الهند و’إسرائيل’: علاقات دافئة تزداد قوة

india-israel

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

تسعى الأمم دائماً للحفاظ على مكتسباتها والتشبث بما لديها، وتحذر التفريط بما هو مؤمّن لها، لا بل تسعى إلى زيادة المكتسبات ورفع مستوى الحيازات.. إلا أمتنا العربية، فهي تسير بعكس منطق الأشياء، وبعكس منطق التاريخ أيضاً، فلا تترك مكسباً إلا وتبدّده، ولا علاقة إلا وتقطعها، ولا ميّزة إلا وتحوّلها إلى نقمة على شعوبها.

ما جرى ويجري بين الهند و”إسرائيل” مثال فاقع ودليل قاطع على واقع تنازل العرب بكل بساطة ـ وربما بكل تآمر ـ عن نقاط القوة لديهم، وتبديد كل إمكانيات الاعتماد على مصادر الدعم في العالم، بما يدفع للتساؤل: أي غباء يتحكم بعقول المتحكمين بشؤون أمتنا، لا بل أي خيانة تعشش في نفوسهم؟

لقد كانت الهند على الدوام من الدول التي تقف في صف الحقوق العربية، وكان قادتها من أكبر المناصرين لقضية فلسطين بالذات، لا بل إن الهند هي من الدول التي صوّتت ضد قرار التقسيم عام 1947، في متابعة لصيقة لموقف الدول العربية من هذا الموضوع، بالرغم من كل الضغوط الغربية والشرقية على الهند، والإغراءات المادية والمعنوية التي قدّمتها المنظمات والوكالات الصهيونية واليهودية.

وبقي موقف الهند على الدوام إلى جانب الحق العربي في فلسطين بلا تردد ولا تنازل، إلى أن تنازل العرب عن حقوقهم ـ أو ما تبقى منها ـ فسلّموا بـ “السلام” مع “إسرائيل”، وانفتحوا عليها، وأقام بعضهم العلاقات الدبلوماسية معها، وكسروا حُرم الاتصال بها، فسلكت الهند ـ كما دول كثيرة في العالم ـ المسلك نفسه، دون أن تجد في ذلك أي مشكلة أو ذنب.

ومقابل التفريط العربي، كان هناك المخطط الإسرائيلي للقفز فوق ما كان حصاراً عربياً، والذي حمل اسم “عقيدة الأطراف”، وهدفه إقامة علاقات مع دول آسيوية وأفريقية لتحسين الظروف السياسية والاستراتيجية “لإسرائيل”، فكان التخلي العربي فرصة كبرى للجهد الإسرائيلي من أجل كسب ودّ العديد من الدول، ومن بينها الهند نفسها.

وبين التراخي العربي والجدية الإسرائيلية في التعاطي مع موضوع العلاقات مع الهند، كانت هناك التطورات في الهند نفسها، فالعلاقات بين نيودلهي وتل أبيب بدأت تتطور بشكل فعلي مع تولي حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف الحكم في تسعينيات القرن الماضي، ومن ثم تعززت العلاقات أكثر فأكثر وبشكل غير مسبوق مع تسلم الحزب نفسه الحكم منذ أيار/ مايو من هذا العام (2014).

ولا شك في أن لشخصية رئيس الحكومة الحالي نارندرا مودي دوراً كبيراً في تعزيز هذه العلاقات، فالرجل لا يُخفي إعجابه بما لدى “إسرائيل” من إمكانيات، وبما يمكن أن تقدمه للهند على صعيد التكنولوجيا المدنية والعسكرية على حد سواء. وهذا السياسي الهندي ليس طارئاً على الساحة السياسية في بلاده، وإنما كان قبل تسلمه منصبه الحالي رئيساً لحكومة ولاية غوجارات شمال غرب الهند، وهو شرّع ولايته خلال السنوات الماضية “لإسرائيل”، وشجّع على تحقيق التعاون معها في الكثير من المجالات الزراعية والصناعية والعلمية، وبالتالي فإن ما يفعله الآن هو نقل التجربة من المستوى المحلي في غوجارات إلى مستوى الهند ككل، مع وجود أجواء مشجعة لهذا الانتقال، نظراً لتقديم “إسرائيل” صورة مشرقة لتعاونها مع الولاية التي تمكنت من الاستفادة بشكل كبير من التعاون الإسرائيلي معها.

اللوبي اليهودي وراء الانفتاح الاسرائيلي على الهند
أما ما يسمح بتمرير هذا التعاون في الهند بشكل طبيعي فهو بشكل أساسي الدور الذي تلعبه “إسرائيل” في تسهيل انتقال التكنولوجيا العسكرية الأميركية والإسرائيلية على حد سواء، والتعاون العسكري الذي أخذ يتعزز بين الطرفين على مختلف الصعد، وصولاً إلى تسهيل “إسرائيل” لتطوير البرنامج النووي الهندي، بغض طرف كبير من قبل الولايات المتحدة، وبدعم كبير من اللوبي اليهودي في واشنطن.

كذلك هناك موضوع الإرهاب، وما بات يُطلق عليه “الإرهاب الإسلامي” بالتحديد، فالهند عانت من العديد من العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، وكانت التهمة موجهة إلى مجموعات إسلامية متطرفة، في حين أن “إسرائيل” تقدم نفسها للهند كخبير في محاربة الإرهاب، وتدعمها بالخبرات والمعدات والطاقات التي تساعد في مكافحة الإرهاب، ما يجعل العلاقة بين الطرفين أكثر دفءً و”فائدة”.

ولا يمكن إغفال “المشاعر الشخصية” لرئيس الوزراء مودي، الذي يبدو أن لديه مشكلة مع المسلمين بشكل عام، وقد برز ذلك من خلال علاقته مع المسلمين في الولاية التي كان يقودها، حيث يتحدث الكثيرون عن علاقة له بحملات التنكيل التي تعرض لها المسلمون في غوجارات خلال فترة حكمه.

كل هذه المعطيات، معطوفة على العجز العربي المطلق في التعامل مع القوى الدولية، والتبعية البغيضة للولايات المتحدة في التعاطي مع الملفات العالمية، والاسترخاء الشامل في متابعة العلاقات مع الدول التي وقفت دائماً إلى جانب العرب وقضاياهم، جعل من المنطقي أن تتحول دولة كبرى كالهند من حليف أساسي لقضية فلسطين والقضايا العربية الأخرى، إلى حليف تزداد علاقته وثوقاً وقوة مع العدو الحقيقي للعرب، أي “إسرائيل”.

فعلى من يقع اللوم في هذا المجال، وإلى من يجب أن توجّه سهام النقد والاتهام؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.