أميركا في البرزخ السوري!

america-syria

صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
تعيش الولايات المتحدة أزمة كبرى في منطقة الشرق الأوسط لم تشهد لها مثيلًا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولعل في تفاعلات واشتباكات ونتائج رهانات الأميركي على (عقد المصائب الكبرى) والذي بدأ منذ احتلال العراق وحتى الآن ما يؤشر إلى حجم هذا المأزق، ويضع صانعي السياسات الأميركية في موقف لا يحسدون عليه، والأهم أن سلوك الإدارة الأميركية يعيش لحظة انكشاف إن لم يكن انفضاح تاريخي أمام العالم الحر، الذي بات شاهدًا على ازدواجية واضحة في المواقف، وإصرار على تمرير مشاريع تعيد رسم خريطة المنطقة، وإن تبدلت التكتيكات وتغيرت الأدوات تقدمًا أو تأخرًا، سواء أكان ذلك في سوريا أو غيرها من تجارب سابقة في بلداننا العربية.
غني عن البيان، أنه ومع صمود الجيش العربي السوري أمام الحرب الكونية التي يتعرض لها، فإن معسكر التآمر والتدمير تحت القيادة الأميركية يتخبط في برزخ بين نوعين من المؤامرات، فالفشل الكبير الذي منيت به حروب الجيل الرابع في سوريا، تلك الحروب القذرة التي طورها الجيش الأميركي والمعروفة استراتيجيًّا بـ”الحرب اللا متماثلة”، ومع انكسار أدواتها من وسائل إعلام جديد وتقليدي ناقلة للفتن، ومعارضة مدفوعة الأجر، وعمليات استخباراتية قذرة، فقد بات واضحًا أن أميركا تفكر مليًّا في خطوات للوراء تستخرج فيها حروب الجيل الثالث من الأدراج التي تعرف عسكريًّا بـ(الحروب الوقائية أو الاستباقية)، وهي التجربة التي شهدت لها منطقتنا العربية بيانًا عمليًّا داميًا في غزو العراق بنتائجه الكارثية الذي ما زلنا نجتر مرارته حتى الآن.
ولعل في انكشاف حروب الجيل الرابع في سوريا وصمود وتماسك الشعب والجيش السوري أمامها وتوجيه ضربات متلاحقة لها، ما كان باعثًا قويًّا نحو إعادة الأميركي لاستدعاء إنتاج المؤامرة بأدوات قديمة، في تعبير واضح عن إفلاسه الشديد واضطراره إلى التقليب في دفاتره القديمة، وتواكب هذا الانكسار مع خطوات للوراء تستعيد طبخة الأسلحة الكيميائية المسمومة والمجربة في العراق، وتستخدمها في توقيت حساس ومحسوب بدقة تزامنًا مع وصول المفتشين الدوليين إلى سوريا، ومن ثم اجترار تلك الخدعة المكشوفة كتكئة للتدخل العسكري في سوريا وسلب مقدرات شعبها وإنهاء دورها المقاوم، رغم أن العقل والمنطق يؤكدان أن استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية (إن صدق وجودها) هو انتحار سياسي وأخلاقي لأي حكومة، وهو ما أكدته الدولة السورية بعبارات واضحة لا تقبل اللبس.
لكن، من الواضح أن هذا البرزخ التآمري دخل مرحلة صعبة من الاضطراب، وربما تكون تلك بشارات النهاية المنطقية لأحلام أوباما والقوة المهيمنة على المنطقة، فمع رفع درجة التأهب للقيام بعملية عسكرية أميركية في سوريا يطل كابوس غزو العراق والمقاومة الشرسة التي لقيها الأميركي والكلفة الباهظة التي تكبدها كشبح يقلق الأميركي ويطارد أحلامه بتحقيق مشاريعه، وبدا ذلك من التضارب الواضح في السلوك السياسي والتصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية، حيث طلب أوباما من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) تزويده بخيارات. وكالعادة أبدى (البنتاجون) استعداده لتزويد أوباما بكل الخيارات لكل الاحتمالات، ونشرت البحرية الأميركية مدمرة إضافية في منطقة البحر المتوسط، ما رفع إلى “4” عدد السفن الحربية المجهزة بصواريخ كروز من طراز توماهوك في هذه المنطقة، ومعلوم أن “كروز” سلاح أساسي في مستهل أي تدخل عسكري أميركي، إذ لا بد من إطلاقها عند بدء النزاع من أجل “فتح الباب” والقضاء بشكل خاص على الدفاعات الجوية.
في مقابل مظاهر القوة هذه، بدا الارتباك واضحًا على أوباما وأداء إدارته، التي أصابها إفلاس الخيارات وضيق مساحات المناورة السياسية وسط انقسام واضح في أروقة الأمم المتحدة حول لعبة (الكيميائي)، ففي مقابلته مع شبكة (سي أن أن) الأميركية قال عن الشأن السوري “نرى البعض يدعون إلى تحرك فوري”، محذرًا من أن “التسرع في أمور قد تكون نتيجتها سيئة سيغرق الأميركيين في أوضاع صعبة جدًّا، وأن أميركا قد تنجر إلى تدخلات مكلفة وصعبة وباهظة للغاية، ولن تؤدي إلا إلى تأجيج مشاعر الحقد في المنطقة”، وفي ذلك تبدو تصريحات أوباما مواجهة داخلية مع مسرح المزايدات الذي نصبه الجمهوريون لإدارته بشأن سوريا، وتسويق صورة عالمية لتوازن وحكمة مصطنعين يخفي مساحات واسعة من الخوف والارتباك، ومحاولة بائسة لتصدير حرب نفسية مصطنعة للجيش العربي السوري الباسل، ومحاولة يائسة لإرهاب قيادته الصامدة.
أيًّا كان اختيار الأميركي بالحرب أو الهرب؛ لأن كليهما انتحار للمشروع الصهيو ـ أميركي في المنطقة، فإن الرهان دائمًا يبقى على الجيش السوري، وصموده أمام الفتن والمؤامرات، وضربه بيد من حديد على ذيول مشروع مؤامرة التدمير والتخريب من جماعات إرهابية وتكفيرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.