فلسطين بعد “طوفان الأقصى”.. وحدة الساحة ووحدة المحور
موقع العهد الإخباري-
محمد الحسيني:
ستة أشهر من الحرب على قطاع غزّة رسمت مشهدين في خارطة المواجهة، أحدهما يزدحم بتفاصيل القتل الجماعي والتدمير العشوائي والحصار التجويعي بكلّ أنواع وأدوات الإجرام الأميركي – الإسرائيلي في ظلّ تواطؤ غربي وعربي وإعماء مقصود وغير مريب عن المجازر التي يرتكبها الإرهاب الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وإغفال غير مستغرب من منظمات حقوق الإنسان والمرأة والطفل في العالم التي لا ترى في الانتماء الفلسطيني كيانًا يستحق القيمة والمعنى في قاموس الإنسانية..
مشهد الإرهاب
إنه مشهد كامل للإرهاب العالمي الذي أسفر أخيرًا عن حقيقته البشعة، والتي طالما جهد في محاولة تلميعها بشعارات زائفة ومصطلحات رنّانة، إلا أنها سقطت في “هولوكوست غزّة” التي لم يرَ فيها الأعور الدجّال الغربي بمسؤوليه ووسائل إعلامه أي فعل يستحق الإدانة، ولم يسترعِ لديه الانتباه سوى مجموعة من حملة الجنسيات الأجنبية من المطبخ العالمي قُتلوا نتيجة خطأ أو سوء تقدير إسرائيلي، وكأن هؤلاء هم وحدهم يحملون هوية الإنسان في ما عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين من الفلسطينيين لا يدخلون في حساب الموت وأهليّة اتّخاذ الموقف.
مشهد المقاومة
المشهد الآخر ترسمه المقاومة الفلسطينية التي ما تزال صامدة على مدى ستة أشهر من القتال، وتكبّد الاحتلال الصهيوني يوميًا أحجامًا كبيرة من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية لم يشهدها منذ العام 1948 وعلى مدى الحروب التي خاضتها “إسرائيل” ضدّ العرب، حتّى يكاد أغلب المراقبين والمحللين الصهاينة في مجال السياسة والعسكر والاقتصاد يجمعون على أن معركة “طوفان الأقصى” قد أرّخت عمليًا بداية زوال ما يسمّى “دولة إسرائيل” مع ما يعني ذلك من انهيار مشروع الهيمنة العالمية التي سعى الغرب الاستعماري على مدى عشرات السنين في بنائه، وعمل من خلاله على تطويع معظم الدول العربية والإسلامية للدخول في مسار التطبيع، فجاء الطوفان ليوجّه ضربة قاصمة إلى أسس هذا المشروع، على الرغم من الدعم الغربي غير المحدود الذي يرتكز إليه.
يأس المغلوب
إنه مشهد انتصار على الرغم من طغيان تفاصيل الدم والدمار فيه، ويكفي بمقارنة بسيطة للميزان العسكري والتكنولوجي والدعم اللوجستي والحربي الهائل وعوامل الاحتلال في السيطرة والإطباق في مقابل القدرات المتواضعة للمقاومة لنتبيّن حجم الفشل والإخفاق ومستوى الهزيمة والإحباط في “إسرائيل” وداعميها من القوى الكبرى على حد سواء، ويكفي أن رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو ومجلس حربه لم يستطعا حتّى الآن من تحقيق أي من أهدافهما المعلنة عسكريًا، ولم يفلحا في فرض شروطهما في مداولات التفاوض أمام إصرار المقاومة على تحقيق مطالبها، وهو إصرار الغالب الفلسطيني مقابل يأس المغلوب الصهيوني.
مخاطر السقوط الإسرائيلي
هذا في حساب الوجدان؛ أما في حسابات الحرب والسياسة، فإن نصف عام من الحرب على قطاع غزّة عمّقت من المأزق الصهيوني، ونتنياهو ذاهب حتمًا إلى السقوط على الرغم من الدعم الأميركي غير المحدود، وقد أفرز استمرار الحرب – إلى جانب “طوفان الأقصى” – عن مجموعة من التهديدات تجاوزت الخطوط الحمراء؛ وأهمها:
– التغيّر العارم في الرأي العام العالمي تجاه “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية، حيث تضاعف فعاليات الرفض والإدانة الشعبية، في عواصم الغرب على وجه الخصوص، من حجم الضغوط على “تل أبيب” واشنطن وتهدّد بسقوط صورة الديمقراطية وبروباغندا السلام إلى درجة دفعت إدارة الرئيس جو بايدن عشية الانتخابات الرئاسية للعمل سريعًا على تلافي تدهور الوضع أكثر والسعي إلى تدارك ما يمكن قبل الانهيار الكبير..
– الانقسام الداخلي الحاد داخل التركيبة السياسية والعسكرية الصهيونية، سواء داخل ائتلاف الإرهاب الذي يقوده نتنياهو أو بينه وبين المعارضة، ولا سيّما مع غريمه بيني غانتس، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية القاتلة، والتي تتعمّق في كلّ يوم تستمر فيه الحرب على قطاع غزّة.
– التهديد الوجودي للكيان المؤقت الذي بدأ الغرب والصهاينة تلمّس إرهاصاته في ظلّ العجز عن إغلاق الجبهات التي انضمّت إلى الطوفان من لبنان واليمن والعراق، فبدت “إسرائيل” محاصرة من طوق مقاومة لا تستطيع معه فرض شروط أو قيود أو تعرض عليه مغريات اتفاقات سلام أو تسوية.
– انعدام الشعور بالأمن عند مجتمع المستوطنين، فلم يعد جيش الأسطورة قادرًا على تأمين الحماية لهم، حيث حوّلت المقاومة الإسلامية مستوطنات الشمال إلى مدن أشباح مع نزوح المستوطنين باتّجاه الداخل الفلسطيني المحتل، والصواريخ العراقية واليمنية تدكّ عمق تواجد الاحتلال وتهدّد استقراره.
– حمق نتنياهو ومجلس حربه اللذين قادا إلى استدراج ردّ إيراني مباشر بعد العدوان الجبان على القنصلية الإيرانية في دمشق، وجعل الكيان المؤقت برمّته يترقّب الرد الحاسم “والآتي لا محالة”، في ظلّ خوف عارم من مستوى هذا الرد ومجاله ودائرة استهدافاته ونتائجه على الصعد العسكرية والسياسية والمعنوية.
فلسطين.. وحدة الساحة
لعلّ أهم النتائج التي أسهم “طوفان الأقصى” وما رافقه من تداعيات في فرزها هي تطوير مصطلح “وحدة الساحات” إلى مصطلح “وحدة الساحة”، فلم يعد هناك ساحات متعدّدة تواجه فيها “إسرائيل” جبهة مقاومة، فقد أصبحت فلسطين الساحة الواحدة التي تشترك فيها كلّ الجبهات في المواجهة دفعة واحدة، وأصبحت القضية الفلسطينية اليوم المحور الواحد التي تتّجه إليها جبهات المحور في وقت واحد وفعل واحد باتّجاه هدف واحد. ولم يعد الشعب الفلسطيني يواجه وحده الغطرسة الأميركية – الصهيونية، وهنا يكمن السرّ والحلّ في إطلاق الإمام الخميني(قدس سره) بنبوغ الفكرة “يوم القدس العالمي”، والذي ألغى فيه حدود التاريخ والجغرافيا ومظاهر الانتماء واللغة وصولًا إلى وحدة الفعل ليحقّق محور المقاومة الانتصار التاريخي والكبير في هذه المعركة، وإزالة جرثومة “إسرائيل” السرطانية.