المعايير الدولية لعمل القضاء: بيطار والخروج عن المألوف

موقع العهد الإخباري-

د.علي. إ. مطر:

يوماً ما قال أرسطو إن “العدالة هي تحقيق المساواة في مقابل الظلم”، فالعدالة لا تكون بالاستنساب وباستخدام معايير مزدوجة، وهذا ما يجعلنا نطرح أسئلة كثيرة حول عمل المحقق العدلي القاضي طارق بيطار في ملف انفجار مرفأ بيروت.

أسئلة كثيرة تدور حول عمله المعتمد على الاستنسابية والمعايير المزدوجة في التحقيق، ما أدى إلى انقسام الشارع اللبناني حول دوره. سؤال عريض يطرح هنا بسبب الشبهات حول بيطار وعمله، أين باتت العدالة من كل مسار التحقيق؟ ولماذا يتعامل القاضي بشكل يخالف “المحاكمات العادلة” التي يضمنها الدستور والقانون المحلي والدولي، والتي وردت في معاهدات دولية عدة، وتحملها دول كبرى شعارًا لا تطبقه للأسف، بل تستخدمه كشماعة لمواجهة الخصوم والأعداء.

لا شك أن أي متهم عندما يمثل أمام القاضي، فهو يواجه آلية الدولة بعدتها وعتادها، ومن ثم، فالطريقة التي يعامل بها عندما يتهم بارتكاب جريمة تدلل بدقة على مدى احترام تلك الدولة لحقوق إنسان الفرد، ولحكم القانون. فكل محاكمة جنائية تشهد على مدى التزام الدولة باحترام حقوق الإنسان، وبحسب رتبة المتهم ووضعه الوظيفي والسياسي والاجتماعي، يبدأ الحديث عن مدى نزاهة القضاء، وعن مدى تسيييس التحقيق لمصالحة سياسية محلية أو إقليمية أو دولية.

وقد نصت معاهدات دولية تتعلق بـ”المحاكمات العادلة” أن على كل حكومة التبعة والمسؤولية في تقديم المسؤولين عن ارتكاب الجرائم إلى العدالة أمام محاكم مستقلة ونزيهة ومختصة، على نحو يحترم المعايير الدولية للنزاهة، وهنا تطرح بقوة مسألة المحاكمة على جريمة مرفأ بيروت، ومع هذا، ومهما كانت الجريمة، فهي لا تخدم العدالة، سواء بالنسبة للمتهم أو للمجني عليه أو للجمهور عامة، عندما تسمح للجور بأن يشوب محاكماتها.

من المعروف دولياً ومحلياً أن مبادئ “المحاكمة العادلة” تقوم على رفض الإجراءات التعسفية غير المنصفة والتي تقوض مفهومي الحرية والعدالة، وقد ركزت المعاهدات الدولية على ضمانات الوقاية من التوقيف التعسفي والبطء الشديد في المحاكمة، وقد وردت متطلبات “المحاكمة العادلة” في المواد (7)، (9)، (10)، (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، م/14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية وفي القوانين الإقليمية والمحلية، حيث كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه من دون أي تفرقة. ويمكن الاطلاع على المادة 7 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسـان والشـعوب، والمادة 8 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والمادة 6 من الاتفاقية الأوروبيـة لحقـوق الإنسـان، هذا عن القواعـد والمبادئ الإرشادية بشأن دور أعضاء النيابـة العامـة، والمبـادئ الأساسية بشأن دور المحامين والنُظم الأساسية للمحكمة الجنائية الدوليـة والمحكمـة الجنائيـة الدوليـة الخاصة برواندا والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة.

لقد أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مواد عدة تؤكد على المحاكمات العادلة ونزاهة القضاء، ومن أبرزها المادة 7 التي تقول إن الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.

الأهم من ذلك أن المادة 10 من الإعلان تنص على أن لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه، وبالتالي من حق الطرف المتهم في لبنان أن ينظر في اتهامه أمام قاض عادل، خاصةً أن القضية تحمل أوجهاً سياسية. المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تؤكد على أن الناس جميعا سواء أمام القضاء، وأن لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء، وفقا للقانون، إلى محكمة أعلى كيما تعيد النظر في قرار إدانته وفي العقاب الذي حكم به عليه.

كما أن اتساق المعاییر المھنیة المحلیة المتعلقة بالقضاء مع المعاییر الدولیة المعنیة، بما في ذلك بالأخص “مبادئ بنغالور” بشأن تنظم “مبادئ بنغالور” من خلال ست قیم أساسیة: الاستقلالیة، والحیاد، والنزاھة، واللیاقة، والمساواة، والاختصاص والحرص، وذلك بھدف توفیر نظرة عامة للمعاییر المھنیة التي على القضاة احترامھا من أجل ضمان الاستقلالیة والمساءلة.

لقد وضعت هذه المعايير لكي تطبق على جميع النظم القضائية في العالم، وعلى نحو يراعي التنوع الهائل في الإجراءات القانونية، وأرست الحد الأدنى من الضمانات التي ينبغي أن توفرها جميع النظم لضمان العدالة واحترام حكم القانون، واحترام الحق في إجراءات نزيهة للمقاضاة الجنائية. وتنطبق هذه الضمانات على التحقيقات وعلى إجراءات القبض والاحتجاز، كما تنطبق على جميع الإجراءات السابقة على المحاكمة، وأثناء المحاكمة، ولدى صدور الأحكام واستئنافها، وعند فرض العقوبات. وتمثل هذه المعايير الدولية لـ”المحاكمة العادلة” ضربا من ضروب إجماع الرأي الدولي بشأن المعايير الإلزامية لتقييم الطريقة التي تعامل بها الحكومات من يشتبه بارتكابهم الجرائم، ومن يوجه إليهم التهام بارتكابها.

ما تقدم يتناسب مع ما اعتمدته وزارة العدل اللبنانية عام 2005 حول “القواعد الأساسیة لأخلاقیات القضاء” (قواعد أخلاقیات القضاء)، بموافقة كل من مجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة (مجلس الشورى). وقد تم إعداد قواعد أخلاقیات القضاء من قبل لجنة مؤلفة من الرئیس الأول لمحكمة التمییز ـ رئیس مجلس القضاء الأعلى، ورئیس مجلس شورى الدولة، والرئیس الأول لمحكمة التمییز شرفا، ورئیس ھیئة التفتیش القضائي شرفا.

ما يحصل في ملف القاضي بيطار، يؤكد المعايير المزدوجة التي يستخدمها المجتمع الدولي في تطبيق القانون الدولي والتغاضي عن المعاهدات الدولية من أجل المصالح السياسية. لقد بات أمر القاضي بيطار مريباً خاصةً أن هناك فئة كبيرة جداً من الشعب اللبناني ترفض عمله، وبالتالي لا يمكن الاستمرار والتعنت في بقاء بيطار أو في استمرار عمله كما هو عليه، فالسلطة القضائية التي عليها أن تطبق حكم القانون الذي يعبر عن الشعب بأكمله، ما هو نفعها إن كانت ستصدر أحكاماً لا تمثل هذا الشعب؟ كما أن الجهة القضائية التي لا تتمتع بالمعايير التي عرضناها آنفاً، فإن الأجدر بالسلطة القضائية الأعلى أن تعلق عملها وتقيلها لكي لا يؤدي هذا العمل إلى الشرخ بين اللبنانيين، والأكثر من ذلك وربطاً بما تقدم، فإن المجتمع الدولي متمثلاً بواشنطن والذي يغطي بيطار ويحميه يجب أن يتوقف عن الكيل بمكيالين والتعامل بمعايير مزدوجة من أجل مصالحه السياسية الواضحة في هذا الملف.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.