المعادلات المتغيّرة تحكم الساحة…

جريدة البناء اللبنانية-

‬ فاديا مطر:

منذ دخول المقاومة في لبنان على خط المواجهة مع الكيان الإسرائيلي بعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول المنصرم، والجبهة الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة تعيش هاجساً من القلق الكبير في متغيّرات قواعد الإشتباك فيها على نحو متصاعد، فالكيان الصهيوني لم يخفِ رعبه من تطور ميدان تلك الجبهة خصوصاً بعد تطور عمليات حزب الله في مساندة المقاومة في غزة عبر تدمير النظم التجسسية الإسرائيلة ومنها المنظومات الأكثر تعقيداً في العالم والتي تبلغ تكلفتها مليارات الدولارات والتي عمل الكيان الصهيوني على زرعها وتطويرها باستمرار منذ أكثر من عقدين لمراقبة الحدود الشمالية مع لبنان وعززها بنظم مراقبة من نوع «سوير» المتقدمة بعد عدوان 2006 والتي ثبُت فيها ضعف هذة المنظومات التجسسية في وجه المقاومين في كل نقاط التماس، حيث عمل حزب الله على معادلتين أساسيتين قرأتهما القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية بتمعّن في مجال أنّ الإستهدافات الموضعية والمحدودة في الشمال الفلسطيني من قبل المقاومة في لبنان قابلة لتوسيع رقعتها مع العدو، والثانية أن تطورات تلك الجبهة بكل مرتكزاتها مرتبطة بتطور العمليات في قطاع غزة ومجمل الأراضي الفلسطينية المحتلة…
هذا ما أكده سماحة السيد حسن نصر الله في كلمتيه المتواليتين سابقاً، فتلك الجبهة بحسب الخبراء العسكريين حتى الآن تُستعمل فيها «الأسلحة التقليدية» التي تملكها المقاومة من حيث نوعية وكمية السلاح وجغرافيا الاستهداف ونوع الأهداف، ولكن ما بدأ يخيف العدو هو معادلة «المدني بالمدني» التي فرضتها المقاومة في قلب مناطق العدو وفي مستوطناته القريبة من الشريط الحدودي مع لبنان، لا بل أرستها المقاومة اللبنانية كشرط مجبر للعدو في رده حتى هذه اللحظة من المعركة، وهي التي تملك كل القدرة العسكرية لفرض ما هو أكبر من هذه المعادلة.
وقد عملت القيادة الصهيونية في ما بعد الـ 100 يوم من عدوانها على غزة على تعزيز القدرة العسكرية في الشمال بعد سحب ثلاثة من ألوية النخبة لديها لوضع تلك الجبهة في حيّز «التوتر المتصاعد» كجزء من سلسلة حربها الإعلامية التي لم تنفع في تطمين المستوطنين المهجّرين من مستوطنات الشمال الفلسطيني للعودة أو للبقاء في المستوطنات أو حتى المحافظة الشكلية على تجمع سكاني ولو بسيط في تلك المنطقة بعد مغادرة أغلب سكان الشمال للمستوطنات الصهيونية ومشهد حركة النزوح الكبيرة التي لم تستطع الكاميرات إخفاءها عن مرأى ومسمع العالم، فكيف تفرض المقاومة معادلاتها بهذا الشكل؟
– تعمل المقاومة في لبنان على مبدأ الردّ النوعي والإستراتيجي لما يتطلبه العدوان الصهيوني في الشمال في نوع السلاح وكميته والهدف المقصود، وهو ما أبرزه الحديث الإعلامي لقنوات العدو في أنّ حزب الله لم يقرّر حتى الآن الدخول في حرب برية في الشمال الفلسطيني، وهذا بدوره ما تحاول أن تخفيه جملة التهديدات الصهيوأميركية منذ بداية العدوان بعدما استجلبت واشنطن قطعاً بحرية إلى البحر المتوسط للدعم اللوجستي العسكري وفشلت في زرع الثقة في سكان المستوطنات وحتى في قيادات الشمال العسكرية التي خبرت بأم العين عجز تلك المساندة عن حماية مستوطناتها والتواجد العسكري الإسرائيلي في الشمال، فقد عمل حزب الله على تعطيل معظم المنظومات التجسسية للعدو في الشريط الحدودي وقام باستهداف نوعي لغرفة عمليات الشمال الإسرائيلية بعد استشهاد القيادي صالح العاروري والحاج جواد في الجنوب اللبناني، وهو ما جعل العين الإسرائيلية التجسسية معمية عن الكثير من مساحات الجغرافيا المحيطة التي كانت تعتمد عليها في غرفة عملياتها المستهدفة، وبشكل آخر فقد خسرت القيادة العسكرية الإسرائيلية كبرى محطاتها التجسسية في الشمال الفلسطيني، لكن ما أظهره حزب الله في 25/ كانون الثاني الحالي من إدخال صواريخ موجهة بالنظام التلفزيوني لإستهداف أحد المواقع التجسسية الداخلية في جل العلام كان مفاجأة كبيرة للعدو من حيث أنّ دخول منظومات من الصواريخ الموجهة في المعركة تعني أن لا أهداف مخفية عن عين المقاومة، ولا عوائق يمكن لها كبح قدرة صواريخ حزب الله على استهداف العمق الإسرائيلي في مشهد تغيّرت معه نوعية السلاح ودقته وتغيّرت معه ربما كمية السلاح التي بحوزته، فالصواريخ الموجهة التي أدخلتها المقاومة لقلب المشهد العسكري تُعدّ تطوراً استراتيجياً لجهة أّن المنظومات الموجهة تلفزيونياً والتي تستطيع تصوير الهدف والاستهداف بدقة كبيرة بعد التغلب على التضاريس يُعتبر سلاحاً يختلف عن صواريخ «الكورنيت – كاتيوشا» وغيرها من صاحبة التسديد الليزري المطلوب فيها مشاهدة الهدف العينية والرمي باتجاهه لتحقيق الإصابة، فالخبراء العسكريون يعرفون أنّ دخول سلاح كهذا إلى ساحة المعركة يعني تواجد منظومات صاروخية للمقاومة تحمل نفس صفات ما تستعملة الجيوش الحديثة مما يشابه صواريخ «توماهوك» الأميركية، وهذا ما زال مخفياً على العدو كمية هذه الصواريخ والأجيال التي تمّ تطويرها منها ومعها المسافات التي يمكن أن تستهدفها تلك الصواريخ ونوعية الأهداف وإطلاقها…
إذن، نحن أمام تطور ميداني كبير في قواعد الإشتباك على الحدود الفلسطينية المحتلة والتي تلاقي بدورها كمية رعب إسرائيلية أكبر على ما يمكن أن تتقدّم فيه المقاومة ميدانياً وعسكرياً، وهنا يقع الكشف عن هذا السلاح في مكانين أحدهما استعمال هذا السلاح وتوقيت إدخاله في هذه المرحلة، والأنواع التي حصل عليها حزب الله وامتلك تطوراتها التي تزيد من معادلة الردع قوة وتعزز قدرة حزب الله على تغيير قواعد الإشتباك الحالية وعدم قدرة العدوعلى حماية المزيد من المواقع الإستراتيجية التي عمل على بنائها في العقود الماضية، فهل يملك العدو الإسرائيلي جواباً مضافاً لأجوبته الضعيفة في تحقيق أيّ نصر في الشمال الفلسطيني؟ وهل قدرته الإستخباراتية باتت بعيدة عن كشف خفايا تطورات المعركة مع حزب الله بوضعها الحالي؟ هذا ما يخفيه الآتي من التطورات…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.