جنوب افريقيا والبريكس وعقلنة الاقتصاد والسياسة الدولية

BRICS_summit

صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح*:

يَا لهُ مِن عالمٍ إمبرياليٍ مُشَوّهٍ عجيبٍ وغريبٍ، عندما يَلغ المُهمَّشون من أذنابِ الرجعيات “العربية” مرافقين للإمبريالياتِ والميغا إمبرياليةِ في دماءِ الشعوبِ ومحاولةِ إلغاءِ عقول أبنائِها وَليّ ذراع الحقائقِ لتصبح أعشار حقائق، ولا حقائق. وفي المقالات المنشورة، والمتاحة على الانترنت، تطبيلٌ وتزميرٌ لا ينتهي عن إنهيار دول حلف “البريكس” والحلف ذاته، ويُشيع أشباه خبراء وتنشر أنصاف دراسات عن إنهيار التحالف البريكسي، وعن تراجع الصين وروسيا اقتصادياً واجتماعياً، وانفضاض جنوب افريقيا عن قِوام الحلف، وتوجهها ناحية أمريكا والغرب، و”رؤيتها” بأن التحالف الغربي هو “مصيرها” وموقعها “الطبيعي”!.

في لقاء وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، مع وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ذماتي نكوانا ماشاباني، التي تقوم حالياً بزيارة إلى روسيا أُصيب المُبشِّرون والناعقون بسقوط البريكس بخيبة أمل كبرى وانهارت أحلامهم، وبانت مؤامراتهم وتكشّف التحاقهم بالركب الأمريكي والغربي وارتهانهم له. فقد عرض لافروف وشريكته الجنوب افريقية الى قوة العلاقات القائمة بين الدولتين وثبات أركانها السياسية والفكرية، وكذلك أمر الدولتين في إطار مجموعة “البريكس” الدولية أيضاً العاملة على “إزاحة” “الناتو” ومؤسسات الاستعمار التاريخية عن الساحة الدولية وإلحاق الهزيمة التاريخية بها بضربة قاضية تظهر بوادرها للعيان على الصُعد الإقليمية وفي سورية، ونوّها الى صلابة التحالف وتبادلا التصريحات المبشِّرة بمزيد من العلاقات الاقتصادية وتوظيفات الاستثمار الروسية الجنوب افريقية، واستعداد روسيا الكامل لمساعدة جنوب إفريقيا في المجالات التي تطلبها الدولة الافريقية الحليفة، وفي هذا الواقع ركنٌ هامٌ للغاية في مَسارِ تدعيم “البريكس” وتأثيره وتطوّرِه على الساحة الدولية وفي البلدان التي يَتشكّل منها.

لافروف تحدث أمام الصحفيين وبوجود نظيرته الوزيرة الافريقية، عن ان موسكو وجوهانسبرغ تنطلقان في علاقاتهما وحِراكاتهما مِن فهمٍ عميق هو أن “زعماء حلف “البريكس”، ويضم الصين، روسيا، البرازيل، الهند، وجنوب إفريقيا، سيقومون خلال قمة العشرين القادمة بالنظر في تقدّم تنفيذ المسائل التي وضعت خلال القمة الأخيرة في دربان، في آذار الفائت”، وموضحاً بأن هذه المهام ترتبط بإنشاء “بنك بريكس للتطوير”، وتدشين تجمّع للعملات الإحتياطية، مِن شأنه أن يلعب دوراً في تجنّب التأثير السلبي لتقلبات أسواق العملات على إقتصادات “البريكس” والدولتين، وفي هذا التصريح الخطير يكمن جوهر “بريكس”، وسُبل التطلع الاستراتيجي الروسية و”البريكسية” وتوجهات موسكو وبكين نحو فك الارتباط البنيوي بالأنظمة الرأسمالية واقتصاداتها، وسلب الأنظمة الخصم آليات التأثير على دول “البريكس” وروسيا والصين، وتحرّر بلدان الضد، بمجموعها، من قيود النظام الرأسمالي الغربي والعنجهية الأمريكية والتكالب التوسعي الامبريالي، وبرزو “البريكس”، تدريجياً لكن بثبات، كقوة دولية فاعلة اقتصادياً، ومن ثم سياسياً فدبلوماسياً وهلمجرا.

الوزيرة الجنوب افريقية، ماشاباني، اشارت لسرورها وارتياحها الكبير للقاء لافروف، هذا الدبلوماسي المخضرم، ونوّهت الى أن أجواء موسكو حتى صارت أكثر دفئاً منذ أن حطّت رحالها في العاصمة الروسية، وتحدثت بلهجة الصديق الحميم لروسيا، وبتعبيرات من وجهها عرضت لارتياحها لعلاقات بلادها مع موسكو ولوجودها في روسيا، وكشفت عن ان  مباحثاتها مع لافروف تناولت التعاون في مجال الاستثمار المشترك للحقول النفطية والغازية، إلى تفعيل مخطط للتعاون في مجال الطاقة والطاقات البديلة، بما في ذلك الاستخراج المشترك للنفط والغاز، وتوليد الطاقة من المصادر النووية .لكن الأكثر لفتاً للانتباه هو، عمل الطرفين على تطوير التعاون في مجال صناعة الطائرات، وإنتاج مروحية خفيفة متعددة الأغراض، والتعاون العسكري.

الإتحاد الاوروبي والولايات المتحدة تنتقدان بحدة دول “البريكس”، وبضمنها جنوب افريقيا بعنف. فخلال اليومين الأخيرين وعِقب تصريحات لافروف وماشاباني، لاحظت تلاحق الانتقادات الأمريكية والاوروبية اللاذعة لموسكو وجوهانسبرغ، وإدّعاء الاتحاد الاوروبي وأمريكا بأن انظمة “البريكس”، الى جانب أنظمة دول أخرى صديقة لها على شاكلة إندونيسيا والهند وأوكرانيا، “تطبّق أكبر عدد من الإجراءات التي تمثّلُ قيوداً تجارية”، وتشملُ هذه الإجراءات “كل شيء” بدءاً من زيادة الرسوم على الواردات، وانتهاءً بحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية”، وهي إجراءات يَحق لهذه الدول ولغيرها إقرارها حمايةً لنفسها من تغوّل الرأسمالية الإمبريالية، الساعية لفتح المجتمعات على مصاريعها وإنهاكها، فاستعمارها اقتصادياً وعسكرياً.

المفوضية الاوروبية تقول أن 154 قيداً تجارياً جديداً تم فرضها على مستوى العالم خلال الفترة من أيار  2012 إلى أيار  2013 ، ليصل إجمالى عدد القيود التجارية التى تم تطبيقها منذ بداية الأزمة المالية العالمية سنة 2008 إلى 690 قيداً، وهو لعمري نصرٌ ساحق لدول الاقتصادات الصاعدة تعرض الى عمُق الادراك في مجال الاقتصاد السياسي. فالإجراءات الحمائية الآن تتزايد أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت تمثل سياسةً جديدةً لتقييد سيطرة الشركات فوق القومية والعابرة والاحتكارية على مستوى العالم، ترسيخاً لمناهج النمو الوطني المتوازية للدول المتحالفة التي تسعى الى سوق دولية من طِراز جديد، ولفرض مصالح الامم، وليس مصالح الاستعمار الاقتصادي، وهو واقع جديد بات  يفرض الجنون على الامبريالية ويدفعها لإرتكاب الحماقات بخاصة الحربية، ويُعد أحد الأسباب الدافعة للإمبريالية لشن الحروب العالمية والاقليمية، كالحرب غير المباشرة والمباشرة على سورية، الدولة التي ترفض تماماً أشكال الإحتواء والمقامرة الإقتصادية كافة مع أمريكا والغرب، وتستبدلها بتمَاهيها مع الصين وروسيا ودول “البريكس” الطالعة الى فضاء الإقتصاد شبه المُخطط والمنضبط والعاقل والمُعقلن، الى جانب السياسة والتفكير المعقلنين القائمين على الحساب.

*كاتب ورئيس الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.