النصف +1= لاجئون !

jordan-cnn

صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح*:
هذه المرة فجروا القنبلة على موقع فضائية “CNN” الامريكية. ومفجر القنبلة ليس أجنبياً بل أردنياً عربياً بإمتياز. إنه رئيس وحدة الكوارث والازمات في الهلال الاحمر الاردني، المهندس رعد الحديد، الذي قال بالحرف مُعقّباً على موجات اللجوء إلى الاردن منذ عام النكبة الفلسطينية 1948، بالتالي: “هناك عدد تراكمي وصل اليوم إلى 4 ملايين و800 ألف، يٌصنّفون “كلاجئين” على أراضي المملكة حتى العام الجاري.”!
هذه المعلومة التي طرحها الحديد خطيرة جداً، وتعني أن الاردن هو الوطن البديل لموجات متلاحقة من اللاجئين من بلدان وقِيعان عديدة، وليس للفلسطينيين لوحدهم بالمنظار الصهيوني. فبلدنا صار شبيهاً بالإسفنجة، تمتصهم من كل حدبٍ وصوبٍ، ومِن كلِّ رياحٍ وجهاتٍ. وفي الحقيقة فإن لدينا في الاردن عددٌ غير قليل من اللاجئين الأفارقة، أصحاب الضاد وأنصار غير الضاد، وها هم معروفون بِسِحنِهم السمراء التي لوّحتها صحارى أفريقيا من شرقها الى غربها، ومن صحرائها الكبرى، يسكنون في أزقة الأحياء الشعبية الكثيرة في العاصمة وأطرافها القديمة، وأضحت مربعات جبل عمّان تغص بهم منذ سنين كثيرة، وبغيرهم من اللاجئين، ومنهم السوريون، ومِن قَبلهم العراقيون، وسبق هؤلاء وأولئك الفلسطينيون، جِمالُ مَحَامِلِ النكبات واللجوءات والشتات، ناهيكم عن العُمّال والعاملات النشميات من بلدان آسيا الشرقية الجنوبية، و”الموظفات” الاوكرانيات في كل زاوية وحِتّةٍ وغيرهم وغيرهم!.
لا اعتقد بأن المعلومة التي طرحها الحديد في الإعلام الامريكي غير واقعية، فهو يتحدث عن إحصاءات وصفها بأنها رسمية، وعن عديد ليس اللاجئين فقط، بل جَمَعَ إليهم العديد التراكمي الطبيعي، أي الولادات المتواصلة لهؤلاء. فالعربي، عموماً، يمتاز برغبة جامحة لإستيلاد الاطفال، بغض النظر عن وضعه الاجتماعي والطبقي، وشعاره ان العلي القدير يَهب مَن يشاء، وبأن الطفل يولد ورزقه معه. الحديد أكد في تصريحاته التي نقلها موقع CNN بالعربية: “إن هذا الرقم يُشكّل العدد الإجمالي التراكمي للاجئين إلى المملكة، من فلسطينيين وسوريين وعراقيين وغيرهم، بحسب سجلات رسمية، بحسب قوله، عدا عن عدد السكان الأصلي للبلاد”.
المعلومة التي أذاعها الحديد جديدة في الإعلام، ولم يسبق تداولها بحسب علمي. وتكمن خطورتها في الاعلان عنها أيضاً في الوقت الحالي بالذات، حين يتذرع قادة الكيان الصهيوني، بأن الاردن هو الوطن القومي للفلسطينيين، كما فلسطين بإدعائهم، “وطناً قومياً لليهود من كل أرجاء العالم”، وبأن صحراء الاردن وغوره، “يستطيعان استيعاب المزيد من الفلسطينيين، من الضفة والقطاع ولبنان والعراق وسورية”، وهي إسطوانة مشروخة لا تنقطع عن الدوران صهيونياً في كل الحقب والتطورات الزمنية في المنطقة. لكن الخطورة هنا أيضاً، ان يُبَادر السوري والعراقي في المستقبل، من أولئك أصحاب اللجوء الاقتصادي والسياسي، الى المطالبة أُسوة بالآخرين، بحقوق سياسية وغيرها من “الحقوق السيادية” للمواطنة في الاردن.
ومع تحفظي الشديد على تصريحات الحديد حول اللاجئين، إلا أنني أؤيده في تصريحات أخرى ذهب إليها هي في مطالبته، خلال ورشة عمل نظّمتها وزارة الداخلية بالتعاون مع بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عمّان، الأحد الماضي، بشأن الوضع الزلزالي الذي وصف بأنه خطير بالاردن، “أن يحاول الهلال الأحمر الاردني إلزام الجهات المانحة بتخصيص ما لا يقل عن 20 إلى 30 في المئة من المساعدات القادمة للمملكة، لإغاثة الأردنيين”، وأشار الى أن أزمة اللجوء السورية، “دفعت الجهات المانحة الى توجيه مِنحها إلى اللاجئين، ما ترتب عليه حرمان نسبة من الأردنيين من تلك المساعدات”. مُطَالبَة الحديد شرعية ولازمة ويجب ان تكون مُلزِمة للجهات المانحة، فلدينا في البلاد عددٌ كبير لا يُحصى من الفقراء رفاق الفقر المدقع، ممن لا يجدون قوت يومهم ولا شربة ماء نظيفة، وقد كنت شاهداً على وضعهم، خلال مشاركة سابقة لي في أنشطة توزيع المساعدات العينية على محتاجين وكانوا بألوف كثيرة، وشاهدت بأُم عيني مآسى كثيرة يَصعب تصورها، واقتنعت بأن اللاجئين العرب والاجانب في الاردن يعيشون ألف مرة أفضل من مئات الألوف من مواطنينا الاردنيين، ممن لا بواكي لهم!.
مهمة مُطالبة الاردنيين لأنفسهم بجزء من المساعدات مِن جُملةِ تلك التي توزعها الدول العربية والاجنبية في الاردن على غير الاردنيين، غدت مهمة ملحة ومشروعة في زمن يتزايد فيه فَقرهم وتسويتهم بمربعات الفاقة في الهند والبنغال، وتتعاظم مشكلاتهم، وتنوء أكتافهم عن أحمال مخترعة لأسماء وعناوين متجددة ومتلاحقة من الضرائب الناحرة لرقابهم بحد سِكّينها الحاد، فأكثريتهم لا قدرة لهم على دفعها للدولة، فكيف ذلك وأُلوف مؤلّفة منهم بلا عمل، ولا قدرة لهم لتناول الحمص المهروس والفول المدمس حتى، الذي سرقه منهم الاغنياء والمطاعم الفخمة، التي صارت وجبة الحمص فيها توزاي وجبة من اللحم البلدي الأحمر القاني!.
addiyar_elena@hotmail.com
•    صحفي وكاتب أُردني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.