حتى لا يضل التاريخ: الحاج عماد وبنت جبيل

موقع العهد الإخباري-

يوسف الشيخ:

خريف العام 2005 وبعد عملية الغجر مباشرة، وفيما كان لبنان غارقاً في صراعاته الداخلية الناتجة عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري شهدت الحافة الأمامية للجبهة من شبعا وإلى الناقورة وخصوصاً قاطع عمليات بنت جبيل تحولاً هاماً تمثل بإلحاق عشرات المجاهدين النوعيين ممن لا وجود لهم فعلياً على الرادار الاسرائيلي بذلك المحور.

معظم هؤلاء المجاهدين ألحقوا بموجب مأموريات طويلة أو مؤقتة أو بموجب عمليات نقل. وكانت السمة البارزة لهؤلاء المجاهدين أنهم من المنتسبين إلى سرايا الاستشهاديين من أصحاب الروحيات العالية والخبرة التي لا تقل عن 15 عاماً. كانت خصوصيتهم المشتركة أنهم كانوا من المجهولين فعلاً في جسم المقاومة الكبير الذين لا يفتقدون إذا غابوا أو حضروا ولا يمثلون حالة يعتد بها الاسرائيلي في ذلك الزمان الذي دخل فيه المئات من العناصر الشابة إلى الجسم الجهادي رغم أهميتهم الفائقة على المستوى الروحي والمعنوي وطبيعة الخبرات التي يمتلكونها.

كان الهدف من إلحاق هؤلاء الذين لم يتجاوز عددهم (100- 150) فرداً من مختلف الاختصاصات العسكرية غير معروف إلا في عقل قائدهم الفذ الحاج عماد مغنية وعدد لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة ممن كلفوا بمهمة محددة وهي التحضير لعملية أسر جنود اسرائيليين لمبادلتهم بأكبر عدد ممكن من الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب.
وكان قد سبق تلك المرحلة في نهاية صيف 2005 تأسيس وحدة سرية مهمتها إعداد وتنفيذ عملية الأسر وانتخاب من يلزم لهذه المهمة الجليلة تكلف بقيادتها ميدانياً أمير الميادين الحاج خالد بزي (الحاج قاسم).

واستباقاً لأي تعقيدات مستقبلية في قاطع عمليات بنت جبيل الحساس، فقد حدد الحاج عماد مجموعة من المواصفات للأفراد الذين يريدهم أن يدافعوا عما سمي بالمحور الثالث آنذاك، وذلك بعدما أخذ قرار عملية الأسر وبدأ الأخوة المكلفون الإعداد لها. وتضمن الإعداد سحب أفراد عاملين في نفس المحور والمحاور الخمسة الأخرى للمشاركة في الاعدادات الأولية لعملية الأسر ولاحقاً تنفيذ العملية نفسها.

خضعت الجبهة كلها في ذلك الوقت من الناقورة إلى شبعا لعملية تأهيل وتدريب واسعة على الأسلحة المتوفرة والجديدة التي ستستعمل في أي حرب قادمة قد تفرض على المقاومة إن بسبب عملية الأسر أو غيرها.

إلا أن السؤال المحير الذي طرحه كل المعنيين في العمل الجهادي هو لماذا اختار الحاج عماد هذه المجموعة المنتقاة التي جرى انتدابها للعمل في المحاور المختارة ولا سيما محور بنت جبيل ولم تنتدب لعملية الأسر لا سيما وأن معظمها ممن يمتلكون الروح الاستشهادية وأنه جرى اختبارهم لسنوات طويلة؟ ولماذا اختار الحاج عماد لهم أن يعملوا في المحور الثالث والرابع فقط وليس في المحور الثاني حيث كانت ستنفذ عملية الأسر؟

الجواب كان في تقدير الحاج رضوان العسكري المستند إلى خبرة سابقة وهو أن بنت جبيل ستكون في أي حرب قادمة الفخ الكبير الذي سيستدرج جيش العدو إليه أو سيستدرج جيش العدو نفسه إليه، حيث سيثبت له المقاومون بالفعل أن “إسرائيل هي أوهن من بيت العنكبوت” من نفس المدينة العاملية الضاربة في القدم التي وقف فيها سيد المجاهدين سماحة السيد حسن نصر الله يوم الجمعة في 26 أيار 2000 ورمى الكيان المؤقت الذي كان لا يبعد عن مكان الاحتفال 3327 متراً بلعنة “بيت العنكبوت”.

كانت بنت جبيل أيضاً في وجدان الحاج عماد تحمل صفتين محببتين إلى قلبه وروحه، فهي المدينة التي خضع فيها لأول دورة عسكرية في سن الرابعة عشرة من عمره، كما شهدت منطقتها وبالتحديد بيت ياحون ومارون الراس أول اشتباك فعلي بينه وبين العدو في الاجتياح الصهيوني الأول في آذار العام 1978.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.