رفح.. وحسابات المرحلة الثالثة

موقع العهد الإخباري-

إيهاب زكي:

منذ بداية نهار السابع من تشرين أول/أكتوبر، بدا أنّ الجغرافيا السياسية للمنطقة قد تغيّرت، وأنّ الخرائط في حال ٍمن انقلابٍ تاريخي. سرعان ما بدأت آلة القتل الصهيونية بالعمل بلا توقفٍ أو محاذير، ومن دون روادع.

بدأت المجزرة الكبرى ولم تنتهِ، وكان القصف سجاديًأ على امتداد قطاع غزة، من شماله إلى جنوبه شرقه وغربه مرورًأ بوسطه، وكان القتل والتدمير ورؤية أنهار الدم وأكوام الركام هو الهدف.

هبّ العالم على قلب شيطانٍ واحدٍ لمساندة القتلة، ودعمهم وتأييدهم والشدّ على أياديهم، وتقاطر أقطاب الشرّ المؤبد على الكيان لمؤازرته وتحريضه على المزيد من الجرائم.

في تلك الأثناء؛ كان الهاجس الأكبر الذي سعت الولايات المتحدة رأس حربة العدوان لتجنبه، هو الاستفراد بغزة وأهلها تحت شعار عدم توسيع نطاق الحرب، أي ألّا يتم فتح جبهاتٍ أخرى، وحتى اللحظة فشلت في تحقيق ما أرادت. الجبهات المختلفة اشتعلت في إطار الدعم والمساندة، خصوصًا الجبهة اللبنانية التي كانت أكثر الجبهات ترشيحًأ، وفي الوقت ذاته الأكثر تهيبًأ في الوجدان الصهيوني من فتحها.

ومع بدء العدوان البري الذي بدأ من عدة محاور، من الشمال والشرق والغرب، وانطلاق المقاومة الشرسة، ظهرت عمليات النزوح والتهجير القسري نحو جنوب قطاع غزة، وتفاقمت الأوضاع المعيشية والصحية والإنسانية إلى حدودٍ قصوى، وكانت الحياة في المحافظتين الجنوبيتين خان يونس ورفح، أشبه بيوم الحشر، اكتظاظ سكاني هائل، وندرة شديدة في السلع التموينية والمرافق الصحية، وبالتالي غلاء فاحش وتفلت في الأسعار بشكلٍ يفوق احتمال الغالبية العظمى من أهالي قطاع غزة، وزاد من تفاقم المعاناة عدم وجود رواتب للموظفين مع استنكاف العدو عن تحويل أموال المقاصّة للسلطة الفلسطينية، وكذلك انهيار القطاع الخاص بشكلٍ شبه كامل.

ومع اشتداد الحرب، أعلن العدو بدء ما أسمّاه المرحلة الثانية من عدوانه، والتي كان عنوانها اجتياح خان يونس حيث غرق في مستنقع من أفخاخ المقاومين، بدأ بالتالي سكان المنطقة ونازحوها بالنزوح مجددًأ نحو محافظة رفح، المحافظة الجنوبية على الحدود المصرية، وآخر محافظات قطاع غزة قبل السلك الشائك مع مصر.

في بداية عمليات النزوح، كانت الشرطة الفلسطينية تمنع الناس من الاقتراب من السلك الشائك لنصب خيامهم، وذلك بطلبٍ من الأمن المصري، ولكن بعد اكتظاظ رفح مدينتها وقراها وأحيائها وتلالها وشواطئها ومدارسها، وشوارعها وأرصفتها ومتنزهاتها وكل أماكنها العامة بالنازحين وخيامهم، بدأ الناس بالاقتراب أكثر فأكثر بخيامهم من السلك الشائك على الحدود المصرية، ولم تعد الشرطة الفلسطينية قادرة على إبعادهم، لأنّ من ستطلب منه الابتعاد، سيطالبها بتوفير خمسة أمتارٍ لينصب بها خيمته، وبالتالي أصبحت الحدود المصرية على موعدٍ مع انفجارٍ كبيرٍ ومحتمل لتدفق النازحين إلى داخل الحدود المصرية، مع أول إعلانٍ صهيونيٍ عن بدء عمليةٍ بريةٍ في رفح، وفي رفح المكتظة بالنازحين، يتندر الناس بأنّ إلقاء مجرد حجر على رفح سيُؤدي إلى ارتقاء خمسة أشخاص.

والمفروض أنّ رفح هي ذروة العدوان الصهيوني على غزة، حيث أنّ دخولها بريًأ يتطلب نزوحًأ، ولا مكان يؤوي الناس إليه نزوحًا سوى سيناء داخل الحدود المصرية، ومن المفترض أيضًأ أنّ هذا محذورًا كبيرًا يعيد هاجس الحرب الإقليمية إلى العقليتين الأمريكية والصهيونية، حيث إنّه في حال فتح الحدود بفعل فاعل أو كسرها تحت ضغط القصف على رؤوس الناس، وخرجوا نحو سيناء، فإنّهم لن يعودوا حتى لو توقف العدوان، لأنّ توقف العدوان والناس خارج القطاع، يعني أنّ الكيان سيكون المنتصر، وبالتالي هو صاحب اليد الطولى في قطاع غزة، وهو لن يسمح بأيّ شكلٍ من الأشكال بعودة المهجّرين قسريًا

لكن الواقع حتى اللحظة يتعارض مع تلك الافتراضات، حيث إنّ العدو ماضٍ في خططه المهلهلة الفاشلة، والتي لا تأتي أُكلها إلا في القتل والتدمير والتهجير، وما زال يمتلك المزيد من الوقت لمحاولات رتقها، حيث لا يبدو أنّ هناك ما أو من يردعه سوى المقاومة التي أثخنته وثلمت قرنه وشجت رأسه.

إذًأ نحن في اللحظات الأخيرة للصراع بين الفرضيات والواقع، فرضية أنّ العدو سيحاذر من مخاطرة الهجوم البري على رفح، بكل ما له من تداعيات لتجدد هواجس الحرب الشاملة وبالتالي الزوال، أو الذهاب بعيدًأ في الواقع نحو اجتياحٍ بلا حساباتٍ لحربٍ شاملة، أو فرضية اجتياح رفح بلا تهجيرٍ نحو سيناء، وبالتالي استبعاد هواجس الحرب الشاملة.. حتى ذلك الوقت، تبقى الكلمة للمقاومة والميدان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.