فتنة لبنان والدرس المقبل

lebanon-flag11

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
أمجد عرار:

أربعة صواريخ أطلقت على شمالي الكيان الصهيوني مساء الخميس . عدوان جوي صهيوني على منطقة الناعمة جنوبي بيروت صباح الجمعة . ينشغل اللبنانيون بهذا وذاك ويترقبون ما الذي سيأتي تالياً . انفجاران يهزان طرابلس ويوديان بالعشرات قتلى والمئات جرحى في مسجدي التقوى والسلام، ومن لا يحمل في قلبه وعقله التقوى، لا يمكن أن يحمل للناس السلام، وإذا ضاع الإيمان فلا أمان، ولا دنيا لمن لا يحمي دينه العدل المتسامح .

رفع العقلاء أصواتهم: القاتل لا دين له ولا مذهب ولا طائفة . دينه وديدنه القتل من أجل الفتنة . قبل عشرة أيام كان التفجير في الضاحية الجنوبية . ولأن القتلة هم أنفسهم، تقارب المشهدان لدرجة التطابق، عدد الضحايا وطبيعة التفجير وحجم الحفرة الناتجة عنه، عندما لا يكون أمن في لبنان، تكون “إسرائيل” في أمان . هذا ما يسعى إليه العقل المدبّر والأدوات والأبواق المواكبة .

عندما يقول قائل تافه “وصلت الرسالة”، فهذا يعني أنه يغرّد في سرب القتلة، وعندما يتّفق المختلفون سياسياً والخصوم الحزبيون على إدانة الجريمة، فهذا يعني نصف إجهاض المخطط، أما نصفه الثاني فيتأتى من البدء بخطوات عملية نحو التلاقي السياسي، أو ربما العمل الفوري على تشكيل حكومة طوارئ لا ينظر فيها أي طرف للاعتبارات الفئوية والحسابات الخاصة، بل وفق قاعدة أن لبنان أكبر من الجميع وأهم من الجميع، وأن الفتنة تستهدف كل لبنان وشعبه .

إذا كان بعض بلدان العرب عرف الفتنة في السنوات الأخيرة عندما هبّت مع رياح الغرب على العراق، كان اللبنانيون يطوون صفحتها ويسطّرون عبر اتفاق الطائف ملامح الطريق الجديد للبنان الواحد، لبنان المواطنة والعيش المشترك . لقد جرّبوا الحرب الأهلية خمسة عشر عاماً، وما زالت رائحة الدم تتسلل للذاكرة، فمن فقد ابناً أو أخاً أو أمّاً أو بنتاً أو صديقاً، لا ينساه بالتقادم، فكيف إذا كان بعض أمراء الحرب ما زالوا نجوم شاشات؟

اللبنانيون يعرفون كيف يعضّون على الجراح، يقرأون ما يكتب بين سطور العنتريات الملغومة والمغلّفة بتقديس الطائفية واستخدامها حطباً في مرجل الطموحات الشخصية والمصالح المفصّلة على مقاس أمراء الفتنة والموت . من المنطقي إذاً أن نجزم بأن لبنان، وإن كان على صفيح الخطر الساخن، لكنه لن يعود للحرب الأهلية، فالأمم الحيّة لا تعود إلى الوراء، ولا تطأطئ رأسها لتنظر تحت أقدام المتسلّقين على الجثث، بل ترفع رأسها نحو فوق بلا حدود وسماء لا تلوّنها الطوائف والمذاهب، بل تزركشها نجوم الوطن . السماء للجميع ونجومها لمن يرنو إليها وليست للخفافيش الهاربة إلى الزوايا المظلمة .

اللبنانيون ليسوا بحاجة إلى مفكرين استراتيجيين ليعلّموهم أن العدو الذي يعتدي عليهم منذ أكثر من ستين عاماً ما زال يحتل جزءاً عزيزاً من أرضهم، وهو الذي يتربّص بهم ويوصل الليل بالنهار استعداداً لعدوان عسكري لا يستثني طائفة ولا يحيّد مذهباً، ولا ينتقي عسكرياً دون مدني، أو كبيراً دون صغير . إذا كانت متطلبات اللحظة تبتسم ل “إسرائيل” وأعوانها اليوم، فإن الخريف بدأ بالانحسار، وقادم الأيام سيقطّب حاجبيه ويعلمهم درساً في العروبة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.