الصين الصاعدة من الفقر المدقع إلى القمة

صحيفة الوطن السورية-

الدكتور قحطان السيوفي:

الصينيون يتباهون بإقليم التبت، الذي يتمتع بحكم ذاتي تحت السيادة الصينية منذ عام 1955، وقد شهد إقليم التيبت، عصراً من التنمية واستئصال الفقر المدقع الذي كان فيه مالك العبيد في نظام العبودية الإقطاعي يفرض فيه ظلماً لا مثيل له.

يفاخر الصينيون بأن بلادهم حققت نمواً متصاعداً أشبه بتسلق جبال التيبت، حيث قمة إيفرست، المسماة «سقف العالم»؛ لأنها أعلى قمم العالم، وتصل إلى ارتفاع 8848 مترا عن سطح البحر، والحزب الشيوعي الصيني اعتمد مسرحية «دموع العبيد» لعرض حياة العبيد القدماء في مسرحية تصور كيف أنهم كانوا يسرقون طعام الكلاب ليأكلوه! ثم يأتي الإقطاعي ليضربهم حتى الموت.

أنها المسرحية التي يشاهدها الصينيون جيلاً بعد جيل للإشادة بالنظام الصيني الذي ألغى الإقطاع ونظام العبيد، وتعتبر تجربة التيبت مثالاً نموذجياً للتجربة الصينية الصاعدة من قاع الفقر المدقع إلى القمة فقد أمضت الصين ثمانين عاماً لتتجاوز الأمية والفقر والمجاعة والإقطاع، ولتصبح اليوم؛ دولة عظمى قوية وعضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي.

منذ 2012 أعطت الصين الأولوية للقضاء على الفقر الذي تجاوزت نسبته 80 في المئة، وعملت الدولة على تطوير البنى التحتية، والقضاء على الفقر، وتوفير المنازل الحديثة ورياض الأطفال والمستشفيات.

الرئيس الصيني شي جين بينغ يفخر بأنه أعاد الحياة إلى طريق الحرير الذي يربط كثيراً من الدول عبر مشاريع بنية تحتية ضخمة تخلق طرقاً للتجارة العالمية، ويصف ما حققته بلاده بأنه معجزة القضاء على الفقر، وبلغة الأرقام أزيل الفقر من 832 محافظة و128 ألف قرية فقيرة.

بعد جائحة كورونا تفوق النشاط الاقتصادي الصيني عالمياً ليعود للنمو بمستوى 2.3 بالمئة خلال عام 2020، على حين سجلت الولايات المتحدة تراجعاً في النمو وكذلك اقتصاد ألمانيا وبريطانيا، ويتوقع الاقتصاديون أن تصبح الصين أكبر اقتصاد عالمي بحلول عام 2028.

وستقود النمو الاقتصادي العالمي، فهي الدولة الوحيدة التي لم تتأثر بشكل كبير بكورونا، وتشكل اليوم مصنع العالم.

لقد مر الاقتصاد الصيني بمراحل عدة، وتميزت كل مرحلة بمجموعة من الخصائص ويمكن تقسيم المسيرة التاريخية للتنمية الصينية على مدار أكثر من 70 عاماً إلى سبع مراحل:

المرحلة الأولى 1949- 1957 وتم خلالها تدعيم رواسخ الديمقراطية الجديدة الصينية ومرحلة الإصلاح الاشتراكي.

المرحلة الثانية 1958- 1965، وشهدت الصين خلالها التحول نحو البناء الاقتصادي، حيث ظهر أكبر تناقض في المجتمع الصيني وهو الهوة الساحقة بين تطلعات الشعب الاقتصادية والثقافية وما يمكن للدولة أن تنتجه، لذلك كانت هذه المرحلة برأينا بمنزلة «استكشاف أولي لما سيكون عليه شكل الاقتصاد الصيني لاحقاً».

المرحلة الثالثة 1966 – 1977، وسميت بـ«مرحلة الثورة الثقافية الكبرى»، حيث شهدت اضطرابات في التنمية الاقتصادية الصينية وخسائر اقتصادية كبرى انتهت بإجراء إصلاحات في عام 1975.

المرحلة الرابعة 1978- 1992 الأكثر تأثيراً في تاريخ التنمية الاقتصادية للصين، وتمثل مرحلة مبكرة من الإصلاح والانفتاح، هذه المرحلة شهدت أربعة أمور مهمة هي: التركيز بشكل جذري على التحول الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، وبدء الإصلاح في اقتصاديات الريف، وبناء بعض المناطق الاقتصادية الخاصة، والوصول إلى نموذج صيني في التنمية يعتمد على تنمية الاقتصاد السلعي المخطط.

المرحلة الخامسة 1992 – 2001، وتم خلاله الاستفادة من اقتصاد السوق أولاً ثم تحويله لاحقاً لاقتصاد مخطط مبني على احتياجات السوق الحقيقية وليس النظريات فقط.

المرحلة السادسة 2001 – 2012 وهي الأهم في مراحل تطور الاقتصاد الصيني، حيث شهدت انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، والتحول الاقتصادي والانفتاح الشامل.

المرحلة السابعة الحالية من عام 2012 حتى الآن، ودخل فيها الاقتصاد الصيني عصراً جديداً، تم التركيز على بناء اقتصاد حقيقي عالي الجودة، وتنفيذ استراتيجيات تنمية يحركها الابتكار.

الصين حققت خلال الـ70 عاماً الماضية إنجازات كبرى منها استمرار توسع حجم الاقتصاد الصيني، وتطور الصين من دولة متأخرة إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم وأصبحت قوة تجارية كبرى في العالم، تجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتصدرها، بالنسبة للاستيراد والتصدير، فقد شهدت الصين طفرة من التأخر النسبي على مستوى العالم إلى المركز الأول عالمياً في التصدير، والثاني في الاستيراد.

الصين انتقلت من اقتصاد يقوم في الأساس على الزارعة إلى مصنع العالم، لتنتشل بذلك نحو 700 مليون شخص من الفقر، وهي حالياً أكبر بلاد العالم سكاناً بحجم 1,4257 مليار نسمة، وأكبر مساهم في النمو العالمي، وأكبر دولة مصدرة في العالم، وثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، ويعد الانفتاح والإصلاح الاقتصادي الذي حدث بعد عام 1978 السبب وراء نقل الاقتصاد الصيني من التخلف إلى منافسة القوى الاقتصادية الكبرى في العالم.

وقد قدمت التجربة الصينية في التنمية الدليل والمرشد لدول العالم الثالث، والاقتصاد الصيني مرشح خلال السنوات والعقود القادمة أن يكون الاقتصاد الأكبر في العالم.

المعجزة الاقتصادية الصينية جعلت الاقتصاد الصيني يتربع علي عرش القمة، وحقق معدل نمو سنوي هو الأعلى عالمياً منذ عقود، وقد أصبحت الصين اليوم هي مصنع العالم.

الصين لم تعد الدولة النامية الصاعدة نحو القمة، الصين الآن دولة في القمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.