الخيار العسكري الاميركي ضد ايران؛ من الحقيقة الى التبجح

A1148119

 

على اعتاب جولة المفاوضات الجديدة التي ستنطلق بين ايران ومجموعة “5+1” في جنيف يوم الاربعاء من الاسبوع الجاري، للوصول الى اتفاق مبدئي حول قضية البرنامج النووي الايراني، تُسمع من واشنطن مرة اخرى اصوات تدعو للتامل.

وكان وزير الخارجية الاميركي جون كيري قال في تصريح له بان هيكلية اجراءات الحظر ضد ايران ستبقى كما هي بعد جولة المفاوضات النووية القادمة وان جزءا فقط من الاموال الايرانية سيتم الافراج عنه، كما قال بان 95 بالمائة من اجراءات الحظر الاميركي ضد ايران ستبقى على حالها.

وفي نفس السياق قال الرئيس الاميركي باراك اوباما بان اجراءات الحظر الاميركي الاساسية ضد ايران ومن ضمنها الحظر النفطي والمالي والمصرفي ستبقى كما هي.

ولم يتخذ الاتحاد الاوروبي لغاية الان اي موقف رسمي بشان ذلك الجانب من الحظر المالي والاقتصادي المفروض ضد ايران والذي سيقوم بالغائه او تجميده، ولكن من المستبعد ان يتخذ موقفا يتعارض مع توجهات واشنطن.
وقد قالت مساعدة الخارجية الاميركية وندي شيرمان في تصريحات للصحفيين الاسرائيليين بان الخلاف بين واشنطن وتل ابيب هو مجرد خلاف تكتيكي.

بناء على ذلك لا يبدو ان الاميركيين يعتزمون اجراء تغييرات واسعة في مسالة الحظر ضد ايران على الامد القصير على الاقل ولو قمنا بتحليل المسالة على اساس قواعد القدرة فمن البديهي ان كسر هيكلية الحظر قليل الاحتمال على الامد البعيد ايضا.

رغم ذلك فان ما يلفت الانتباه اكثر من اي شيء اخر على اعتاب جولة المفاوضات القادمة هو تاكيد الرئيس الاميركي من جديد على “الخيار العسكري”، اذ كرر اوباما مرة اخرى عبارة ان “الخيار العسكري موجود على الطاولة”.

ومن الطبيعي لا يمكن في الوقت الراهن التوقع من الاميركيين العزم على الغاء الحظر بشكل ملحوظ، لكن ما كان متوقعا على الاقل بعد ساعات من المفاوضات بين وزيري خارجية البلدين وانطلاق بداية دبلوماسية جادة، ان تقلع اميركا عن التهديد بالخيار العسكري وهو الامر الذي لا يريده الرئيس الاميركي او لا يستطيع ذلك.

ومثلما اقرت شيرمان ضمنيا فانه لا خلاف يذكر بين اميركا والكيان الاسرائيلي حول ايران وان تصريح اوباما في مثل هذه الظروف يعتبر تاييدا لتصريحات شيرمان، وان رئيس وزراء الكيان هو الذي يطلب من اميركا باستمرار التلويح بالخيار العسكري ضد ايران.

رغم ذلك لا بد من الاشارة الى 3 نقاط حول تصريحات اوباما يمكن من خلالها استنتاج ان الخيار العسكري ليس موجودا على طاولة الاميركيين ولا حتى بالقرب منها.

1- جورج فريدمان المحلل البارز في القضايا الجيوسياسية ومؤسس معهد “ستراتفور” الاميركي يشير بصواب الى تخلي واشنطن عن العمليات العسكرية الواسعة وان ما يعرف بـ “العمليات الجراحية العسكرية” هي التي حلت محلها وتعني الضرب والفرار كهجمات الطائرات من دون طيار. ومن المؤكد ان الاستراتيجيين العسكريين الاميركيين يعرفون اكثر من غيرهم بان المواجهة مع ايران تعني حربا اقليمية واسعة وليست عمليات ضرب وفرار.

2- لم يمض وقت طويل على حرب الايام الثمانية والتي بداها الكيان الاسرائيلي بعمليات ارهابية ضد قطاع غزة. في تلك الحرب تهافت الكيان الاسرائيلي للوصول الى اتفاق للهدنة وبالتالي توسط الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي وانقذ الكيان باتفاق سياسي من الورطة التي تخبط فيها. واذا كانت اشارات فريدمان تعني عجز اميركا عن خوض حرب شاملة فان الدروس المستقاة من حرب الايام الثمانية تعني عجز اميركا عن ادارة حرب بالنيابة ضد ايران. وليس بامكان الكيان الاسرائيلي ضرب المنشات النووية الايرانية في حرب ضد ايران بالنيابة عن اميركا ولو كان قادرا على ذلك لما تخبط في المواجهة ضد المقاومة الاسلامية في غزة.

3- ان الازمة السورية ومزاعم استخدام نظام الحكم للاسلحة الكيمياوية، يعتبر من الادلة الاخرة لعجز اميركا عن خوض حرب جديدة. اذا ان اوباما وفور تلقيه من روسيا قبول الحكومة السورية بمقترح نزع الاسلحة الكيمياوية اعلن عن قبوله بذلك متجاهلا الخط الاحمر الذي كان قد حدده من قبل. ومن البديهي انه لو كانت اميركا على استعداد لتحمل تكاليف حرب محدودة لكانت قد بادرت الى توجيه ضربات قاسية للقوات السورية لاضعافها ومن ثم القبول بالمشروع الروسي من موقف المنتصر الا ان اوباما فضّل عدم الخوض في مثل هذه الحرب المحدودة وتحمل كلفتها. لذا فان اميركا غير مستعدة كثيرا لدفع تكلفة مثل هذه الحرب حتى على نطاق محدود.

بناء على ما سبق فانه ليس بامكان اوباما ابدا التحدث جديا بشان الخيار العسكري ووجوده على الطاولة، وبطبيعة الحال فان مثل هذه “المزح” يمكنها ايضا ان لا تكون من دون كلفة.

ويدرك البيت الابيض جيدا بان اتفاقا ولو بسيطا مع ايران يمكنه انجاح الديمقراطيين في الانتخابات التكميلية القادمة للكونغرس ولو ذهبت الفرصة المتاحة الراهنة فانه على الديمقراطيين حينها دفع كلفة الفرصة المهدورة.

المصدر: وكالة أنباء فارس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.