعاظم مكانة المقهورين في الأرض وتعلو قيمتهم ومكانتهم وقرارهم وسيادتهم الإنسانية على أنفسهم وأوطانهم.

نلتقي أيضاً مع فكرة الرفيق “وو سيكه” الذي أكد على أن “منتدى التعاون الصيني العربي” سيتطور الى إطار هام للتعاون الإستراتيجي بين الجانبين، بما يحقق تطوراً أكبر للعلاقات الصينية العربية ويعطيها مغزى إنساني أعمق، ويردم بالتالي الخلل الحاصل في التوازن التجاري بين الجانبين العربي والصيني، لذا تولي الصين “أهمية كبرى” لهذا الموضوع، وهي تتخذ سُبلاً لؤد الخلل. وهنا فإننا نحن أيضاً نرى مصلحة أساسية للفقراء العرب الذين يَعتاش عدد كبير منهم على التجارة النشطة مع الصين ويتمكنون بالصين ومعها من الوقوف على أرجلهم بوجه تغوّلات رأس المال الأجنبي والمحلي الجشع.

*كاتبة وعضو مجلس إدارة الإتحاد الدولي الإلكتروني للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين؛ ومُمَثلِّة العالم العربي في اللجنة التنفيذية لرابطة الصحافة الروسية العالمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.